استمع دون إصدار حكم أو مقاطعة.. فن الإنصات الحقيقي للآخرين
الإنصات إلى المتحدث لا يعني بالضرورة إصدار حكم عليه أو إبداء وجهة نظر شخصية أو مقاطعته أثناء الكلام. لكن أثناء سرد واقعة مررت بها أمام أفراد الأسرة غالبا ما يقاطع أحدهم حديثك قائلا “تخيل إنني مررت بنفس الأمر منذ وقت قريب”، مما يثنيك عن إكمال القصة. وفي الحقيقة، إن الإنصات إلى كلام المتحدث حتى النهاية سلوك يمكن اكتسابه مع مرور الوقت.
وفي تقريرها الذي نشرته صحيفة “لوفيغارو” (lefigaro) الفرنسية، قالت كريستين لاميابل إن الظروف قد تمنع البعض من الإنصات لمشاكل الآخرين.
ويقول الطبيب والمحلل النفسي آلان براكونيه إن “التحدي الأول الذي يواجهه الشخص الذي يريد أن يتم الإصغاء إليه هو تحديد الوقت المناسب. عند الحاجة إلى إصغاء الآخرين في أوقات الأزمات، لا يستطيع الشخص الذي يواجه مشكلة ما تحديد الوقت المناسب للحديث، غير أن ذلك لا يلغي الحق الشرعي للمستمع وهو امتلاك وقت كاف للاستماع إلى الطرف الآخر”.
لا تقاطع المتحدث
وأشارت الكاتبة إلى أن قرار منح الشريك أو أحد الأقارب بعضا من الوقت للاستماع إلى مشاكله يظهر اهتماما حقيقيا بما يمر به. حيال هذا الشأن، يقول براكونيه “ينبغي ترك الشخص يعبر بأريحية دون مقاطعته حتى يتسنى فهم المطلوب منك، الخطوة التي يطلق عليها اسم الاتصال الإعلامي”.
لن يشعر المتحدث بأن الطرف الآخر ينصت إليه في حال تقديم نصيحة له بدل تفهّم موقفه أو في حال التزام الصمت في الوقت الذي ينتظر فيه المتحدث إجابة عن سؤال طرحه، وهو ما يعرف بالاتصال التفاعلي.
فهم أفضل للشخص الذي تصغي إليه
في جميع الحالات، يدل إبداء التعاطف تجاه المتحدث على الإصغاء بشكل جيد له. في هذا الصدد، أوضح براكونيه “ليس من السهل على المتحدث الكشف عما يخالجه وعن مشاكله. إن قدرة المستمع على تخيل نفسه مكان المتحدث وفهم ما يشعر به يعزز نوعًا من الثقة في نفسه”. للنجاح في ذلك، ينبغي عدم إصدار أحكام مسبقة والاستهزاء بمشاكل الآخرين.
وتابع براكونيه “خلال ممارسة مهنتي، أدركت سبب التفكير أو التفوه بعبارات معينة. يطلق على هذا الشكل الثالث من أشكال التواصل اسم الاستبصار. وهو يمكن من مساعدة الشخص الذي تستمع إليه عن طريق التنويه إلى إعادته الكلام نفسه أكثر من مرة. مع العلم أن هذه الخطوة لا تعتبر إصدار حكم بل طريقة لفهم النفس بشكل أفضل”.
إن إصدار أحكام استنادا إلى الكلمات التي تفوّه بها المتحدث وكذلك محاولة تفسيرها يحول دون التعاطف معه. بعد المرور بتجربة عاطفية فاشلة، يؤدي التفوه بعبارات من قبيل “أنت دائما ما تختارين أشخاصا غير مناسبين” أو “وصلت إلى هذه الحالة بسبب البحث عن شبيه لوالدك” إلى مفاقمة الحالة النفسية للمتحدث.
إعادة صياغة التعاطف
من جانبها، تقول فلورنس إينويل في كتابها “إعادة صياغة التعاطف”، إن “المقصود من إعادة صياغة التعاطف هو إعادة ما تلفظ به المتحدث باستخدام تعابيرنا الخاصة وسؤاله عما إذا كنا فهمنا بشكل صحيح ما يود قوله”.
مما لا شك فيه أن الاستماع التعاطفي يؤثر بشكل مباشر على الذات. تعليقا على ذلك، يقول براكونيه “عادة ما تجمعنا مشاعر مع الشخص الذي نصغي إليه، تولد نوعا من القلق يدفعنا بشكل لا إرادي لاقتراح حلول. في المقابل، فإن محاولة التهدئة من روع المتحدث عن طريق إخباره بأن كل شيء سوف يكون على مرام حيلة لا تجدي نفعا”.