نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” (The New YorkTimes) الأميركية مقالا تعريفيا حول التضخم في الولايات المتحدة، وشمل إلقاء الضوء على مفهوم التضخم وأسبابه ونتائجه وكيفية إبطائه.

وقالت كاتبة المقال جينا سمياليك في مستهل المقال إن التضخم يعد مشكلة صعبة، ولها بعض الأسباب والعواقب الواضحة، ويعمل صناع السياسة على التغلب عليه.

 

ما التضخم؟

يعد التضخم فقدان القوة الشرائية بمرور الوقت، مما يعني أن كمية النقود التي تمتلكها لن تشتري لك اليوم ما اشترته أمس.

ويتم التعبير عنها عادة بأنها التغيير السنوي في أسعار السلع والخدمات اليومية، مثل: الطعام والأثاث والملابس والنقل والألعاب.

وأشارت الكاتبة إلى أن أسعار المستهلكين بالولايات المتحدة قفزت بنسبة 8.6% على مدار العام حتى مايو/أيار الماضي، وهو أسرع معدل زيادة في 4 عقود.

كيف يقاس التضخم؟

يراقب الاقتصاديون وصانعو السياسة عن كثب مقياسين أساسيين للتضخم في أميركا: مؤشر أسعار المستهلك، ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي.

ويوضح مؤشر أسعار المستهلك مقدار ما يدفعه المستهلكون مقابل الأشياء التي يشترونها، مما يجعله أول لمحة واضحة عن الدولة لما فعله التضخم في الشهر السابق. وتُستخدم البيانات أيضا للتوصل إلى مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي.

ويتتبع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي -يصدر تقرير شهري عنه- التكلفة الفعلية للأشياء. على سبيل المثال، تحسب تكلفة إجراءات الرعاية الصحية حتى عندما تساعد الحكومة والتأمين في دفعها.

ويميل هذا المؤشر إلى أن يكون أقل تقلبا، وهو المؤشر الذي ينظر إليه الاحتياطي الفدرالي الأميركي عندما يحاول تحقيق تضخم بنسبة 2% في المتوسط بمرور الوقت.

وبدءا من أبريل/نيسان الماضي، ارتفع هذا المؤشر 6.3% مقارنة بالعام السابق؛ وهو أكثر من 3 أضعاف هدف البنك المركزي.

مؤشر أسعار المستهلك يوضح مقدار ما يدفعه المستهلكون مقابل الأشياء التي يشترونها (غيتي)

مراقبة وثيقة

ويولي مسؤولو بنك الاحتياطي الفدرالي اهتماما وثيقا بالتغيرات في التضخم من شهر لآخر للتعرف على زخمه.

كما أن صانعي السياسات متفقون بشكل خاص مع ما يسمى مقياس التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والوقود.

وبينما تشكل البقالة والغاز جزءا كبيرا من ميزانيات الأسرة، فإنها تقفز أيضا في الأسعار استجابة للتغيرات في العرض العالمي.

ونتيجة لذلك، فهم لا يعطون قراءة واضحة للضغوط التضخمية الأساسية في الاقتصاد، تلك التي يعتقد بنك الاحتياطي الفدرالي أنه يمكن أن يفعل شيئا حيالها.

ويقول لايل برينارد نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، وهو أحد متحدثيه العامين الرئيسيين -خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي- “سأتطلع لرؤية سلسلة متسقة من المطبوعات الشهرية المتباطئة للتضخم الأساسي قبل أن أشعر بمزيد من الثقة بأننا نصل إلى نوع مسار التضخم الذي سيعيدنا إلى هدف 2%”.

 

ما الذي يسبب التضخم؟

يمكن أن يكون التضخم نتيجة لارتفاع الطلب لدى المستهلكين، لكنه يمكن أن يرتفع وينخفض أيضا بناء على التطورات التي لا علاقة لها بالظروف الاقتصادية، مثل إنتاج النفط المحدود ومشاكل سلسلة التوريد.

هل التضخم سيئ؟

هذا يعتمد على الظروف؛ فالزيادات السريعة في الأسعار تؤدي إلى حدوث مشكلة، لكن المكاسب المعتدلة في الأسعار يمكن أن تؤدي إلى زيادة الأجور ونمو الوظائف.

كيف يؤثر التضخم على الفقراء؟

قد يكون من الصعب تحمل التضخم بشكل خاص بالنسبة للأسر الفقيرة لأنها تنفق جزءا أكبر من ميزانياتها على الضروريات مثل الطعام والسكن والغاز.

هل يؤثر التضخم على سوق الأسهم؟

يتسبب التضخم السريع عادة في مشاكل للأسهم؛ فقد شهدت الأصول المالية بشكل عام أداء سيئا تاريخيا خلال فترات ارتفاع التضخم، في حين حافظت الأصول الملموسة مثل المنازل على قيمتها بشكل أفضل.

نتيجة لذلك، يقوم الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة لإبطاء الطلب وتخفيض الأجور ونمو الأسعار. وتعني استجابة سياسة البنك المركزي أن الاقتصاد يتجه بالتأكيد نحو التباطؤ.

وبالفعل، بدأت تكاليف الاقتراض المرتفعة في تهدئة سوق الإسكان.

ارتفاع معدل الإنفاق الاستهلاكي حسب التضخم في الولايات المتحدة الأميركية رغم ضغوط الأسعار الشديدة (غيتي)

ما الذي يدفع نحو التضخم؟

قد يكون من المفيد التفكير في أسباب التضخم في الولايات المتحدة حاليا، وتندرج هذه الأسباب في 3 مجموعات ذات صلة:

  • طلب قوي: المستهلكون ينفقون حاليا مبالغ كبيرة؛ ففي وقت مبكر من الوباء، جمعت الأسر مدخرات لأنها كانت عالقة في المنازل، وساعدها الدعم الحكومي الذي استمر حتى 2021 على توفير المزيد من الأموال، والآن يأخذ الناس وظائف ويكسبون زيادات في الأجور.

كل هذه العوامل لها حسابات بنكية منزلية مبطنة، مما يمكّن العائلات من الإنفاق على كل شيء من مشاوي الفناء الخلفي وإجازات الشاطئ إلى السيارات وطاولات المطبخ.

  • سلع قليلة جدا: نظرا لأن الطلب فاق المعروض من السلع، فقد تمكنت الشركات من تحصيل رسوم أكثر من دون خسارة العملاء.

وأدت عمليات الإغلاق الأخيرة في الصين إلى تفاقم أزمات سلسلة التوريد. وفي الوقت نفسه، تعمل الحرب في أوكرانيا على تقليص إمدادات العالم من الغذاء والوقود، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم الإجمالية وتغذي تكلفة المنتجات والخدمات الأخرى.

  • ضغوط قطاع الخدمات: في الآونة الأخيرة، ابتعد الناس عن الإنفاق في الأشياء وعادوا للإنفاق في الأنشطة، وأصبح التضخم يتصاعد في الصناعات الخدمية.

كما تتصاعد الإيجارات بسرعة حيث يتنافس الأميركيون على المعروض المحدود من الشقق، وتتجه فواتير المطاعم إلى الارتفاع مع ارتفاع تكاليف الطعام والعمالة، وتكلفة تذاكر الطيران وغرف الفنادق أكثر لأن الناس حريصون على السفر ولأن الوقود والعمالة أغلى.

ما الدور الذي يلعبه جشع الشركات؟

قد تتساءل: ما الدور الذي يلعبه جشع الشركات في كل هذا؟ كانت الشركات تجني أرباحا كبيرة بشكل غير عادي لأنها ترفع الأسعار بأكثر مما هو مطلوب لتغطية التكاليف المتزايدة، وهي قادرة على ذلك جزئيا لأن الطلب قوي للغاية.

هناك القليل من الإجابات السهلة أو الحلول غير المؤلمة عندما يتعلق الأمر بالتضخم، الذي قفز في جميع أنحاء العالم حيث يصطدم نقص العرض مع طلب المستهلكين المتزايد.

ومن الصعب التنبؤ اليوم بمدة استمرار ارتفاع الأسعار، والأداة الرئيسية لمكافحتها هي زيادة أسعار الفائدة، التي تهدئ التضخم عن طريق إبطاء الاقتصاد الذي يُحتمل أن يكون حادا.

ويبدو من غير المرجح أن يزول التضخم السريع من تلقاء نفسه، إذ تتزايد الأجور بوتيرة أسرع بكثير من المعتاد؛ وهذا يعني أنه ما لم تصبح الشركات أكثر كفاءة وبسرعة فائقة؛ فمن المحتمل أن تحاول الاستمرار في زيادة الأسعار لتغطية تكاليف العمالة.

المصدر : نيويورك تايمز

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *