في غياب أطراف الأزمة.. لجنة قضائية لوضع قانون جديد للأحوال الشخصية بمصر
القاهرة ـ في غياب تمثيل حقيقي لأطراف المشاكل الأسرية والمعنيين بها، دُفع بمقترحات لقانون جديد للأحوال الشخصية المثير للجدل إلى لجنة من خبراء القانون شكلها وزير العدل عمر مروان، بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ورأى متابعون ومعنيون بشؤون الأسرة أن التعاطي في هذه المسائل الحساسة يتم بشكل “فوقي” من قبل السلطة في أزمة مجتمعية مستفحلة أودت بنواة المجتمع وهي الأسرة، حتى باتت معدلات الطلاق في مصر هي الأعلى عالميا، دون إشراك المعنيين من المؤسسات والأفراد في مناقشة أبعاد القضية.
وبينما تفاءل معنيون بالقضية بالتدخل الرئاسي عبر تشكيل لجنة قضائية لإقرار قانون جديد، رأى آخرون أنه “لا أمل في التحسين المتوازن، لأن المجلس القومي للمرأة قدم للجنة اقتراحات تصادم الدين والمجتمع، وهو مدعوم من الرئاسة وقوى أخرى في السلطة”، بحسب تعبير منتقدين لهذه الاقتراحات.
وفي نواد اجتماعية، يتصادف جلوس شخصيات نافذة -مطلقون- معا بانتظار ميقات رؤية أبنائهم وبناتهم، لوقت محدد أسبوعيا وفق القانون، أثار مرآهم معاً دهشة صحفي -تحفظ على ذكر اسمه- يعرفهم فسألهم عن سر عدم قدرتهم على استخدام نفوذهم في رؤية أبنائهم في أي وقت، فجاءت الإجابات شبه متطابقة بأن طليقاتهم هن بنات نافذين أيضا، لكنه استمر في التساؤل بحديثه للجزيرة نت لماذا لا يستخدمون نفوذهم وصلاتهم وقربهم من السلطات بل إن بعضهم هم جزء من صناعة القرار، في تغيير هذا الواقع المؤلم؟
ويطالب وليد عبد النعيم -وهو مطلق وأب لثلاثة أبناء- بتمكين الأب المطلق من رعاية أبنائه بشكل كامل، مضيفاً في حديثه للجزيرة نت “لو نهمل رأي الدين في هذه المسألة كما يجري حاليا، فلا أقل من أن نأخذ ما يفعله الغرب كاملا حلا لهذه المشكلة”.
وأضاف “نعلم أن تدمير الأسرة بات هدفا تعمل عليه الأنظمة المتعاقبة تدميرا لآلة الإنجاب من أساسها، بعد الفشل في وقفه ببرامج تنظيم الأسرة، مصر واقعة تحت ضغوط دولية هائلة تحت شعارات تمكين المرأة، حتى بات للمرأة نحو 20 قضية يمكن أن تقيمها ضد زوجها فتدمره أو تجعل حياته جحيما، كما أن التعديلات المقدمة من المجلس القومي للمرأة تنسف ما تبقى من قوامة الرجل سواء كان زوجاً أو أباً”، بحسب رأيه.
في المقابل، ترى مطلقات أن المرأة هي ضحية القانون الحالي، وتقول نهى، وهي موظفة مطلقة، إنها تعاني الأمرين للحصول على حقوق أبنائها من أب يرفض الإنفاق بشتى الحيل، مشيرة في حديثها للجزيرة نت إلى معاناتها في إثبات دخله الحقيقي.
وإضافة إلى هذه المعاناة، تشردت سمر -وهي ربة منزل- بأطفالها بين بيوت أشقائها وشقيقاتها، وقالت للجزيرة نت “حصلت على نفقة مسكن، لا تكفي لإيجار شقة مناسبة، في حين التهمت نفقات الأبناء المتزايدة هذه النفقة، فأقمت لدى أقاربي، كما أذهب بأبنائي لأبيهم في موعد الرؤية، فلا يأتي لرؤيتهم انتقاما مني”.
وقال وزير العدل المستشار عمر مروان، خلال تصريحات صحفية، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي جسد اهتمامه بقضية الأحوال الشخصية عبر التوجيه بتشكيل لجنة جميعها من القضاة المتخصصين في مسائل الأحوال الشخصية، بحيث تنتهي إلى قانون متوازن.
وتابع الوزير نحن نعمل على صياغة مشروع جديد من الألف إلى الياء وليس مجرد تعديل على القانون القائم كما جرى في السابق.
وفسر الوزير اقتصار تشكيل اللجنة على قضاة فقط، لأن “القاضي بطبيعته محايد، ويرى المشاكل على أرض الواقع ويبحث عن حلول لها”، مستدركا “ذلك لا يمنع كل من لديه مقترح حول القانون من تقديمه للجنة دون إلزام لها بمقترحه”.
وتابع ردا على الانتقادات بعدم وجود أطراف المشكلة باللجنة “القاضي يده في قلب المشكلة، ولو أضفنا أطرافا أخرى للجنة لن تكون مخرجاتها موضوعية، حيث إن كل طرف سينحاز حينها للطرف الذي يمثله”.
ولفت مروان إلى إجراء حوار مجتمعي يشمل الأزهر دون إلزام بتضمين رأيه في القانون، وذلك عقب 4 أشهر من الآن، وهو موعد انتهاء اللجنة من إعداد القانون، ليتناقش المجتمع حول ما آلت إليه اللجنة.
مقترحات المجلس القومي للمرأة
المتاح من مقترحات ستعمل عليها اللجنة المشكلة، هو ما أعلنته رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي في أكثر من مناسبة مؤخرا، ويتلخص أبرز المقترحات المثيرة للجدل في محاور التأكيد على كامل الأهلية القانونية للمرأة، ووضع آجال للفصل فى الدعاوى وتنفيذ الأحكام القضائية في أسرع وقت على أن تكون واجبة النفاذ وبقوة القانون وبلا كفالة، وعلى الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إلى ذلك، علاوة على ضرورة تنفيذ قرارات وأحكام تسليم الصغار في مرحلة واحدة لمنع إخفاء الأطفال، مع إتاحة سبل متطورة للإعلانات القضائية باستخدام الوسائل التكنولوجية المتاحة كلما أمكن للتيسير.
ورأى مستشار وزير الأوقاف الأسبق سلامة عبد القوي أن مخرجات هذه اللجنة لن تكون مبشرة ومثمرة لصالح المجتمع، إذ إن الدور الذي يقوم به المجلس القومي للمرأة صاحب المقترحات الرئيسية للقانون، هدفه واضح من بداية إنشائه وهو تعمد مخالفة الأحكام الشرعية التي تصون كرامة المرأة وتحفظ لها حقوقها.
وتابع عبد القوي في حديثه للجزيرة نت “للأسف الشديد كان ذلك منهجه على مدار تاريخه، ويمكن توقع مخرجات اللجنة في سياق الهجوم الإعلامي على الشعائر والثوابت، كما أن ذلك ليس غريباً على مؤسسة أُسست على تحطيم الضوابط الشرعية التي تصون المرأة، فنجدهم يهاجمون دائما كل الثوابت وخاصة أن الفرصة حالياً مهيأة لتغيير القوانين والتشريعات، عبر لجنة موضوعة بمعرفتهم، وفق رأيه.
ومضى المتحدث مؤكدا أن “أم الكبائر” في هذه المسألة ألا يكون في هذه اللجنة عضو من الأزهر الشريف، لأن الأزهر رغم ما يعتريه من هوان -برأيه- فإنه يتصدى وبكل قوة لكل محاولات المجلس القومي ورموزه، وهو ما دعا لتغييبه وجعل دوره استشاريا، لأنهم يعلمون رأي الدين فيما يفعلون منذ تصدي الأزهر لمؤتمر السكان نهاية القرن الماضي، ووثيقته “التخريبية” التي تضمنت نفس هذه المطالب المقترحة من القومي للمرأة حرفيا، والأخطر -بتقديره- أن هذه القوانين ستستمر، ولكنها على أي حال مرتبطة بوجود هذه السلطة.
تاريخ من القوانين
مر قانون الأحوال الشخصية الحالي بعدة تطورات، كانت الفاصلة فيه صدور قانون الخلع “رقم 1 لعام 2000” الذي أدخل التعديلات الخاصة بكيفية تطليق المرأة نفسها، مطلع الألفية الجديدة مدفوعا بجهود المجلس القومي للمرأة، حلا لمشكلة الزوجات المعلقات دون زوج ودون طلاق، حيث كانت الزوجة تنتظر أعواما طويلة في المحاكم لتطليق نفسها.
واعتبر مراقبون أن القانون قفز بمعدلات الطلاق إلى النسبة الحالية المخيفة، كما لعب محامو بعض الزوجات دورا تحايليا ربما يجعل “طلاق المرأة غير شرعي دينيا”.
وقبل ذلك صدرت عدة قوانين متفرقة للأحوال الشخصية تخص في جوانب، منها مسألة العلاقة بين الرجل والمرأة، وقانون المواريث، وقانون الولاية على المال، وقانون الوقف رقم 48 لعام 1946، ثم صدر القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء الوقف الأهلي، وأدخلت عليه بعض التعديلات الهامة بالقانون رقم 100 لعام 1985.
ولعبت الأعمال الفنية دوراً هاماً في التنبيه لضرورة تعديل القوانين المتعلقة بالمرأة، فجاء فيلم “أريد حلا” بطولة الممثلة الراحلة فاتن حمامة، ثم مؤخرا مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي عرض في شهر رمضان الماضي.
ويقول رئيس محكمة الأسرة الأسبق المستشار عبد الله الباجا إن قانون الأحوال الشخصية الحالي مهترئ، مؤكدا أن تعديله أمن قومي، لأنه يستهدف إعداد أجيال قادرة على حمل راية الوطن.
واستحسن الباجا خلال لقاء بالقناة الفضائية المصرية، تشكيل اللجنة من قضاة، لأن “القاضي يستهدف عمل قانون يحدث التوازن في العلاقات الأسرية ويعيد العدالة المفقودة بين الطرفين، لن يرضي الجميع، إلا طرفا الأسرة السوية، أما من يتعمدون حرمان أولادهم من النفقة أو رؤية الطرف الآخر للأطفال فسيتضررون من القانون الجديد الذي سيراعي فقط مصلحة الأطفال وليس المصلحة الشخصية للآباء”.
واعتبرت البرلمانية هالة أبو السعد أن الأولوية مراعاة تحقيق صالح الطفل، لاستقرار الأسرة المصرية، خاصة أن القانون الحالي لم يشهد تعديلات لعشرات السنين.