قالت باحثة وأكاديمية أميركية إن اهتمام الغرب بالحرب الروسية في أوكرانيا بدأ بالانحسار منذ أواخر أغسطس/آب الماضي، وإن طرفي الصراع وصلا إلى طريق طويل مسدود، مما أعفى القادة الغربيين من تبني خيارات صعبة أو التفكير الجاد بشأن مستقبل الأزمة.
وأضافت إيما آشفورد الباحثة في مركز ستيمسون والأستاذة المساعدة في جامعة جورج تاون، أن التطورات التي حدثت منذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي -وتمثلت في المكاسب الأوكرانية المفاجئة على الأرض، وما تلاها من تعبئة عسكرية روسية وهجمات صاروخية على مناطق مدنية، وتهديدات نووية- قضت على ذلك الوهم، ودفعت بالحرب إلى مرحلة جديدة أكثر خطورة.
ولفتت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ظلت منذ بداية الحرب تحافظ بشكل فعال على نهج سياسي واقعي متوازن، اتّسم بتسليح أوكرانيا وتمويلها مع الاستمرار في التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تنخرط بشكل مباشر في الصراع.
لكن الإدارة تجنّبت تماما الحديث عن أحد الجوانب الحاسمة لإستراتيجية الحرب، ألا وهي كيف يمكن إنهاء هذا الصراع؟
وكشفت آشفورد في مقالها المنشور في مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية، أن الخبراء وصناع القرار الذين اقترحوا أن على الولايات المتحدة أن تدعم أيضا الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى التوصل لتسوية عن طريق التفاوض، عوملوا على أنهم “سذج” أو أنهم بلغوا “حد الخيانة”.
لكن الكاتبة تستطرد قائلة إن كل الحروب تقريبا تنتهي بالمفاوضات، مضيفة أن تصعيد موسكو للنزاع هذا الخريف يثير شبح توسع نطاق الحرب ليشمل حلف الناتو واستخدام الأسلحة النووية، كما أن التكاليف الاقتصادية العالمية للصراع هائلة بالفعل ومن المؤكد أنها ستزداد مع بداية فصل الشتاء.
وحتى لو بدا التفاوض من أجل إنهاء الحرب مستحيلا، فإن على إدارة بايدن الشروع في طرح الأسئلة الصعبة على الملأ وعلى شركائها، مما يقتضيه مثل هذا النهج من التعامل مع الأزمة، وفق المقال.
وتتابع الباحثة الأميركية القول إن على واشنطن أن تختار الوقت المناسب للضغط من أجل بدء المفاوضات، واستشراف المرحلة التي ستفوق فيها تكاليف الاستمرار في القتال الفوائد.
وفي إطار سعيها للتوصل إلى تسوية مستدامة، ينبغي على الإدارة الأميركية كذلك معرفة كيفية استغلال النجاحات الأوكرانية دون تهيئة الأجواء لإطالة أمد الصراع.
وتمضي الكاتبة في مقترحاتها، وتقول إنه للتحضير لأفضل صفقة، على صناع السياسة الأميركية الحفاظ على جبهة مشتركة بين الغرب وأوكرانيا، ومراعاة السياسات الداخلية الأوكرانية والروسية، وتبني المرونة، ولا سيما في تحديد أي من العقوبات ضد روسيا يمكن رفعها دون تقوية نظام الرئيس فلاديمير بوتين.
وبحسب المقال، فقد تجنّبت الإدارة الأميركية الخوض في مآلات النزاع، بذريعة أن الأمر متروك للأوكرانيين لتقرير ما هو الأفضل لمصلحتهم.
لكن الحفاظ على هذا الموقف أصبح أكثر صعوبة الآن، بعد أن ضاعف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وتيرة الحرب، ووجه تهديدات نووية صارخة للغرب.
لقد اختار بوتين -طبقا لآشفورد- تحمل مخاطر جديدة كبيرة بدلا من التراجع، اعتقادا منه أن هذه الحرب لن تنتهي بمجرد استسلام روسيا. فعلى الرغم من أن هذه المخاطر يمكن التحكم فيها على ما يبدو في الوقت الحالي، فقد يأتي زمان تكون فيه المفاوضات ضرورية لدرء الكارثة.
والسؤال في واقع الأمر ليس ما إذا كانت هناك حاجة للمفاوضات لإنهاء الحرب، ولكن متى وكيف يجب أن تبدأ.
وعلى صانعي السياسة تدبر الأمور، ذلك أنه كلما كان أداء القوات الأوكرانية أفضل في ساحة المعركة، سيتعذر بالتالي مناقشة تسوية الصراع عبر المفاوضات، رغم أن من مصلحة أوكرانيا التفاوض من موقع القوة.
وتختم آشفورد مقالها في مجلة “فورين أفيرز” بالقول إن التسوية قد تبدو غير مستساغة الآن، ومع ذلك فإن المفاوضات الحكيمة والحذرة تصبّ في مصلحة أوكرانيا الجوهرية، وأمن المنطقة التي من المرجح أن تتم حمايتها على المدى الطويل.