في تجربة خارج المواسم السينمائية المعتادة، يُعرض في دور السينما المصرية، حالياً، فيلم “حظك اليوم” من إخراج أسامة عرابي وتأليف أحمد البيلي، ومن بطولة كريم قاسم وهدى المفتي وطه دسوقي ومروان يونس ومحمد المولي.
اللافت في الفيلم أن نصف طاقم الممثلين فيه من المحترفين، والنصف الآخر قادم من عالم مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي والـ “ستاند أب كوميدي”.
يتميز “حظك اليوم” بأنه تجربة شبابية تماماً، كل أبطاله وطاقم عمله من أعمار صغيرة نسبياً. وقد اجتمعوا في عمل يقدم رؤية جيلهم على الشاشة الكبيرة، وهي رؤية لا تحاول صنع مشكلات كبيرة، ولا قضايا مهمة.
قد لا ينجح الفيلم بشكل خاطف، مثل أفلام تحمل أسماء نجوم كبار، لكنه يظل تجربة تستحق التكرار لتغيير دماء السينما المصرية الراكدة.
قليل من السرقة والكوميديا
تبدأ الأحداث في إحدى الضواحي الهادئة بالقاهرة. نتعرف على البطلة ليلى (هدى المفتي) مصممة المجوهرات الموهوبة، التي تعيش مع والدتها وحيدة بعد وفاة والدها. تحلم بأن تصبح شهيرة بسبب فنها، وتسعى إلى أن تصبح مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل كثيرات من بنات جيلها.
الصحفي عمر (كريم قاسم) الذي يلتقي بها مصادفة في أحد المقاهي، من هنا تبدأ الأزمة عندما تصوّر بالصدفة عملية اختطاف ويصبح عليهما الهرب من عصابة شريرة.
يدخل عمر وليلى في مغامرة كبيرة مع أصدقائهما عندما يكتشف رئيس العصابة موهبة ليلى في صنع المجوهرات، فيقنعها بصنع شبيهٍ لعقد فرعوني قديم، حتى يستبدله به ويبيع الأثري.
يجمع “حظك اليوم” بين نوعي الكوميديا والسرقة، فالأصدقاء الأربعة يكوّنون عصابة مرتجلة من الهواة الباحثين عن الكسب السريع، لذلك يقعون في أخطاء كثيرة، لا يبدون محترفين مثل أبطال أفلام “أوشن 14” أو حتى المسلسل المصري “بـ 100 وش”.
وعلى هذا الأساس، صنع كاتب السيناريو عدة مواقف يضيع فيها أبطاله بارتباك عملية السرقة الأولى في حياتهم، بموازاة خط رومانسي بسيط لقصة حب تجمع بين بطلي الفيلم، لكن من دون الانغماس فيها أكثر من اللازم حتى لا تبعد العمل عن هدفه الأساسي، وهو الكوميديا الخفيفة.
ورغم خلفية مخرجه (أسامة عربي) الكوميدية الصرفة في مسلسل “في بيتنا روبوت” لم ينجرف أبطال عمله وراء استنزاف ضحكات المشاهد، فاستغل المخرج أن نصف طاقمه تقريباً ليسوا ممثلي كوميديا لجعل الفيلم يسير بتوازن بين الإضحاك والمغامرة.
سينما مواقع التواصل الاجتماعي
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا رافداً كبيراً لصناعة الترفيه عالمياً، وليس في الشرق الأوسط فقط. وتحاول السينما اجتذاب هؤلاء الذين صنعوا شهرتهم مباشرة مع الجمهور، بعدما أتاحت المنصّات، خصوصاً “تيك توك” و”يوتيوب”، للأشخاص عرض مواهبهم، واكتساب شعبية مجانية.
لكن هذه التجارب لم تصنع، حتى الآن، نجوماً حقيقيين، إذ هناك اختلاف كبير للغاية بين الرقص والإضحاك والتقليد أمام شاشة الهاتف المحمول وبين العمل داخل إطار الصناعة السينمائية أمام كاميرا حقيقية، باستخدام سيناريوهات مكتوبة، ومع طاقم عمل عملاق حيث كل شيء محسوب بدقة.
طاقم “حظك اليوم” يضم أكثر من شخص من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في أدوار البطولة أو في ظهور بسيط، وأكثرهم خبرة هو طه الدسوقي الذي بدأ كـ “ستاند أب كوميديان” في عروض مختلفة، ثم اشتهر على “تيك توك” بمقاطع مصورة من عروضه. واتجه صوب التمثيل في مسلسل “موضوع عائلي” مع ماجد الكدواني، بدور مشابه لحياته، مما جعله أقرب للطبيعة والقبول من الجمهور. وفي “حظك اليوم” يؤدي دور “ماندو” القرصان الإلكتروني (الهاكر) وأكثر أفراد هذه العصابة المرتجلة أهمية وخفة ظل.
محمد المولى أيضاً صنع شهرته بفيديوهاته الكوميدية على “فيسبوك” ثم انتقل إلى “تيك توك” مع رواج الأخير عام 2020، ومنه إلى أدوار صغيرة في عدة أفلام ومسلسلات، وتعتبر شخصية “منعم” في فيلم “حظك اليوم” الأكبر في مسيرته، واستطاع فيها الخروج من إطار الشخصيات التي قدمها سابقاً على مواقع التواصل ليصنع إضافة جديدة.
جاء بعدهما في الأهمية مروان يونس الذي قدم عدداً من الأدوار الصغيرة خلال السنوات الأخيرة، لكن أياً منها لم يستطع إضفاء بصمة حقيقية على مسيرته، فهو ليس أكثر من شاب يبدو خفيف الظل، مع مظهر عصري، ودوره كشرير في “حظك اليوم” لم يخرج عن هذا الإطار.
لماذا فشل دمج المؤثرين سابقًا؟
يظهر “حظك اليوم” أن مشكلة دمج مؤثري مواقع التواصل بالأعمال السابقة جاءت لأن صناع الأفلام والمسلسلات أرادوا استغلال هؤلاء المشاهير بشكل مباشر، بتقديم شخصيات تتشابه مع الاسكتشات التي يقدمونها على منصاتهم الخاصة بهدف إرضاء مباشر للجمهور. ولم يعتنوا بما فيه الكفاية بالبحث عن شرارة الموهبة التي جعلت المشاهدين يقبلون عليهم من الأساس.
هؤلاء المؤثرون يجب “استثمارهم” في أدوار تتناسب مع العمل ذاته، فلا يمكن تصور أن طه دسوقي يقدم شخصية “ستاند أب كوميديان” أو يؤدي عرضاً في حبكة “حظك اليوم” بل كما حدث في العمل يمكن استخدام مواهبه الكوميدية في دور مخالف تماماً.
قديماً اجتذبت السينما عدداً كبيراً من المواهب والمشاهير من خارجها، مثل المنولوجست في الملاهي والمسارح أو المطربين، والراقصات، إذ إن طبيعة هذا الفن تعزز شهرتهم وتستفيد منها في الوقت عينه.
لكن بمراجعة هذه المساهمات نجد أن القليل منهم فقط استطاع الاستمرار وترك بصمة، وهؤلاء كانوا مرنين في التخلي عن بعض سمات الوسيط السابق، وفهم الوسيط الجديد.
“حظك اليوم” تجربة بسيطة وخفيفة للغاية، ولكن مختلفة عن السينما المصرية الحبيسة في القوالب الجاهزة، وربما يكون بداية واعدة لتجارب أخرى.