فرنسا.. هل تتجاوز الجبهة الشعبية الجديدة خلافاتها وتفي بوعودها؟
باريس – بدعوة من المنظمة النقابية لاتحاد عمال السكك الحديدية “سي جي تي”، تجمّع آلاف المتظاهرين أمس الخميس بساحة الجمهورية في باريس للضغط من أجل تشكيل حكومة ترأسها الجبهة الشعبية الجديدة، التي فازت في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة.
وبعد أن صوّت الناخبون الفرنسيون لصالح التحالف اليساري لتجنب صعود أقصى اليمين إلى الحكم، يطالبون اليوم الرئيس إيمانويل ماكرون باحترام نتائج الانتخابات واختيار رئيس وزراء من اليسار وتطبيق برنامجه الانتخابي.
في المقابل، تطالب فئة أخرى من المتظاهرين هذه الجبهة بالوفاء بوعودها بشأن ملف الحرب على غزة، وجعله ضمن أولوياتها عند تشكيل الحكومة الجديدة، آملين أن يرتقي “المنتخَبون الجدد إلى مستوى نضالاتهم لأنهم أمام مسؤولية تاريخية كبيرة”.
لا ننسى غزة
حاملا العلم الفلسطيني رفقة أسرته، قال المهندس نديم للجزيرة نت إنه يشارك في الوقفة الاحتجاجية لدعم تحالف اليسار، وللضغط على نوابه حتى لا ينسوا فلسطين لأنها الموضوع الرئيسي الذي يشغل حياتهم منذ 10 شهور في ظل الإبادة الجماعية المستمرة حتى الآن.
وأضاف “نفكر في قطاع غزة صباح مساء، لهذا لا يمكننا السماح بنسيان هذا الموضوع وجعله ضحية للمفاوضات السياسية. وحتى لو كانت فلسطين ضمن برنامج الجبهة الشعبية الجديدة الانتخابي، إلا أنه يجب البقاء خلف هؤلاء السياسيين للضغط عليهم وتذكيرهم بواجباتهم”.
وأكد نديم أنه لو تصرفت الحكومة بشكل صحيح منذ البداية، لما خرجوا إلى الشوارع يصرخون وينددون، حسب تعبيره.
من جانبه، وصف عضو رابطة حقوق الإنسان جان ميشيل أربيرت السياسة الفرنسية الحالية بـ”الليبرالية”، قائلا إن “ماكرون ظل ثابتا على قمع الحقوق والحريات لسنوات وتم حظر الاحتجاجات الداعمة لغزة لإسكات كل الأصوات المناصرة للحق، وهذا أمر خطير بالنسبة للجمهورية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أربيرت أنهم فعلوا ما يلزم وصوّتوا لتحالف اليسار، ومنعوا بذلك فوز أقصى اليمين بالانتخابات الأخيرة.
وتابع أن الوقت قد حان الآن لتقوم الجبهة بواجباتها تجاه كل من صوّت لها وتجاه القضية الفلسطينية أيضا، لأنها كانت من بين الأسباب الرئيسية التي ساهمت في إبراز برنامج اليسار الانتخابي واستقطبت عددا كبيرا من الناخبين للتصويت لصالحهم في الجولة الثانية.
ضغط شعبي
وعلى الرغم من أن الانتخابات التشريعية المبكرة لم تُسفر عن أغلبية مطلقة، فإن مناصري التحالف اليساري يخشون إنشاء ائتلاف بين حزب ماكرون وحزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان والجمهوريين لمحاولة الإطاحة باليسار.
وفي حديثها للجزيرة نت، اعتبرت الأمينة العامة لنقابة “سي جي تي” ليتيسيا غوميز أن ماكرون أراد انتخابات مبكرة وأرغم الشعب الفرنسي على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وقد قاموا بذلك بالفعل. وتضيف أن الجبهة الشعبية الجديدة هي اليوم التحالف الفائز، لذا يجب أن يكون رئيس الوزراء والحكومة يساريين. وأكدت أنهم لن يستسلموا حتى تحقيق ذلك.
وحسب غوميز، فإن السياسة متدهورة منذ سنوات “بسبب الحكومات اليمينية التي تدمر العمل بشكل متزايد”، وهو أمر قالت إنه غير مقبول. وشددت على أن الوقت قد حان لكي تستعيد الشعوب حقوقها ويعود اليسار إلى السلطة لتحسين وضع العمال وجميع المواطنين الفرنسيين، “وأتمنى ألا يخيب آمالنا”.
من جانبه، لا يستبعد توماس، وهو ناشط وعضو في حزب الخضر، عدم تخصيص رئاسة مجلس الأمة ومنصب رئيس الوزراء لنواب الجبهة، معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى وقوع تعقيدات هم في غنى عنها، وسيدفعهم إلى الخروج إلى الشارع عدة مرات للتظاهر إلى أن “يحترم” الرئيس نتائج السابع من يوليو/تموز الجاري.
وأوضح توماس للجزيرة نت أنه قبل تولي ماكرون رئاسة البلاد عام 2017، كان لديهم دائما كتلتان متعارضتان: اليسار واليمين. واليوم، وجدوا أنفسهم أمام صورة مصغرة من الأحزاب الشديدة التنوع تتوزع بين أقصى يمين يزداد قوة، ويمين يحاول البقاء، ووسط لا يزال حاضرا رغم كل شيء، ويسار يحاول العودة إلى السلطة مجددا.
وباعتقاده، فإنه حتى لو لم يكن لديهم اليوم أغلبية مطلقة، فإن التحالف اليساري هو الذي “يحق له اقتراح الحكومة الجديدة”، مؤكدا على اتحاد جميع مكونات اليسار بما في ذلك النقابات والمنظمات الشبابية والمجموعات السياسية.
لعبة المواقف
وبينما أصبحت هشاشة وحدة مكونات الجبهة الشعبية الجديدة تلوح في الأفق لعدة أيام بسبب عدم تمكنها من اختيار اسم رئيس الوزراء، لا تزال لعبة المواقف داخل القيادة السياسية، وخاصة بين حزبي “فرنسا الأبية” و”الاشتراكي”، تثير المزيد من القلق.
وقد افتُتحت أعمال المجلس التشريعي الـ17 للجمهورية الخامسة أمس الخميس لحكومة مستقيلة ومسؤولة عن الشؤون الجارية، مما اعتبره مراقبون بمثابة “قفزة كبيرة نحو المجهول” بالنسبة للنواب المنتخبين حديثا والبالغ عددهم 577 نائبا، وإلى أجل غير مسمى بعد أن أعلن ماكرون أن الوضع قد “يستمر لفترة معينة” ربما حتى نهاية بطولة أولمبياد باريس (تنتهي يوم 11 أغسطس/آب القادم).
وأعيد انتخاب رئيسة الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها يائيل براون بأغلبية 220 صوتا بعد الجولة الثالثة من التصويت الداخلي، في حين جاء ممثل الجبهة أندريه شاسين في المركز الثاني بحصوله على 207 أصوات، يليه سيباستيان تشينو من حزب التجمع الوطني بـ141 صوتا.
وأعربت النائبة عن حزب “فرنسا الأبية” اليساري مانون أوبريه عن غضبها خلال مقابلة مع قناة فرنسية، قائلة “خسر الماكرونيون الانتخابات 3 مرات، لكنهم لا يزالون يترأسون البرلمان. ماذا سنقول للناخبين؟ اذهب للتصويت لكن صوتك سيتعرض للخيانة من قبل بعض المخططات السياسية، ديمقراطيتنا في خطر”.
ويصب انتخاب براون للمرة الثانية في مصلحة الرئيس ماكرون، إذ اعتمد على تصويت أمس للكشف عن عجز اليسار عن حشد الأغلبية وقدرته على إيجاد اتفاق مع اليمين التقليدي.
وبينما لا يزال المعسكر الرئاسي يستبعد فرضية تشكيل حكومة مع التحالف اليساري، لا يزال في موقع الصدارة للاحتفاظ بالسيطرة على السلطة التنفيذية داخل مجلس الأمة وقصري ماتينيون والإليزيه.