باتت صفة “النرجسية” اتهامًا جاهزًا يلجأ إليه بعض الناس لإنهاء العلاقات، إذ يكفي أن يكون الشاب متحكمًا أو مائلًا إلى الأنانية، يبتعد ويقترب بحسب رغباته وأهوائه، حتى تتركه خطيبته أو حتى تطلب زوجته الطلاق.
إذن، لا داعي لانتظار التشخيص، فهو “نرجسي”، كما تقول فيديوهات التعريف باضطرابات الشخصية النرجسية على مواقع التواصل الاجتماعي. لهذا، لا بد من أن تنتهي العلاقة، وفق نصيحة بعض الأطباء النفسيين: “اهربي”، لأنه شخصٌ لا يمكن تغييره، و”نرجسيته” اضطرابٌ لا أمل في شفائه.
الأمر لا يتوقف فقط عند حدود الأطباء النفسيين ونصائحهم، فضحايا النرجسية والمتعافون منها أيضًا أصبحوا مستشارين في العلاقات، وراحوا يشرحون كيف نؤسس لحياة خالية من النرجسيين. ووصل هَوَس الاتهام بالنرجسية إلى درجة أن توجّه إحداهن سؤالًا من نوع “زوجي يحب أن يشاهد التلفاز وحيدًا.. هل هو نرجسي؟”.
في البداية علينا الاعتراف بأنه بعد مرور وقت على الزواج تظهر الشخصية الحقيقية للشريك، سواء كان الزوج أو الزوجة، فكلا الطرفين كان يُظهر فقط جوانبه الجيدة، قبل الانتقال للعيش معًا. لا بأس بوجود عادات ومواقف لم تكن واضحة سابقًا، لكنها لا تزال مقبولة. المشكلة تكمن في ظهور سمات أخرى لا يمكن تقبّلها، كالغيرة الشديدة والكذب والادّعاء، فهنا تبدأ الضبابية: “هل زوجي نرجسي أم مجرد أناني؟”.
كيف تفرقين بين الزوج الأناني والنرجسي؟
النرجسية لا تُبنى على الاستنتاجات، فهناك علامات تفرق بينها وبين الأنانية، حسب مستشارة العلاقات العاطفية راشيل بيس التي تشرح لموقع “ماريج” (Marriage) الصفات التي تفرق بين الاثنين بشكل واضح:
- مزاج النرجسي يعتمد على الأشخاص الآخرين، إذ إن رضا الآخر ودعمه دائمًا ما يجعل النرجسي في أبهى حالاته، لكن الزوج الأناني على العكس تمامًا، فهو لا يعتمد على أي شخص للحصول على السعادة.
- لن يشعر النرجسي أبدًا بالتعاطف مع الآخرين، بصرف النظر عن كونه قاسيًا أم لا، لكن الزوج الأناني لا يزال بإمكانه الشعور بالذنب والتعاطف.
- شعور النرجسي بالتفوق يتغذى دومًا بالثناء عليه، وشعوره بتقدير الآخرين المبالغ فيه، بينما الزوج الأناني دائمًا ما يفكر في ما يمكن فعله لنفسه فقط، من دون الاهتمام بثناء الآخرين.
- يشعر النرجسي دائمًا بأنه متفوق ومؤهل وعظيم، ولن يتعامل مع من هم أقل منه، بينما الأناني بإمكانه أن يحب ويشعر بمشاعر الآخرين ولا يهمّه أن يكونوا أقل منه.
- لن يشعر النرجسي بأي ندم، حتى مع أطفاله أو زوجته، بل سيفعل كل ما هو ضروري للسيطرة على الأشخاص من حوله والتلاعب بهم، بينما ينشغل الأناني أحيانًا بمن حوله وبرغباتهم الحقيقية.
- الأناني يشعر دائمًا بالغيرة بسبب حبه لك، ودائمًا ما يريدك له وحده، وسيبذل مجهودًا دائمًا من أجل ذلك، لكن النرجسي يريدك له وحده من دون أن يفعل أي شيء.
- وجودك مع النرجسي وتحكّمه بك لا يتعلق بالحب، لكنه يريدك مثل دمية، لا أحد يأخذها منه وإلا أصبح متفوقًا عليه.
- يمكن للشخص الأناني أن يقوم بأشياء تساعده على التألق والظهور الجيد بشكل مستقل، لكنه لا يسحق من حوله. أما النرجسي فيتعمّد التقليل من شأنك وتجريدك من قيمتك الذاتية ليشعر بمزيد من القوة.
النرجسية اضطراب يبدأ منذ الطفولة
تقول المتخصصة في علم النفس العيادي في نيويورك ليندسي وايزنر، في مقال نشره موقع “سيكولوجي توداي” (Psychology Today) عن أولئك الذين يعتقدون أنهم تزوجوا نرجسيين، عَزَت فيه النظرة المتضخمة لانتشار النرجسيين إلى الاختلاف في العرض بين النرجسيين الذكور والنرجسيات الإناث، إن “من المرجح أن يسجل الرجال الذين يتصيّدون النساء عبر الإنترنت من أجل المتعة درجات أعلى في مقاييس النرجسية والاعتراف علانية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجعل الآخرين يشعرون بالسوء”.
لكن على الجانب الآخر، نجد أن الإناث يستخدمن منصات التواصل الاجتماعي بطريقة أكثر إيجابية للتواصل العاطفي مع الآخرين، وذلك يجعلهن يشعرن بتحسن تجاه أنفسهن وتجاه احترامهن لذواتهن.
وتشير الدراسات النفسية إلى أن بعض الأطفال الذين يعانون من عدم تحمل الأزمات والاختلال الوظيفي قد يكونون أكثر وضوحًا من البالغين المصابين باضطراب الشخصية النرجسية. فقد ألقى عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد خطايا الطفل دائمًا على تصرفات الأم، لذا اعتبر إهمال الأم دافعًا لتنشئة طفلها مصابًا بالنرجسية، وكذلك إذا ضخّمت الأم من قدرات ابنها وتعاملت معه على أنه موهوب بقدرات خاصة، فهذا أيضا يساعد في تغذية “الأنا الهشّة”، ويعرف أيضا باسم الصورة الذاتية غير المستقرة والشعور بقيمة الذات، والتي تحدث بشكل متكرر عند الذكور أثناء الطفولة، وفي وقت لاحق يؤدي ذلك إلى اضطراب الشخصية النرجسية، وفق وايزنر.
وأضافت وايزنر في مقالها أن ألمك من الآخر لا يجعله نرجسيًّا، وعليك التوقف عن ذلك الوصم غير المشخّص، فتقول “علينا أن نسأل أنفسنا عن ألمنا نحن، قبل أن نتوقف لتسمية ذلك الألم، وهل سيخفف من وطأة الألم أن ننسب ذلك للشيطان، بدلًا من المطالبة بتخفيف الألم؟ لماذا لا نسعى إلى التخلص من المعاناة بدلًا من التنظير حولها وجعل ألم الماضي يتسرب إلى الحاضر؟”.
وختمت بالقول “ربما علينا استخدام معاناتنا بشكل أفضل، لتوضيح ما يجب أن تكون عليه العلاقة، بدلًا من التوقف لشرح صفات الشخص النرجسي وسِماته التي تزعجنا”.