تولى “عبد الله” مسؤولية رعاية زوجته مريضة السرطان وأطفاله الخمسة، طوال 4 سنوات. يستيقظ فجرا، يعد لأطفاله وجباتهم المدرسية، يسافر بزوجته لتلقي جلسات العلاج الكيميائي، يعود بها للمنزل، وينظم وقته بين تمريضها ومساعدة الأطفال في واجباتهم المدرسية، واستحضار الروح الإيجابية كل ليلة، حتى وفاة الزوجة.

حكت “إسراء” لـ “الجزيرة نت” قصة والدها الراحل، الذي رفض الزواج بعد وفاة رفيقته، وتربيته لـ5 أطفال، اعتمدوا عليه كليا، فتقول “إسراء” “كنا نوقظه ليلا ليعد لنا البطاطس المحمرة، وكانت أختي الصغرى لا تجلس سوى على كتفيه، وهو يصلي الفجر، ويكوي ملابسنا المدرسية، ويعد الإفطار، ويذهب بنا إلى المدرسة، ثم يتجه للعمل بمزرعته، ويشرف على بناء منزلنا الجديد، حتى نعود من المدرسة، نجده جالسا في مدخل البيت، يضمنا فردا فردا، بابتسامة لن ننساها، ويستمع لقصصنا وهو يعد الغداء، ويسهر إلى جوارنا ليالي الامتحان”.

 
وفقا لأبحاث هارفارد، الأطفال الأكثر نجاحا لديهم آباء يلعبون 8 أدوار
الشق الأصعب عند إعالة الرجل أطفاله بمفرده بعد وفاة أو طلاق الزوجة هو تربية أطفاله (غيتي إيميجز)

“بروحين” الأب المعيل والمربي

تصعب تربية الطفل تحت أي ظرف، لكنها تشتد مع غياب أحد الوالدين، نتيجة الانفصال أو الوفاة، وكأب وحيد، تظهر تحديات لا يتصورها كل من يمر بباب رجل رفض الزواج مرة أخرى، أو رفضت النساء تولي مسؤولية أطفاله، مما قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية.

فلا يزال مشهد رجل يمشط شعر أطفاله، أو يعد لهم الغداء، غريبا، حيث تتولى الأمهات مسؤولية منفردة عن جميع احتياجات الطفل اليومية، عدا الاحتياجات المادية التي يلبيها الأب، في أغلب الأحوال.

حاول فريق من طلاب قسم الإذاعة التلفزيون بكلية الإعلام، جامعة القاهرة، تسليط الضوء على حياة الأبطال الصامتين، من الرجال الذين تولوا تربية أطفالهم، بعد غياب الأم، نتيجة الانفصال أو الوفاة.

وأنتج الفريق المكون من 22 طالبا فيلما وثائقيا قصيرا بعنوان “بروحين”، في إطار مشروع تخرجهم، تحت إشراف هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام ورئيسة قسم الإذاعة والتلفزيون.

عبر اسم الفيلم، “بروحين”، عن الدور المزدوج للأب، معيل الأسرة والمربي، وظهر به 3 نماذج؛ والدان مطلقان وأرمل.

تواصلت الجزيرة نت مع صناع الفيلم الذين عبروا عن صعوبة إقناع الآباء بالظهور علنا ليحكي تجربته؛ فقال الطالب منصور مجاهد -من فريق تصوير الفيلم- إنه من بين 38 نموذجا، قبل 3 فقط، تغلبوا على الخجل من تجربة لا يمر بها الرجال عادة، وكانوا أكثر انفتاحا للتصريح بعدم رغبتهم في الزواج بامرأة أخرى بهدف إعانتهم على تربية أطفالهم، واللافت أنهم لم يظهروا كأبطال خارقين، بل يجمعهم شعور بالواجب دون الفخر بتفردهم.

قالت الطالبة مريم حاتم، مخرجة الفيلم، إن أجواء الفيلم الحميمية لم تكن وليدة اللحظة، حيث نسق فريق الفيلم لتوزيع الأدوار بينهم، بين التصوير واللعب مع الأطفال الذين ظهروا بالفيلم.

وأشارت مريم إلى جانب قد يشعر به المشاهد لكنه لن يراه، فظهرت بالفيلم أغنية موجهة للأب، كتبها والد مريم، وغنتها الطالبة ريهام ربيع، التي استحضرت ذكريات طفولتها مع والدها الراحل، مما أظهر مشاعر استثنائية، بأغنية موجهة لبطل في الظل، قلما يظهر دوره في الدراما والأغنيات.

سألنا مريم عن الحدود التي طالب بها الآباء أبطال الفيلم، فأجابت بأن الجميع طلب تجنب الحديث عن الطرف الآخر، في حالة الطلاق، وحاولوا الكشف عن تجربة إيجابية تحترم الجنس الآخر، مهما كانت تجربة الأب الأعزب صعبة.

وفقا لأبحاث هارفارد، الأطفال الأكثر نجاحا لديهم آباء يلعبون 8 أدوار
تصعب تربية الطفل تحت أي ظرف، لكنها تشتد مع غياب أحد الوالدين، نتيجة الانفصال أو الوفاة (غيتي إيميجز)

تمييز بين الآباء والأمهات

تتوفر بالوطن العربي دراسات تستقصي وضع المرأة المعيلة لأسرتها، لكن لا وجود لمصطلح ” الأب المعيل” أو “الأب الأعزب المعيل”، باعتبار الأب مسؤولا عن إعالة أسرته تحت أي ظرف.

ويكمن التمييز بين الرجل والمرأة عند الانفراد بتربية الأطفال في أن الشق الأصعب عند إعالة المرأة لأسرتها هو مشاركتها في سوق العمل، ومنافستها للرجل لتحصيل الدخل، في حين يكون الشق الأصعب عند إعالة الرجل أطفاله بمفرده بعد وفاة أو طلاق الزوجة، هو تربية أطفاله، وهو الجانب الخفي من المعاناة.

وتكشف الأبحاث الاجتماعية عن عدد حالات الرجال الذين تولوا تربية أطفالهم دون الزواج عن أعداد قليلة؛ ففصلت دراسة بحثية بعنوان “العلاقة بين المستوى المعيشي للأسرة ونوع رئيس الأسرة” للجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، الحالة الاجتماعية لرب الأسر.

ففي الوقت الذي تعول فيه النساء 17% من الأسر المصرية، كانت غالبيتهن من الأرامل، بنسبة 70% من المعيلات، في حين أن 97% من الأسر التي يعيلها رجال متزوجون، وحوالي 2% فقط من رؤساء الأسر الرجال من الأرامل، و0.2% مطلقون، وتصل النسبة إلى 0% في الريف المصري.

وأشارت بعض الدراسات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري والمجلس القومي للمرأة إلى أن النساء المعيلات للأسر -خاصة الأرامل- من أكثر الفئات احتياجا للمساعدة، وإن كانت معدلات رئاسة الإناث للأسر لا تزال منخفضة لمخالفتها العادة السائدة، باعتبار الذكور رؤساء للأسر.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *