قلق في أوساط اللاجئين عقب توجهات الحكومة المصرية لتقنين إجراءات اللجوء
لا يعلم زكريا صالح الوافد السوداني إلى مصر، اتجاه الحكومة لتشديد قوانين اللجوء لانشغاله بالذهاب إلى منطقة العباسية، لمراجعة الإدارة المسؤولة عن تقنين أوضاع اللاجئين -دون جدوى- بسبب ضياع أوراقه الثبوتية في رحلة فرار شاقة من مدينة شندي بولاية نهر النيل.
وفتح سؤال الجزيرة مباشر لزكريا عن أحواله، ذكرى مؤلمة قال إن آثارها لا تزال موجودة، بفعل الرحلة الشاقة المحفوفة بالمخاطر عبر المسالك الجبلية الحدودية مع مصر خاصة في وجود زوجته وولديه.
ويتحدث زكريا بأسى عن معاناة من نوع مختلف مع إعادة تقديم نفسه وأسرته إلى السلطات المصرية بدون أوراق ثبوتية وهو ما يعني الترحيل، بحسب ما قال.
ورغم مخاوف كثيرين مثل زكريا صالح تنضم أم مصطفى التي وصلت حديثا إلى القاهرة للحوار وتؤكد نجاح مهمة التقنين لكنها تربط ذلك بدخولها الشرعي للبلاد.
ومع ذلك تؤكد أم مصطفى أن أوراقها الثبوتية الكاملة لم تشفع لها في إنهاء معاملتها بالسرعة المتوقعة وإن كانت تنتظر استقراراها وأسرتها التي يعيش معظمهم بمصر منذ سنوات وهو ما ساعدها على توفير معيشة ملائمة.
هواجس من تشديد القوانين
تقول أم مصطفى إن أسرتها التي تمتلك مقهى صغيرا بمنطقة “بين السرايات” المحيطة بجامعة القاهرة توفر لهم دخلا مناسبا، لكنها تكشف عن مخاوف من تشديد قوانين اللجوء.
وترى أن دفع ألف دولار رسومًا لتقنين الأوضاع يمثل ضغطا كبيرا وتضيف “بس تتوقف الأمور عند هذا الحد”، مشيرة إلى أن مشروع المقهى الصغير ربما يصبح مهددا.
مخاوف من الترحيل
وبدا اللاجئون في مصر بين مطرقة التقنين بكلفته الباهظة وسندان الترحيل على خلفية التشدد في قوانين اللجوء حسب ما أعلن وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب اللواء إبراهيم المصري في تصريح تلفزيوني قال فيه إن البرلمان سيناقش خلال أيام تعديلات تشريعية “لضبط الأمور”.
وقال في حوار متلفز إن الحكومة أدارت في الآونة الأخيرة، الملف بعشوائية معبرا عن خشيته من وجود ما سماه تكتلات سكانية من “الضيوف الأجانب” في بعض المناطق.
وشدد على ضرورة تقنين الأوضاع بصورة عاجلة، كما اعتبر أن “توافد الضيوف بصورة غير شرعية يهدد الأمن القومي مع تفاقم الضغوط المعيشية”، على حد وصفه.
“أزمات الاقتصاد المصري قديمة”
وخلافًا لذلك يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب في حديثه للجزيرة مباشر أن أزمات الاقتصاد المصري بدأت منذ سنوات ولا علاقة لها مباشرة بالوافدين.
وقال إن مصر تحاول الاستفادة من اللاجئين والحصول على مساعدات من المؤسسات الدولية معتبرا أن المساعدات الأوروبية للقاهرة مرتبطة بملف الهجرة غير الشرعية، أكثر من ارتباطها بملف اللاجئين.
ورأى أن قطاعا كبيرا من هؤلاء اللاجئين دخل البلاد بشكل شرعي ويملك الملاءة المالية، ويمكن النظر إليهم باعتبارهم إضافة للقدرة الشرائية بما يحفز الإنتاج والاقتصاد المصري عموما.
وكانت الحكومة المصرية قد حددت نهاية يونيو/حزيران المقبل مهلةً أخيرة لتقنين أوضاع اللاجئين، محذرة من أنه سيتم إيقاف جميع الخدمات الحكومية المقدمة لهم في حالة عدم التقنين ودفع الرسوم المقدرة بألف دولار.
استبعاد طرد اللاجئين
وبينما سببت التحذيرات الحكومية من إجراءات بحق المخالفين قلقا واسعا، استبعد المحامي والباحث بالقانون الدولي سعيد عبد الحميد سيناريو طرد المخالفين، موضحا للجزيرة مباشر أن مصر من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين التي تحظر ردهم إلى مناطق أو حدود تعرضهم للخطر.
وقال المحامي والباحث بالقانون الدولي إن على مصر التعامل مع الأمر الواقع بتقنين أوضاع المخالفين وتحصيل الرسوم المطلوبة وفي نفس الوقت الحصول على الدعم من المؤسسات الدولية.
لكن الباحث يصف الملف بأنه قنبلة موقوتة ويشير إلى أن اتفاقية اللاجئين تسمح في الوقت نفسه بحالات إبعاد إذا رأت الدولة المستضيفة خطرا على أمنها القومي.
ولا يرى الباحث والمحامي بالقانون الدولي أن التقنين يمثل إنذارا بالترحيل ويقول إن الأمر لا يعدو أن يكون خطوات تنظيمية تمثل حقا أصيلا للدولة المصرية.
قلق في أوساط اللاجئين
وسببت الإجراءات الحكومية حالة من التوتر وسط اللاجئين على خلفية ظهور حملات -نددت بها الحكومة رسميا- تطالب بترحيل اللاجئين بينما تعارض ذلك تيارات متعددة وتطالب بالتعامل الإنساني مع الملف رغم تفاقم الضغوط المعيشية والتأكيد على أن اللاجئين في مصر يشكلون إضافة إلى الاقتصاد وليس خصما منه.
وكشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن قيمة ما تدفعه مصر مقابل خدمات للمهاجرين على أراضيها تتجاوز 10 مليارات دولار سنويا، مشيرا إلى وجود عدد كبير من اللاجئين من مختلف الجنسيات والوافدين المقيمين من الأجانب.
وقال إن أعدادهم -طبقًا لبعض التقديرات الدولية- تصل إلى أكثر من 9 ملايين “ضيف ولاجئ” يمثلون نحو 133 دولة، أغلبهم من الجنسية السودانية والسورية، تليهما أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق وليبيا.
وتعليقًا على ذلك، يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن الكلام عن هذه الكلفة الاقتصادية يحتاج إلى مراجعة. وقال للجزيرة مباشر إن تكلفة هذه الأعداد لو كانت صحيحة فهي لم تخرج من الموازنة العامة لكن من حق مصر أن تطلب من المؤسسات الدولية مساعدات إضافية.
ويتفهم عبد المطلب شكاوى المصريين من ارتفاع الأسعار خاصة في مجال العقارات، مشيرا إلى ضغط لافت على المرافق من خلال 10 ملايين لاجئ، ويتوقع أن يكون العدد أكبر من ذلك في غياب الحصر الدقيق.