تشعرنا قدرتنا على التحكم في حياتنا بشيء من الأمان والثقة، وبالرغم من أننا لا نعلم ما سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد، فإننا نحاول طوال الوقت التخطيط له والتفكير في الاحتمالات المتوقعة للاستعداد لها والشعور بالسيطرة.
لكن بعض الناس لديهم معايير صارمة ويحاولون التحكم بكل شيء في حياتهم، وجعل الأشياء تسير وفقا لخطتهم، ويرغبون بالسيطرة على الآخرين والبيئة المحيطة، ما يسبب لهم الشعور بالتوتر والخوف الشديد أو الانزعاج أو الغضب عندما لا تأتي الرياح بما تشتهيه السفن ويحدث شيء غير متوقع؛ مثل تغيير في موعد بينهم وبين أحد أصدقائهم أو ارتفاع بسعر الدولار في بلدهم.
والمشكلة أننا لا نستطيع السيطرة على غالبية الأشياء في الحياة، ومحاولة إخضاعها لإرادتنا تخلق المزيد من المقاومة والصراع.
وفي الحقيقة تنبع مشاعر الثقة والهدوء وراحة البال من قدرتنا على التركيز على أنفسنا وكفاءتنا الذاتية، بدلا من محاولة السيطرة على العوامل الخارجية.
والكفاءة الذاتية هي الثقة في قدراتنا على القيام بما علينا فعله رغم الظروف والتحديات، وبمجرد الإيمان بذلك يمكننا بذل طاقتنا في شيء آخر، وهو التركيز على ما يمكننا التحكم به فعليا.
فن التسليم
ينظر الكثيرون إلى التسليم للظروف على أنه ضعف، لكن عند مواجهة ما هو غير متوقع أو غير قابل للإصلاح -مثل جائحة كورونا التي واجهها العالم، أو حتى مشاكل في عملك لم تكن تتوقعها- فإن التسليم يتطلب قوة وشجاعة.
والتسليم يعني التعامل مع الواقع وفق ما لديك، ثم محاولة فعل ما يجدي بقدر الإمكان، فقد لا نستطيع منع الجائحة ولا العواقب التي سببتها في حياتنا، لكن يمكن حماية أنفسنا بقدر المستطاع، وتوفير المال والادخار إذا أمكن ذلك لمواجهة العواقب المالية.
وتوجد طرق مختلفة لبناء القدرة على التسليم والرضى؛ فالبعض يستمدها من معتقداته الدينية، ومن الثقة في القدرة الإلهية والإيمان بأن كل ما يحدث مقدر وفيه خير.
وآخرون يتعلمون هذه الثقة من تجارب حياتهم وكثرة ما مروا به، فيعلمون أن كل شيء يمر، وتُحل المشاكل الخارجة عن إرادتهم بأشكال غير متوقعة.
الإفراط في التحكم
ولمعرفة ما إذا كانت رغبتك في التحكم بحياتك طبيعية أم مفرطة، هذه بعض علامات الإفراط في التحكم:
- تريد أن تكون الأشياء متوقعة وتلتزم بالروتين وتسعى للكمال.
- لا ترى سوى طريقة واحدة صحيحة للقيام بشيء ما.
- تتخيل أن الأسوأ سيحدث إذا لم تسر الأمور بالطريقة التي تتوقعها وتشعر بالقلق والانزعاج.
- لديك توقعات عالية للغاية من نفسك والآخرين.
- قد تكون متطلبا وكثير النقد.
- تفضل أن تفعل الأشياء بنفسك بدلا من تفويض غيرك.
- تعتقد أنك تعرف ما يجب أن يفعله الآخرون.
- لا تستطيع الاسترخاء.
- تكره التغيير وتخشى المجهول.
وتكون بعض هذه السمات والسلوكيات مفيدة، لكن إذا كنت مفرطا في التحكم، فإن هذه السلوكيات ضررها أكثر من نفعها.
إجهاد بدني ونفسي
يسبب الإفراط في التحكم الإصابة بالإجهاد البدني والنفسي، ويواجه أصحابه الأعراض الشائعة للتوتر مثل الصداع ومشاكل الجهاز الهضمي وآلام الرقبة والظهر وصعوبة النوم وانخفاض الطاقة والشعور بالغضب والإحباط.
وتؤثر محاولات السيطرة بالطبع على العلاقات الإنسانية أيضا، فمن الصعب الوجود مع شخص متسلط وكثير النقد ويصدر الأحكام على الآخرين، ويسبب ذلك الكثير من الجدالات والنقاشات المحتدمة لرغبة طرف في فرض سيطرته على الآخر لأن ما يراه هو “الأصح” برأيه.
كما تجعلنا الرغبة في التحكم في كل شيء نشعر بعدم الرضا عندما لا نحصل على كل ما نريد، ووجدت إحدى الدراسات أن الشعور بالحاجة إلى السيطرة يؤدي إلى شعور أقل بالراحة والمتعة.
كيف تتخلى عن السيطرة؟
لاحظ سلوكياتك
للبدء عليك ملاحظة سلوكياتك ومحاولاتك للسيطرة وتدوينها، ويساعدك ذلك على معرفة المواقف التي من المحتمل أن تستفز رغبتك في التحكم، ومحاولة تهيئة نفسك لتقبل الوضع، والتخطيط لاستجابة بديلة.
استكشف مشاعرك
لتغيير سلوكياتك ستحتاج إلى التعمق في الأسباب وراءها، واسأل نفسك ما المخاوف التي تحرك سلوكك المسيطر؟ هل هذه المخاوف منطقية أم أنك تتخيل السيناريو الأسوأ دائما؟
وقد تجد نفسك تعاني من بعض التشوهات المعرفية، مثل التفكير المستقطب الذي يعني أن تصنيف الأشياء لا يخرج عن خيارين؛ إما أبيض أو أسود، وهو ما يعني أيضا أنه إما أن تكون الأشياء كما تريد بالتحديد أو أنها لا تنفع على الإطلاق.
ركز على ما يمكنك التحكم فيه
لا يمكنك التحكم بالأحداث الخارجية أو ردود أفعال الآخرين، ويمكنك فقط التحكم بتفكيرك ومواقفك وردود أفعالك، لذلك تقبل ما هو خارج عن إرادتك، وتوقف عن محاولات التحكم بالآخرين لفعل الأشياء “بالطريقة الصحيحة”.
وبدلا من ذلك، يمكننا التعايش مع ما هو خارج عن سيطرتنا، والقبول بكثير من الأشياء كما هي، من دون التشبث بتغييرها وفقا لإرادتنا، والسماح للناس باتخاذ خياراتهم بأنفسهم، والقبول باختلافهم معنا.
تقبل النقص في نفسك والآخرين
جزء من أسباب القبول هو الاعتراف بأن لا أحد يصل للكمال، جميعنا نرتكب الأخطاء وننسى ونتخذ قرارات سيئة، ولذلك نحتاج إلى تقبل أنه في بعض الأحيان لا تتحقق الأهداف، وأنه تتغيير الخطط وتخيب آمالنا بالناس.
ورغم أن محاولتنا للتحكم بمن حولنا قد تؤتي بعض النتائج ويحدث معها بعض التغيير، لكنها ستزيد الفجوة بيننا وبينهم وتدفعهم بعيدا.
ليس كل التغيير سيئا
أحيانا يقودنا تفكيرنا إلى افتراض أن كل تغيير غير متوقع سيئ، فلا يعني استدعاء مديرك لك أن هناك أزمة، فقد يكون ذلك للثناء على عملك أو تقديم فرصة جديدة لك، ولا يعني تأخرك عن عملك أنك مهمل، فقد يكون ما تسبب في تأخيرك خيرا لك من شيء أسوأ كان سيحدث.
حدد ما يمكنك التحكم به
قد تلوم العوامل الخارجية، مثل القدر أو الأشخاص الآخرين، على أشياء في حياتك يمكنك تغييرها بالفعل.
ويقول إيدي وينشتاين -وهو مختص اجتماعي- لموقع “سايك سنترال” (PsychCentral) “عندما يعبّر العملاء عن إحباطهم بشأن ظروف خارجة عن إرادتهم، أسألُهم عن جوانب حياتهم التي يمكنهم التحكم بها، ويمكنهم بذلك إدراك أن هناك المزيد من الجوانب التي لديهم فيها خيارات”.
تذكر أنك قادر على التعامل مع أي شيء يطرأ في حياتك، وعندما يحدث ما هو غير متوقع، لا يزال بإمكانك التحكم باستجابتك وتعلم كيفية التعامل بشكل أكثر فعالية.