الشهيدان الشقيقان ظافر وجواد الريماوي قتلهما الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات شمالي رام الله (مواقع التواصل)

الشهيدان الشقيقان ظافر وجواد الريماوي قتلهما الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات شمالي رام الله (مواقع التواصل)

رام الله- عند وصول جثمانيهما بلدة بيت ريما القريبة من رام الله وسط الضفة الغربية، جلست الأم أسرار الريماوي لتودع ولديها الشهيدين جواد وظافر، واللذين قتلهما الاحتلال الإسرائيلي فجرا. وكانت تبكي قائلة “أولادي راحوا، وأنا لسه بدي أفرح فيهم (بهم).. مش (لا أن) أدفنهم”.

وتساءلت الأم المفجوعة “هل نربّي أولادنا لسنوات طويلة كي يأتي جندي ويقرر قتلهم بدم بارد؟ لماذا؟ لأنهم ضربوا حجرا عليه؟”. وأضافت أن نجليها “فضلا العيش بكرامة وألا يموتا في الفراش”.

 

وبفارق دقائق معدودة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، صباح الثلاثاء، استشهاد الشاب جواد عبد الرحمن الريماوي (22 عاما) بعد إصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، وألحقته بتأكيد استشهاد شقيقه ظافر (21 عاما).

ولم يظلل حزن استشهادهما بلدتهما بيت ريما فقط، بل عمّت هذه الحالة صفحات التواصل الاجتماعي وموكب تشييعهما الطويل والحاشد، وخاصة مع نقل الشهيدين لوداعهما في جامعة بيرزيت، شمالي رام الله، حيث تخرّج جواد من كلية التجارة، وبدأ ظافر عامه الثاني طالبا في كلية الهندسة.

تصفية متعمّدة

تقول المصادر المحلية إن الشقيقين جواد وظافر انضما إلى عدد من الشبان الذين واجهوا اقتحام قوات الاحتلال لقرية كفر عين المجاورة لبيت ريما. وخلال المواجهات تمت تصفيتهما تباعا بإصابة أصغرهما ظافر بالرصاص في صدره، ثم استهداف شقيقه الذي اقترب لمحاولة إسعافه بالرصاص في بطنه.

يقول محمود الرفاعي رئيس المجلس القروي في كفر عين للجزيرة نت “كان جيش الاحتلال ينسحب من القرية، وقد اشتدت المواجهات حينها، لكن الجنود أبوا المغادرة دون إراقة الدماء والقتل”.

 

وينقل -عن شهود عيان على الحادثة- أن جنود الاحتلال تعَّمدوا القتل، بينما كان بإمكانهم اعتقال المتظاهرين. وقال “أطلقوا النار تجاه الشبان من داخل آلياتهم العسكرية وصوبوا بشكل مباشر إلى المناطق العلوية من أجسادهم، ومن مسافة قريبة”.

ووفق الرفاعي، فإنه بمجرد إصابة ظافر وسقوطه أرضا حاول شقيقه الاقتراب منه لإنقاذه، إلا أن جنود الاحتلال أطلقوا النار باتجاهه وأصابوه في صدره. وهو ما يظهره مقطع فيديو نُشر عبر مواقع التواصل، وتُسمع فيه أصوات الشقيقين قبل أن يفقدا الوعي، ثم استغاثات شبان آخرين لإنقاذهما.

“راح أولادي”

في مجمع فلسطين الطبي برام الله، كان الأب عبد الرحمن الريماوي يبكي نجليه بحرقة، ويردد (لا إله إلا الله.. الحمد والشكر لك يا الله) وأبكى العشرات حوله عندما صاح “راح أولادي الاثنان..”.

وقبل ظهر الثلاثاء، انطلق موكب تشييع الشهيدين من مدينة رام الله إلى جامعة بيرزيت، حيث شارك آلاف الطلبة وأساتذتهم في وداعهم بجنازة مهيبة رُفعت فيها الأعلام الفلسطينية، وهتف الطلبة مطالبين “بالانتقام”، قبل نقل الشهيدين إلى بلدتهما “بيت ريما”.

والد الشهيدين جواد وظافر الريماوي يبكيهما قبيل تشييعهما من مستشفى رام الله (رويترز)

عائلة متعلمة ومناضلة

ينتمي الشهيدان الشقيقان جواد وظافر لعائلة فلسطينية مناضلة ومتعلمة، حيث يعمل الأب، وهو أسير سابق في سجون الاحتلال، موظفا بوزارة الزراعة الفلسطينية، ووالدتهما إحدى معلمات اللغة الإنجليزية المعروفات في منطقتها. ولهما شقيقان، أخت تدرس الطب، وأخ أصغر يُدعى أوس.

ولمرات كثيرة يتعرض منزل العائلة لاقتحام جنود الاحتلال، بينما أصيب بقصف إسرائيلي عند اجتياح بيت ريما عام 2001 بحثا عن مطاردين كان عم الشهيدين، ويدعى ظافر أيضا، أحدهم.

وتيمنًا باسم جده عبد الجواد الذي كان مطاردا للاحتلال أيضا، سُمي الابن الأكبر جواد، بينما حمل الثاني اسم عمه الأسير ظافر أحد قادة كتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح) والمعتقل بسجون الاحتلال منذ 22 عاما ومحكوم بالسجن 36 عاما.

 

في كل ساحات الاشتباك

يقول أقاربهما إن أبناء هذه العائلة كانوا دائما من المتفوقين. وتذكر قريبتهما ديالا الريماوي إن الشقيقين الشهيدين يملكان شخصيتين متطابقتين تقريبا، حيث الجرأة والشجاعة وفصاحة اللسان وقوة الشخصية، مما جعلهما، لا سيما جواد، يتصدران ساحات الخطاب الثوري والنضال ضد الاحتلال في الجامعة.

وتضيف الريماوي للجزيرة نت “كان جواد يشارك بالمهرجانات الخطابية ويبرع في إلقاء الشعر والكلمات الثورية، وكذلك في ساحات التضامن مع الأسرى في إضراباتهم عن الطعام”.

ومن يعرفهما في القرية، يذكر أنهما لم يتركا ساحة مواجهة مع الاحتلال في منطقة رام الله إلا وشاركا بها. وكغيرهم من شباب بيت ريما لا ينتظران اقتحام جيش الاحتلال ليتصدّوا له، بل كانا يذهبان للقرى المجاورة لمواجهة اقتحاماته، كما فعلا فجر اليوم.

الشهيدان ظافر وجواد الريماوي (يمين ويسار الصورة) مع والديهما (مواقع التواصل)

على درب إبراهيم النابلسي

يقول قريبهما الصحفي علاء الريماوي إنهما “من أجمل شبان البلدة، وأكثرهم ثقافة ووعيا وتفاعلا اجتماعيا ووطنيا”. ويضيف “لم يتركا اشتباكا مع الاحتلال إلا وكانا في صدارته”.

وكان للشهيدين “بصمة مشتركة” بمواجهة الاحتلال، وأبلغا والدتهما “سنكون على درب الشهيد إبراهيم النابلسي وغيره من الشهداء يوما يا أمي”.

وليس ببعيد عنهما، يمضي الأسير عمر الريماوي (ابن خالتهما) عامه السادس من حكمه المؤبد بسجون الاحتلال بعد أن أقدم على قتل جندي إسرائيلي بعملية طعن شمال القدس المحتلة عام 2016.

 

وتنتمي عائلة الشهيدين إلى بيت ريما التي عُرف بصمودها في وجه المحتلين منذ زمن الانتداب البريطاني، ومنها خرج منفذو عملية قتل وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي عام 2001، وقدمت هذه البلدة 10 شهداء خلال الانتفاضة الأولى، و4 شهداء منذ 2016 بُعيد هبّة القدس.

بينما وصل عدد الأسرى من البلدة إلى 120 أسيرا، منهم الأسير الشهير عبد الله البرغوثي، صاحب أكبر حكم في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي بالمؤبد 67 مرة.

المصدر : الجزيرة

About Post Author