لأول مرة في تاريخه.. الناتو يُقحم الصين في قائمة التحديات الأمنية فما الأسباب؟
لندن- لأول مرة، يذكر حلف شمال الأطلسي (الناتو) الصين في ورقته الإستراتيجية، ويصفها بالتحدي الأمني، وذلك بعد قمة عقدتها الدول الأعضاء في الحلف بالعاصمة الإسبانية مدريد.
ويعكس هذا التطور اللافت حجم الصراع بين دول (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى، ويوسّع من مفهوم المخاطر الإستراتيجية على الغرب لتشمل الصين، بعد أن كانت مقتصرة على روسيا.
وتعتبر الورقة الإستراتيجية لحلف الناتو خريطة طريق يسير عليها أعضاؤه لسنوات طويلة، فآخر ورقة من نوعها صدرت سنة 2010، مما يعني أن التعامل مع الصين باعتبارها تهديدا للغرب سيحكم علاقة المعسكر الغربي مع بكين، ويزيد من حجم التوتر بين المعسكرين.
تحدّ.. لا خصم
تقول الورقة الإستراتيجية لحلف شمال الأطلسي في قمة مدريد عام 2022 إن “جمهورية الصين الشعبية تقوم بعمليات هجينة وإلكترونية خبيثة، وتبث خطابا عدوانيا وأخبارا مضللة ضد الحلفاء وتضرّ بأمن التحالف”. وتشير الورقة إلى سعي بكين لتعميق علاقاتها مع روسيا “ومحاولاتهما المشتركة تخريب النظام الدولي، سواء في الفضاء أو العالم الإلكتروني أو في البحر”.
وهذه اللغة لم يستعملها الناتو ضد الصين أبدا، بل ظلت لسنوات خارج التحديات أو التهديدات التي يتحدث عنها الحلف.
وسارع الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ لتوضيح موقف الحلف من الصين، قائلا إنه “ينظر لبكين على أنها تحدٍّ حقيقي، ولكنها ليست خصما ولا عدوا”.
وعن التهديدات الأمنية التي يراها الحلف في سلوك بكين، فهي -بحسب الأمين العام- “السعي لتقوية قدراتها العسكرية بما فيها القوة النووية، والمضايقات والتنمر على الجيران بمن فيهم تايوان”. مع ذلك فهو يشدد على أن الصين “ليست بالخصم ولا العدو، لكن على الحلف أن يبقي أعينه مفتوحة ويراقب بجدية هذه التحديات التي تطرحها الصين”.
لغة الحرب الباردة
وفي ورقة تحليلية له، يرى المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) أن التقرير الإستراتيجي لحلف الناتو ينهي فترة التحكم في التسلح، ويطلق العنان من جديد لسباق تسلح تشارك فيه القوى الكبرى.
وبحسب المركز، فإن الورقة تُرسّخ لمفهوم جديد، وهو إيجاد كل الوسائل الممكنة لمواجهة التحدي الروسي والصيني، وإن كانت لا تضعهما على قدم المساواة، مضيفا أن اللغة المعتمدة في التقرير الإستراتيجي لحلف الناتو تعيد للأذهان اللغة المعتمدة خلال فترة الحرب الباردة، خصوصا عند الحديث عن روسيا.
ويعتبر المركز الدولي أن ذكر الصين تحوّل إستراتيجي مهم، لكنه في الوقت ذاته يرفع من نسبة المخاطر، ويجعل من مهمة وضع حد لسباق التسلح العالمي مهمة صعبة.
عقيدة أميركية بريطانية
وتذهب بعض التحليلات إلى أن المعسكر الأميركي البريطاني قام بنقل عقيدته في التعامل مع الصين إلى حلف الناتو، وتحديدا إلى التقرير الإستراتيجي الأخير.
فبالنسبة للمملكة المتحدة التي أعلنت عن رؤيتها الأمنية والدفاعية الجديدة خلال العام الماضي، هناك موقف مختلف من روسيا مقارنة مع الصين، ذلك لأن لندن تصف موسكو بكونها “تهديدا مباشرا ومُلحا”، بينما تطلق على الصين وصفا غامضا لا يخلو من تحذير وهو “المنافس المنهجي”.
أما في الولايات المتحدة، فإن دليل الأمن القومي الإستراتيجي الذي نشر أيضا خلال العام الماضي، يصف روسيا بأنها “تزعزع الاستقرار”، في حين ينظر للصين على أنها “تحدّ”.
في المقابل، سبق للمدير السابق للمخابرات العسكرية البريطانية جون ساورز أن ذكر أنّ أكبر تهديد يواجه بلاده يأتي من روسيا والصين على حد سواء، وذلك من خلال الهجمات الإلكترونية ومحاولات إحداث انقسامات سياسية في البلاد.
وهذه الرؤية البريطانية الأميركية لبكين التي كانت قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، هي التي رسخها التقرير الإستراتيجي لحلف الناتو.
نظام دولي جديد
ويقرأ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن مثنى العبد الله، الإستراتيجية الجديدة لحلف الناتو باعتبارها نقطة مفصلية لتشكيل نظام دولي جديد، مضيفا -في تصريح للجزيرة نت- أن “وصف الناتو للصين بأنها تحد أمني هو خطر على أوروبا”.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية إن هذا التطور “يضع أوروبا في فوهة المدفع، مدفوعا برغبة أميركية في إظهار صرامة أكبر مع الصين التي تنافس واشنطن على الهيمنة الاقتصادية العالمية”.
واستغرب المتحدث ذاته ما وصفه باستجابة أوروبا للضغوط الأميركية، “فأوروبا تضررت من العقوبات على روسيا والآن تسير في اتجاه التصعيد مع الصين التي لها علاقات اقتصادية وتجارية قوية مع الأوروبيين، مما يعني المزيد من تضرر اقتصاد القارة العجوز”.
وأضاف العبد الله أن التوجه الأوروبي الذي تقوده فرنسا وألمانيا كان يسير برؤية “أن هناك حتمية جغرافية تقوم على أن روسيا تقع في جوار أوروبا، والصين لها علاقات مهمة مع هذه القارة، ولهذا يجب البحث عن بديل للصدام، بعكس الرؤية الأميركية غير المرتاحة للصعود الصيني”.
وفي المقابل، يرى مثنى عبد الله أن الصين حاليا هي أيضا “قد تمعن في تقوية علاقاتها مع روسيا، كرد فعل على قرار الناتو، وهكذا يسير العالم فعليا نحو تشكيل حلف صيني روسي في مواجهة الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة”.