القاهرة – وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، بشكل نهائي، على اتفاق موسع مدته 46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار لمصر.
وأضاف في بيان، أمس الجمعة، أن القرار يتيح صرف 347 مليون دولار لمصر على الفور.
وكان وزير المالية المصري محمد معيط كشف قبل أيام أن مصر سوف تحصل على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد بقيمة 750 مليون دولار هذا الشهر.
تتلخص أهم بنود البيان في التالي:
- من المتوقع أن يؤدي تسهيل الصندوق الموسع “إي إف إف” (EFF) إلى تحفيز تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين.
- التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن.
- تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة.
- القيام بإصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من تأثير الدولة، وتعزيز الحوكمة والشفافية.
- خفض معدلات التضخم تدريجيا، وإلغاء دعم برامج الإقراض.
- الضبط المالي وإدارة الدين لضمان تراجع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي.
الفرصة الأخيرة
ينظر خبراء اقتصاد، تحدثوا للجزيرة نت، إلى قرض صندوق النقد الدولي باعتباره الفرصة الأخيرة لمصر بعد تشدد إدارة الصندوق في مطالبه، وتشديد الشروط، وأخذ تعهدات صارمة بالمضي قدما في إصلاحات هيكلية حقيقية لتصويب ما وصفوها بالأخطاء الاقتصادية.
جاءت الموافقة بعد مفاوضات شاقة بدأتها مصر مع إدارة الصندوق الدولي منذ مارس/ آذار الماضي بعد هروب أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصري في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من اضطرابات اقتصادية ومالية عالمية كبيرة.
واستبقت الحكومة المصرية الموافقة النهائية بعدد من الإجراءات، التي وصفها خبراء ومحللون اقتصاد بالقاسية، تضمنت خفض سعر الجنيه مرة تلو الأخرى لمستويات غير مسبوقة في تاريخ العملة المحلية، وزيادة العائد على الفائدة 2%، إلى جانب التعهد بإفساح المجال أمام القطاع الخاص في ظل سيطرة الدولة والجيش على مفاصل الاقتصاد.
بانتظار موافقة صندوق النقد، هوى الجنيه المصري إلى 24.74 جنيها للدولار الواحد في البنوك المحلية، في حين تخطى حاجز 33 جنيها في السوق الموازي، بحسب متعاملين تحدثوا للجزيرة نت، بسبب زيادة الطلب على العملة الصعبة.
رغم نفي وزارة المالية حدوث أي قفزة جديدة لسعر الصرف الرسمي.. متعاملون بالسوق السوداء يتبادلون #الدولار عند 33 جنيهًا قبل اجتماع صندوق النقد الدولي لمراجعة قرض #مصر الذي تم الاتفاق عليه pic.twitter.com/yh9fNdZtaj
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) December 9, 2022
ولم تنجح تلك الخطوات الاستباقية حتى موافقة صندوق النقد الدولي في وقف نزيف العملة المحلية، والحد من أزمة نقص العملات الأجنبية، وإنعاش ثقة المستثمرين الأجانب في اقتصاد البلاد واستعادة السيولة في الأسواق، وبدأت السندات المصرية في التراجع، وارتفعت تكلفة تأمين ديون البلاد ضد التخلف عن السداد.
وأدى انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية إلى قفزة في معدل التضخم في عموم الجمهورية إلى 19.2% خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما ارتفع معدل التضخم الأساسي الصادر عن البنك المركزي إلى 21.5% خلال الشهر نفسه.
ارتفاع جديد بسعر #الدولار ليصل إلى 24.73 جنيهًا في البنك المركزي pic.twitter.com/nshGLvp2m8
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) December 14, 2022
قرض الصندوق ليس عصا سحرية
اعتبر الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار أن “حصول مصر على الشريحة الأولى من القرض سوف يفتح الطريق للقرض الإضافي من صندوق الاستدامة بقيمة مليار دولار، وبدء مفاوضات مع الممولين الأجانب (حكومات ومؤسسات تمويل متعددة الأطراف وثنائية) لترتيب قروض إضافية بقيمة 4 مليارات دولار منها قرض بقيمة مليار دولار من البنك الدولي”.
إذا كان قرض صندوق النقد ليس عصا سحرية لحل الأزمة الاقتصادية، أوضح نوار -في حديثه للجزيرة نت- أن الحكومة المصرية لا تملك الآن الكثير من الخيارات في الوقت الراهن ولن تسعفها أي إجراءات أخرى، وآخر الفرص قبل إحداث تغيير جذري نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة.
ورأى أن العودة لقروض صندوق النقد تعني أيضا زيادة الدين الخارجي القائم، و”لا أظن أن حصول مصر على الشريحة الأولى من القرض سيخفف الضغوط على الجنيه لمدة تزيد عن أسابيع، لأن مصر عليها سداد أعباء ديون خارجية (أقساط وفوائد) في عام 2023 بقيمة 17.6 مليار دولار، منها 3 مليارات مستحقة في فبراير/شباط المقبل، ومن ثم فإن الضغوط على الجنيه ستستمر، كما سيستمر معدل التضخم في الارتفاع.
تحدق مخاطر تراجع التصنيف بالاقتصاد المصري، إذ عدلت وكالة “فيتش” (Fitch) للتصنيف الائتماني -الشهر الماضي- نظرتها المستقبلية لمصر إلى “سلبية”، بعد أن كانت “مستقرة”، وأرجعت ذلك إلى تدهور وضع السيولة الخارجية للبلاد، وتراجع قدرتها على الوصول إلى أسواق السندات، وأعلنت في بيان تثبيت التصنيف الائتماني لمصر عند “بي+” (+B).
ونهاية مايو/أيار الماضي، غيرت وكالة “موديز” (Moody’s) النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سلبية بدلا من مستقرة، ولكنها أبقت تصنيفها عند “بي 2” (B2)، محذرة من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض تصنيف البلاد للمرة الأولى منذ مارس/آذار 2013.
أهم النتائج المترتبة على القرض
قال مؤسس ورئيس شركة الاستشارات الاستثمارية “بويز إنفستمنت” شريف عثمان إن “أهم النتائج المترتبة على الموافقة على القرض هي الجزء الخاص بتحفيز تمويل إضافي بقيمة 14 مليار دولار، وهذا يصب في مصلحة الجنيه المصري وتراجع الدولار في السوق السوداء، مما قد يساعد البنك المركزي في اتخاذ خطوة تعويم الجنيه”.
وأضاف، في حديثه للجزيرة نت، أن مبلغا كبيرا من القروض سوف يضخ في الأسواق ويمتص الطلب الكبير على العملة الأجنبية، وبالتالي تخفض ارتفاعها المبالغ فيه، وسيكون تأثير ذلك إيجابيا على قيمة الجنيه، كما سيدعم سد العجز في الحساب الجاري وميزان المدفوعات، ويساعد على حماية العملة المصرية من المزيد من الانخفاض.
وفيما يخص السلبيات، وفق عثمان، فهي استمرار الاعتماد على الديون الخارجية بالعملة الأجنبية، رغم أنه يمثل طوق نجاة لعدة أشهر قد تصل بمصر بسلام إلى الربع الثاني من العام المقبل، ولكن إذا تم فتح الاستيراد على مصراعيه ستجد الحكومة نفسها في أزمة جديدة بعد عدة أشهر.
وأشار إلى أن المبلغ المعلن كبير مقارنة بالتوقعات السابقة، ولكنه قليل بالنسبة لالتزامات مصر الخارجية وسداد فاتورة الاستيراد، واحتمالات الدخول في الأزمة مجددا واردة جدا، ولا أفضل الاقتراض من الصندوق لأن الحلول لا تكمن في القروض.
وتحتاج مصر إلى 28 مليار دولار حتى نهاية عام 2023 لإعادة تمويل ديونها المستحقة، ودفع الفوائد وتمويل عجز الحساب الجاري، وفقا لأبحاث “دويتشه بنك”، مع 20 مليار دولار إضافية مطلوبة في العام التالي.
لم تحمل الإجراءات الجديدة التي أعلنتها مصر بشأن تبني نظام سعر صرف أكثر مرونة -إلى جانب التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج اقتصادي آخر- نتائج إيجابية مباشرة للاقتصاد المصري.
الصندوق ليس كافيا
حذرت وكالة “بلومبيرغ” (Bloomberg) الأميركية في تقرير لها الشهر الماضي، من أن مشاركة صندوق النقد الدولي في برنامج اقتصادي لا تُصلح بحد ذاتها أيا من مشكلات التمويل الخارجي.
بحسب التقرير، فإن نجاح البرنامج يعتمد إلى حد كبير على تنفيذ أجندة الخصخصة والاستثمار الأجنبي المباشر، والتي لا يزال المستثمرون متشككين فيها، نظرا لإحباطاتهم السابقة من وعود الحكومة المصرية المتكررة دون تنفيذها.
أزمة تمويلية كاشفة
وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، أزمة الدولار بأنها “كاشفة” بالنسبة لمصر، وقال في تصريحات له على هامش فعاليات الملتقى والمعرض الدولي الأول للصناعة في القاهرة، إن فاتورة الدولار تزيد عاما بعد آخر، مؤكدا أنه يتحتم على بلاده مسابقة الزمن لإنتاج ما تستورده من مستلزمات.
وأدى توسع الحكومة المصرية في الاقتراض الداخلي والخارجي إلى استحواذ فوائد الدين الحكومي وأقساطه على نسبة 54% من إجمالي الإنفاق بالموازنة الخاصة بالعام المالي 2022-2023.
في قرار جَنب مصر الكثير من المتاعب الاقتصادية، ذكرت صحف محلية أن 3 دول خليجية جددت الودائع المالية لدى البنك المركزي المصري، بإجمالي 14.941 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2022.
وأشارت إلى أن إجمالي الودائع الخليجية لدى البنك المركزي المصري تبلغ نحو 28 مليار دولار، منها 13 مليار دولار ودائع قصيرة الأجل، بخلاف 1.9 مليار دولار فوائد، في حين يبلغ الاحتياطي النقدي 33.53 مليار دولار فقط.