بدأت الكارثة عندما روج رأس الفكر الصهيوني المفكر الألماني اليهودي “موشي هس” لانبعاث الأمة اليهودية، وهي الفكرة التي اعتنقها مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل والذي روج على مدى فترة الانتداب البريطاني على فلسطين إلى أن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
على إثر ذلك، شُرّد أكثر من 800 ألف فلسطيني قسرا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتهديد من قبل العصابات الصهيونية، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948، وفقا لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، كذلك سيطرت العصابات الصهيونية على أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع بما فيها من موارد وما عليها من سكان.
أرض البرتقال الحزين
ربما يبرز الشهيد الفلسطيني الشهير غسان كنفاني في العقل العربي الجمعي بوصفه الأديب السياسي الذي أسخن الاحتلال بالمقاومة والكتابة حتى تم اغتياله في بيروت في 8 يوليو/تموز عام 1972 على يد جهاز الموساد، إلا أن الجانب الغائب لكنفاني هو كونه تشكيليا لم يمهله الاحتلال الفرصة لتبلغ موهبته ما تستحق.
فقد رسم كنفاني عددا من الاسكتشات والرسومات التي تتبع الأثر النفسي للنكبة وما تلاها من تهجير ونزوح في عدة أعمال، ومنها “النازح” ويظهر فيها رجل عجوز مُحاط بوجوه غير مفهومة وشهيد عن شماله وآخرون أمامه، كلهم غيّبهم الموت والفقد والتهجير ليبقى هو وحيدا في العتمة.
كانت بالأمس وستزول غدا
ظهرت آثار النكبة في أعمال تشكيلية عدة، كثير منها ينعى الوطن التاريخي الذي استحال على أهله العودة له حتى وإن كانت الهوية تؤكد كونهم فلسطينيين ومفتاح الدار في رقابهم لا يزال معلقا -بعد عقود مضت- ككنز يخافون خسارته، على سبيل المثال لا الحصر في الزمن الحاضر لا يزال الفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور، بعد 72 عاما من النكبة، يرسم الثورة الفلسطينية على المحتل وحلم العودة كأن النكبة كانت بالأمس وستزول غدا، تماما كما يظهر في لوحته “..ويستمر الكفاح”.
تقتفي لوحة “..ويستمر الكفاح”، كمعظم أعمال منصور، آثار النكبة في الذهن الجمعي الفلسطيني، الأرض التي شُردت حينما شُرّد أصحابها، كيف حمل الفلسطيني، ليس فقط مفتاح داره، بل حمل حرمه القدسي، غضبه وعداءه للمحتل الصهيوني، وفوق كل شيء هويته الفلسطينية التي تأبى أن تُطمس. جيلٌ وراء جيلٌ، سواء شهد النكبة أم لم يشاهدها، يحملها حملا بين ضلوعه.
حنظلة وحلم العودة
بالرغم من مرور عقود على اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، فإن شخصيته الكرتونية “حنظلة” حية دوما تأبى أن تموت، وكأن رصاصات الغدر حين هوت على جسد العلي منحت الخلود لحنظلة، مات العلي وعاش حنظلة ليظل حاضرا في كل حدث فلسطيني وعربي جلل، يذكر العربي، سواء كان فلسطينيا أم لا، بمرارة الهزيمة وبشاعة الهروب من القضية.
“المنقذ من المصائد والخدع وأساليب الغش البليغة التي يمارسها البعض” (الأديب والناقد الفلسطيني محمد الأسعد عن فن ناجي العلي).
ولعل أبرز ما يميز ناجي العلي هو نقله الدقيق لكارثة النكبة والاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين في أعماله الفنية، مستشرفا المستقبل بنظرة دقيقة ورؤية ثاقبة غير آبه بالمخاطر التي قد يتعرض لها أو التهديدات التي كان يتلقاها، كان إخلاصه الوحيد لفلسطين ولا يرى لنفسه حزبًا ولا انتماء أيديولوجيا لغير حنظلة، الشخصية العربية الكرتونية المغموسة بمرارة الحنظل.
وعن حنظلة يقول ناجي “ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء”.
وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي “كتفته بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأميركية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبعا”.