في ذكرى رحيل عبد الحليم حافظ.. أسرار وخفايا أغان سجلها بصوته ولم تظهر إلا بعد وفاته
لم يمهل القدر المطرب المصري عبد الحليم حافظ لتقديم بعض الأغاني التي كان يحضّرها لجمهوره، بسبب وفاته الصادمة يوم 30 مارس/آذار 1977، بعد تدهور حالته الصحية وإصابته بنزيف لم يتمكن الأطباء في مستشفى “كنغز كولدج” بلندن الذي كان يتعالج فيه من السيطرة عليه ووقفه.
ولعل “أغنية حبيبتي من تكون” من أشهر هذه الأغاني التي ظهرت بعد وفاة العندليب بعدة سنوات، وهي من كلمات الأمير السعودي خالد بن سعود، وألحان الموسيقار بليغ حمدي، وتم طرحها على أسطوانات “صوت الفن” في 30 مارس/آذار 1981.
وقصة هذه الأغنية بدأت عندما عرض الأمير خالد على عبد الحليم كتابا شعريا من مؤلفاته، وطلب منه أن يختار قصيدة لغنائها، وجذبت قصيدة “من تكون” اهتمام حليم، وطلب منه أن يأخذها ليغنيها مع بعض التغييرات في الكلمات والعنوان، فوافق الأمير السعودي مبدئيا على ذلك.
وكلف العندليب صديقه الملحن بليغ حمدي بتلحينها، وسجلها بصوته مع الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن، لكن اختلفت وجهات النظر بينه وبين الأمير خالد حول جهة الإنتاج، واشترط العندليب أن تخرج الأغنية من شركة “صوت الفن” التي كان يديرها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب وشريكه المحامي مجدي العمروسي، لكن الأمير خالد لم يرسل التنازل المطلوب، فقرر عبد الحليم عدم إكمال مونتاج الأغنية، مما أدى إلى عدم طبعها على أسطوانات أو أشرطة كاسيت، وعدم إذاعتها عندما كان على قيد الحياة.
وبقيت الأغنية حبيسة الأدراج، وبعد وفاة العندليب بسنوات، سأل المؤلف خالد بن سعود المحامي مجدي العمروسي عن الأغنية وطلب منه إخراجها لتجد النور، فاشترط العمروسي أن تقوم شركة صوت الفن بإنتاجها بحسب رغبة العندليب، ووافق المؤلف على ذلك.
وروى العمروسي -في لقاء تلفزيوني قبل رحيله- القصة الكاملة للأغنية، وقال إن شريط القصيدة كان عند كبير مهندسي الصوت في مصر نصري عبد النور الذي كان عبد الحليم لا يسجل أغانيه إلا معه، وبقي معه 6 سنوات.
وأضاف العمروسي أنه ذهب لنصري عبد النور وسأله عن الشريط، ورد عليه أنه موجود لكنه يحتاج موافقة من رئيس مجلس أستوديو مصر، فذهب إليه وقال إنه يوافق على إعطائه الشريط بعد تصفية الحسابات التي كانت تقدر بنحو 10 آلاف جنيه حينها، وطلب 20 ألف جنيه أخرى، “فوافقت ودفعت له 30 ألف جنيه”.
وأشار إلى أنه حين سمع الأغنية وجد مقدمتها قصيرة، فطلب من الموسيقار الراحل بليغ حمدي أن يؤلف مقدمة موسيقية طويلة لكي تصلح الأغنية أن تكون قصيدة مستقلة على كاسيت، ثم تم المكساج أو الدمج الصوتي مع عزف الفرقة الماسية الذي أدخل على الأغنية.
وأضاف أنه تم بعد ذلك الاتصال بالأمير خالد لأخذ تنازل منه والتصريح بتقديمها دون مقابل، فوافق على ذلك لأن ما كان يهمه هو أن يغني عبد الحليم قصيدة له بصوته.
وقال العمروسي إن شركة صوت الفن طبعت الأغنية على كاسيت وأنزلتها إلى الأسواق بعد سنوات من رحيل العندليب، وحققت نجاحا جماهيريا كبيرا فاق كل التوقعات، ولا تزال تحقق هذا النجاح، مشيرا إلى أن عبد الحليم أداها بإحساس صادق وأعطى كلماتها قيمة كبيرة.
وأشاد النقاد وقتها بأداء حليم اللافت، وتعبيره الصادق عن معاني كلمات الأغنية.
ولا تزال أغنية “حبيبتي من تكون” -على غرار أغانيه الأخرى- تحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم، وغناها العديد من المطربين المعروفين مثل هاني شاكر ونوال الزغبي وغيرهما.
وتقول كلمات الأغنية:
الرفاق حائرون.. يفكرون.. يتساءلون في جنون
حبيبتي أنا.. من تكون
يفكرون.. يتساءلون.. يتهامسون.. يتخيلون
أشياء وأشياء.. وأسماء وأسماء.. ويضيع كل هذا هباء
لا تخافي واهدئي.. واهدئي.. يا صغيرتي
لا تبالي إنني.. إنني يا حبيبتي
أخفي هواك عن العيون.. فكيف مني يعرفون
حبيبتي أنا من تكون
****
صغيرتي أنا لم أقل شيئا.. لم أقل
أبدا أبدا لن أقول..
فحرصي عليك كحرص نفسي على الحياة لكي تطول
لا تحذري نظراتهم إليك.. لا تفزعك همساتهم عليك
فأنت في أعماق ذاتي.. سرّ أسرار حياتي
فدعيهم يا حياتي .. دعيهم
يفكرون.. يتساءلون.. يتخيلون
ولا تخافي واهدئي.. واهدئي.. يا صغيرتي
لا تبالي إنني.. إنني يا حبيبتي
أخفي هواك عن العيون.. فكيف مني يعرفون
حبيبتي أنا من تكون
يا واحشني
وشهد إحياء الذكرى الرابعة والعشرين لرحيل عبد الحليم حافظ عام 2001 إطلاق محمد شبانة -ابن شقيق عبد الحليم- شريط كاسيت بالاتفاق مع شركة “صوت الحب”، أنتجته تحت عنوان “يا واحشني”، ويتضمن 4 أغنيات للعندليب الأسمر وجميعها من ألحان محمد الموجي، وهي: “يا واحشني”، من كلمات محمد حلاوة، و”رايتي الخضراء” للشاعر نفسه، و”حريتنا” من كلمات مأمون الشناوي، و”اصحى وقوم” من كلمات مرسي جميل عزيز.
ويعد هذا الشريط ثاني تجربة لشبانة في هذا الإطار، حيث سبق أن أنتج شريط كاسيت عام 1999 لصالح شركة “العندليب” التى يمتلكها، يتضمن بروفة أغنية “من غير ليه” بالعود بين عبد الحليم ومحمد عبد الوهاب.
ويقول شبانة في تصريح صحفي سابق إنه عثر على هذا الشريط أثناء بحثه عن شرائط الربع بوصة التي يحتفظ بها، فقام بمعالجتها وتجهيزها لتصبح صالحة للعرض، مشددا على أن هذه الأغاني لا تقل جودة عن أغاني عبد الحليم القديمة وهي سابقة لعصرها.
واعترض مجدي العمروسي مدير شركة صوت الفن حينها على إطلاق هذه الأغاني، وقال إنها ملك لشركته ولا يحق لشبانة التصرف بها، وأشار إلى أن عبد الحليم سجلها دون تصوير لتضاف إلى أحد أفلامه السينمائية.
أغان أخرى
ومن الأغاني الأخرى التي سجلها عبد الحليم بصوته ولم تذع أثناء حياته، رائعة كوكب الشرق أم كلثوم “ودارت الأيام”، والتي غناها العندليب في جلسة خاصة عند أحد أصدقائه، لكنه رفض أن تخرج للناس، ربما لأن الفرقة الموسيقية غير متكاملة أو لم تكن بالمستوى الذي يرغب بتقديمه على المسرح. لكن بعض الشركات الفنية طبعت الأغنية وطرحتها في الأسواق، مما اضطر العمروسي لأن يخرج الأغنية من شركة “صوت الفن” إلى الجمهور.
وحدث الأمر نفسه مع قصيدة “ولو” التي غناها حليم في بيت صديقه جلال معوض، وطبعها العمروسي في كاسيت وأنزلها للأسواق، وكذلك أغنية ” الحب أحلى من حلاوته ما فيش” التي احتفظ بها الإعلامي وجدي الحكيم وأطلق تسجيلها النادر بعد وفاة العندليب.
وتكررت القصة ذاتها مع أغاني مسلسل “قاهر الظلام”، حيث أداها عبد الحليم على لسان عميد الأدب العربي طه حسين، ولم تطبع على كاسيت في حياته، لأنها أذيعت من خلال المسلسل.
ومن أبرز هذه الأغاني “يا مركبي سيري” التي غناها بثلاثة ألحان مختلفة، و”في ناس”، و”الله ما أقول الآه” كلمات محمد حمزة وألحان محمد الموجي.
يا مركبي سيري في طريقك ولا تخافي الرياح
لو فيه ظلام في الوجود قلبي أنا ملاح
يا بخت من قاسى يا دنيا عشان كل البشر يرتاح
يا مركبي سيري.. سيري
“في ناس”
في ناس بتخلق من الألم قوة
وناس بتخلق من الدموع سكَّة
بتمشي عليها بعديهم
خلائق مؤمنة بيهم
دنيا دنيا..
بروفات نادرة
ولا يقتصر الأمر على الأغاني التي سجلها حليم بصوته، بل تعدى ذلك حتى لبعض بروفات أغان كان يحضر لإطلاقها أو غناها سابقا وظهرت بعد وفاته، مثل بروفة أغنية “من غير ليه” التي كتبها الشاعر مرسي جميل عزيز ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وغناها بنفسه بعد أكثر من 10 سنوات من وفاة العندليب، وبروفة أغنية “حبيبها” التي كان يستعد لتقديمها أثناء إحدى حفلاته في تونس، وغيرها.
كما ظهرت بعد وفاته تسجيلات قراءاته لبعض القصائد التي كان يحضّر لتقديمها إلى جمهوره، أبرزها قصيدة “أحلى خبر” للشاعر نزار قباني.