أخفاها والدها عن عيون العصابات الصهيونية في “بيت المونة” (المطبخ) مخافة اغتصابها أو قتلها خلال مهاجمتهم لبيوت الفلسطينيين إبان نكبة عام 1948، وخلال أيام انقلبت أحلام “فرحة” ذات الـ 14 سنة رأسا على عقب بلا دراسة وبلا صديقات ومستقبل مجهول بانتظارها.
لكن “فرحة” لم تكن وحيدة في مآسيها وأحزانها ومستقبلها المظلم، فهي تمثيل حقيقي لآلاف الفتيات بعمرها شاهدن ذات الأحداث وأصعب، فالقتل في كل مكان، والدماء تغمر الأرض، والتهجير والترحيل والعويل حال العائلات الفلسطينية المشردة بفعل آلة القتل الصهيونية.
“فرحة” عنوان فيلم روائي طويل مدته 92 دقيقة، استوحت المؤلفة والمخرجة الأردنية دارين سلّام أحداثه من قصص حقيقية عاشها اللاجئون الفلسطينيون خلال أحداث النكبة، سمعتها من أمها وجدتها وشهود النكبة من اللاجئين.
ويروي الفيلم قصة فتاة تبلغ من العمر 14 عاما، يتغير حلمها من السعي للحصول على التعليم في المدينة، إلى البقاء على قيد الحياة في فلسطين عام 1948.
وفاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم في الدورة الـ 12 من مهرجان مالمو للسينما العربية (Malmo Arab Film Festival) في السويد، إضافة لعدد من الجوائز العربية والدولية.
وعرض “فرحة” لأول مرة عالميا ضمن الاختيار الرسمي للدورة الـ 46 لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي (Toronto International Film Festival) عام 2021 في كندا، وهو أحد أكبر وأهم المهرجانات السينمائية، والأكثر تنافسية في العالم، وعروض الفيلم مستمرة في المهرجانات العالمية والعربية.
عاطفي سياسي
شكل الفيلم التجربة الأولى للمؤلفة والمخرجة دارين سلاّم التي تقول للجزيرة نت إن الفيلم “أول عمل سينمائي روائي طويل أكتبه وأصوره، إلى جانب عدد من الأفلام القصيرة، منها ما يحكي قصصا من النكبة الفلسطينية مثل “الببغاء، الظلام في الخارج” وأفلام تناقش قضايا مجتمعية وقضايا المرأة العربية.
استوحت سلام قصة الفيلم من حكايات حقيقية كانت ترويها أمها لها حول “فرحة” التي التقت بها في أحد المخيمات السورية، وروت تلك الفتاة ما جرى معها في النكبة والتشرد واللجوء.
وقالت المخرجة إن أبرز التحديات التي واجهتها في إنجاز الفيلم هي “المسؤولية التاريخية في رواية قصص اللاجئين، والخيار الإبداعي في تصوير الجزء الأكبر من الفيلم في ذات الغرفة ودون أن يمل المشاهد”.
غضب إسرائيلي
وتصف المؤلفة والمخرجة الفيلم بأنه “عاطفي سياسي” يتحدث عن قصص النكبة للأجيال القادمة، حتى تبقيهم على معرفة بما جرى لأجدادهم من آلام وعذابات وقتل وتشريد، ولتبقى القضية راسخة في عقولهم.
وتقول سلام إن الفيلم أغضب الجانب الإسرائيلي لأنه يخاطب المشاهد الغربي، خاصة في ظل حالة التعاطف من المشاهد الأوروبي والغربي، فقد “كنت أرى بكاء المشاهدين وتعاطفهم مع بطلة الفيلم خلال العروض، إضافة لترسيخ مصطلح النكبة عند المشاهد العربي والغربي”.
ويتميز الفيلم، عن غيره من الأعمال الدرامية والمسلسلات التي تتحدث عن النكبة والقضية الفلسطينية، بأن تلك الأعمال موجهة للمشاهد العربي، بينما فيلم فرحة موجه للمشاهد الغربي.
والفيلم من إنتاج ديمة عازر وآية جردانة (شركة صندوق الحكايا للإنتاج الفني بالأردن) وهو من بطولة أشرف برهوم، كرم الطاهر، علي سليمان، تالا قموه، سميرة الأسير، مجد عيد، فراس الطيبة.
وتم تصوير الفيلم بالكامل في الأردن نهاية عام 2019 في مواقع مختلفة ذات طبيعة متنوعة لإعادة إحياء مظاهر الحياة في فلسطين، وأيضاً النكبة عام 1948.
سفير القضية الفلسطينية
الناقد السينمائي ناجح حسن قال للجزيرة نت إن الفيلم شكل حالة مختلفة في السينما، وتجربة جديدة في الحديث عن النكبة الفلسطينية، إضافة إلى “إبداع المخرجة في الحبكة للدرامية للفيلم من خلال روايتها لقصة الفتاة فرحة”.
وتابع حسن أن المخرجة أحسنت في توظيف المكان والملابس والجامع والقرية، وفي تصوير مشاهد الفيلم الذي حاول كشف جانب من جرائم العصابات الصهيونية عند احتلالها للأراضي الفلسطينية، من قتل جماعي وتشريد، وحالة التناغم بين قوات الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية.
وبات الفيلم بحسب نقاد سفيرا للقضية الفلسطينية في الغرب، حيث استطاع أن يحجز له مكانا في اهتمام المشاهد الغربي، وشكل إضافة نوعية للسينما الفلسطينية الجديدة، بجهود شبابية واعدة وممثلين جدد يظهر بعضهم لأول مرة على الشاشة.
وحصد “فرحة” 5 جوائز عربية ودولية، أبرزها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان مالمو للسينما العربية 2022 بالسويد، وجائزة أفضل فيلم أورو متوسطي يتناول قضايا المرأة في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة 2022 بمصر.
وحصل الفيلم من مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة على جائزتي أفضل مخرجة وأفضل ممثلة والتي كانت من نصيب كرم الطاهر، كما حصل على جائزة تقديرية خاصة من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2021 بالسعودية.
يشار إلى أن دارين سلام كاتبة ومخرجة أردنية، حاصلة على درجة الماجستير في الفنون السينمائية، وحائزة على عدة جوائز، بالإضافة لاختيارها ضمن برنامج مواهب مهرجان برلين عام 2021، وحازت على زمالة الفنان المقيم لعام 2017 في مدينة الفنون الدولية.