فتش عن الجينات.. دراسة تكشف أسباب اكتساب بعض الأسماك خاصية الصعق الكهربائي
تساعد الأعضاء الكهربائية الأسماك الكهربائية -مثل الأنقليس الرَّعَّاد (ثعبان السمك الكهربائي)- على القيام بعدد من الأمور المدهشة، إذ ترسل هذه الأسماك وتستقبل إشارات تشبه أغاني الطيور، الأمر الذي يساعدها في التعرف على الأسماك الكهربائية الأخرى كل حسب نوعه أو جنسه. كما أن هذه الأسماك تقتل فرائسها من خلال الإشارات الكهربائية التي تصدرها والتي تسيطر بها على الجهاز العصبي للفريسة.
صدمات كهربائية
وحديثا، فسرت دراسة بحثية نشرتها دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances) في 1 يونيو/حزيران الجاري السبب في قدرة هذه الأسماك على إنماء أعضاء كهربائية، إذ تعرفت الدراسة على التغيرات الجينية الصغيرة التي ساعدت الأسماك على القيام بذلك، الأمر الذي قد يساعد العلماء مستقبلا في تحديد الطفرات الجينية الكامنة وراء بعض الأمراض البشرية.
ويشار إلى أن جميع أنواع الأسماك تمتلك نفس الجين الذي يُنتِج محركات بروتينية صغيرة تعرف بقنوات الصوديوم، إذ تسمح هذه القنوات بعبور أيونات الصوديوم خلال غشاء الخلية الخارجي.
ويؤدي عبور هذه الأيونات خلال غشاء الخلية إلى إحداث فرق في الجهد بين الجزء الخارجي والداخلي من غشاء الخلية، مما ينتج عنه استثارة الخلايا التي تحتوي على هذه القنوات مثل الخلايا العضلية والعصبية. وبالتالي، فإن العضلات -على سبيل المثال- تنقبض نتيجة لتولد هذه الإشارات الكهربائية.
تلاعب جيني
ووفقا للبيان الصحفي الذي نشرته “جامعة تكساس في أوستن” (University of Texas at Austin) بالولايات المتحدة تعقيبا على الدراسة، فإن الأسماك الكهربائية قد تلاعبت بهذه المحركات التي تستثير الخلايا العضلية، إذ أوقفت هذه الأسماك بعض النسخ المكررة من جينات الصوديوم في العضلات وقامت بتشغيلها في الخلايا الأخرى. ومن ثم فإنها أعادت بذلك توجيه هذه المحركات لتضعها في أعضاء جديدة ومن ثم تجعلها تتمتع بقدرات مذهلة.
وعن هذه النتائج يقول هارولد زاكون، أستاذ علم الأعصاب والمؤلف الرئيس للدراسة أن “هذا أمر مثير، إذ نرى كيف يؤدي تغير طفيف في الجين إلى إحداث تغير كلي في المكان الذي يتم التعبير عنه فيه”؛ في إشارة منه إلى أن التلاعب الطفيف بنسخ جينات الصوديوم المكررة أدى إلى ظهور قنوات الصوديوم في خلايا أخرى.
وقد أفادت الورقة البحثية بأن الجزء الجيني الذي تلاعبت به هذه الأسماك قصير جدا، وهو بطول 20 حرفا فقط (الأحرف الجينية هي الوحدات المكونة لكل جين). غير أن هذا الجزء القصير من الجين يتحكم بالمكان الذي سيوجد فيه ناتج هذا الجين.
مساران مختلفان ونتيجة واحدة
وفي التقرير الذي نشره موقع “فيز دوت أورغ” (phys.org)، فإن هذه القطعة الجينية الصغيرة كانت إما مفقودة تماما أو طافرة، وهو ما نتج عنه تعطيل أحد الجينين المسؤولين عن إنتاج قنوات الصوديوم الموجودة في خلايا العضلات الخاصة بالأسماك الكهربائية. غير أن آثار ذلك تفوق هذا الحد.
وعن هذه المنطقة الجينية القصيرة المتحكمة في مكان ظهور ناتج جين قنوات الصوديوم يقول زاكون إنها “توجد في معظم الفقاريات، بما في ذلك البشر. ولذا، فإن الخطوة التالية تتمثل في فحص هذه المنطقة في قواعد بيانات الجينات البشرية لمعرفة مدى التباين فيها بالأشخاص الطبيعيين”. كما أنهم سيعكفون على معرفة مدى ارتباط أي طفرات في هذه المنطقة بانخفاض وجود قنوات الصوديوم، الأمر الذي قد ينتج عنه نشوء بعض الأمراض.
يذكر أن هناك مجموعتين من الأسماك الكهربائية في العالم؛ واحدة في أفريقيا والأخرى في أميركا الجنوبية. وقد اكتشف الباحثون أن الأسماك الكهربائية في أفريقيا تحتوي على طفرات في منطقة التحكم الجينية تلك. بينما فقدت الأسماك الكهربائية في أميركا الجنوبية تلك المنطقة تماما.
وبالتالي، فإن كلتا مجموعتي الأسماك قد استطاعت إنماء أعضاء كهربائية، ولكن طوعت كل منها مسارا مختلفا عن الأخرى من أجل إيقاف هذا الجين في العضلات.