القاهرة- يأكل القلق قلب عزت محمد، وهو موظف بوزارة الزراعة، تجاه قدرته على الاستمرار في إطعام أسرته المكونة من 5 أفراد، وسد احتياجات صغاره، مع ارتفاع الأسعار بشكل يومي مفزع.

يؤمن هذا المواطن بأنه (محدش “لا أحد” يموت من الجوع) وهو مثل شعبي شائع، راج بشكل متزايد مؤخرا لمحاولة التشبث بالأمل في مواجهة تفاقم الأزمة الاقتصادية. لكنه في نفس الوقت، لا يعتقد في صحة مثل شائع أيضا مفاده “محدش بينام ـ يبيت ـ من غير عشاء” يقول محمد “لكنني، أبيت أحيانا دون عشاء، لكي أوفر الطعام لعيالي، هذه الأيام الصعبة”.

 

يشكو محمد -في حديثه للجزيرة نت- قسوة الحال بسبب التضخم الذي تآكل معه راتبه، وهو في ذات الوقت لا يقبل مساعدات من أحد، رغم العروض الكثيرة بالتبرع والمساعدة للمحتاجين، التي تشهدها منصات التواصل الاجتماعي، من قبل الميسورين الخيرين، ورغم أن “الأمر يمكن أن يتم بشكل لا يجرح الكرامة”.

وفي ظل الارتفاع الكبير في الأسعار وعدم قدرة الكثيرين على العيش في ظلها، تزايدت مؤخرا المبادرات الفردية للتساند الاجتماعي ومحاولة سد احتياجات الفقراء الأساسية وعلى رأسها الغذاء، مع ارتفاع معدلات التضخم، وعدم كفاية الدخول إزاء التضخم.

يفضل البعض المساهمة بالمجهود في إعداد المائدة والطعام. (تصوير خاص لسيدات يساهمن في إعداد مائدة ـ مصر ـ القاهرة ـ 2022)
البعض يساهم بالمجهود في إعداد المائدة والطعام للفقراء (الجزيرة نت)

من المتوسطين للبسطاء

ورغم اعتراف كثيرين من متوسطي الحال بهبوطهم درجة أو أكثر في السلم الاجتماعي، فإن الهبوط لم يفقدهم فضيلة التضامن الإنساني، التي “لا تجعل فقيراً بمصر يقتله الجوع” وسط “شكوك” كبرى، يحملها متبرعون تجاه المؤسسات والجمعيات الوسيطة بينهم وبين المحتاجين، ودفعت هؤلاء المتبرعين بالسعي لمحاولة منح مساعداتهم القليلة للمحتاجين مباشرة.

بدأت إيمان محمد، وهي ناشطة في مجال الدفاع عن المرأة، في محاولة مساعدة الفقيرات بتجهيز وجبات من الأطعمة، بمشاركة صديقات لها من منطقة شبرا شمالي القاهرة.

تعترف في حديثها للجزيرة نت “لست ميسورة بدرجة تكفي لإعالة غيري بانتظام، لكنني قررت أن أوجه جانباً مما أخصصه لأسرتي لتذهب إلى أسرتين أعرف تماما حجم معاناة أفرادهما، حرفياً لا يجدون الطعام”.

 

شريكتها في المبادرة وتدعى مروة ـاكتفت بذكر اسمها الأولـ تؤكد أنهن اتجهن لتجهيز الطعام للمعيلات لأسر محتاجة مباشرة ليس فحسب لانعدام الثقة في المؤسسات والجمعيات الوسيطة، بل أيضا بدوافع السعي لتعظيم الشعور لدى المحتاجين بأن الأمر يتعدى مجرد المساعدة المادية، ليبلغهم مدى الاهتمام بهم و”بأننا شركاء لهم في خدمة أسرهم”.

تضيف مروة في حديثها للجزيرة نت: إحداهن كانت تساعدني في تنظيف المنزل، وأصيبت بأمراض أقعدتها حتى عن خدمة صغارها، وأعلم تمام العلم مدى صدق احتياجها لإطعامهم، وأردت أن أوصل رسالة لها “أنني أرد لها خدمتها لي بتجهيز وجبات لها، صدقة جارية عن أبي رحمه الله”.

 

المساعدات لمستحقيها

واضطرت فاطمة لقطع تبرع كانت تقدمه لجمعية خيرية دائمة الإعلان عن نفسها في مختلف وسائل الإعلام، وفضلت التوجه بمبلغ المساعدة مباشرة لإحدى الأسر المحتاجة عبر جمعية صغيرة في منطقتها، وبررت ذلك بالقول “أضمن لوصول المساعدة كاملة لمستحقيها”.

تشرف المواطنة بنفسها على قيام الجمعية بتجهيز وجبات الطعام لمحتاجيها، لتتيقن من أن كل جنيه دفعته ذهب في مكانه لمستحقيه، فقد “اقتطعت المال من اللحم الحي” بتعبيرها وتقصد به أنها قطعت من مواردها الأساسية، بعد أن استغنت أسرتها عن رفاهية تناول الطعام لمرة واحدة أسبوعيا خارج المنزل كما اعتادت الأسرة، لتساعد “محتاجين لا يجدون الطعام أصلا، لا خارج ولا داخل المنزل” كما تقول للجزيرة نت.

مائدة يقدمها محسنون للأكل والطعام مستمرة طول العام في شارع رمسيس للمحتاجين والعابرين. (تصوير خاص ـ مائدة بشارع رمسيس بالقاهرة ـ مصر ـ 2022)
مائدة يقدمها محسنون مستمرة طول العام وسط القاهرة للمحتاجين والعابرين (الجزيرة نت)

موعد مع الغداء

في توقيت ثابت وسط القاهرة، بحوالي الثالثة عصرا، يكون عشرات العمال والعابرين، بشارع رمسيس، على موعد مع وجبات غداء متكاملة. وعلى بساطتها، لا تخلو من البروتين الحيواني أو الداجني، إلى جانب النشويات مثل الأرز أو المعكرونة، مع رغيف خبز صار عزيزا بوصول ثمنه لما يتراوح بين جنيه وجنيهين “الدولار بنحو 30 جنيها”.

اختارت عائلة بطاح، صاحبة متجر لقطع الغيار، أن تكون المائدة المقامة في شارع رمسيس منها للمستفيدين مباشرة. وفي الموعد المضروب، تمدد المائدة أمام العابرين الذين يتحلقون حولها على الرصيف الضيق المحاذي لسوق التوفيقية التاريخي.

 

الحاج محمد عتمان وهو صاحب محل لقطع غيار السيارات، شارك بعمل مشروبات محلاة لهؤلاء العابرين يتناولونها عقب الغداء، تتنوع قائمة المشروبات، لكن أبرزها العرقسوس، مشروب الشارع الأكثر شعبية وخاصة خلال الصيف.

وتحت وسمي #مزاد_الخير و #مما_تحبون، شهدت مواقع التواصل تفاعلا كثيفا مع مبادرات فردية يقدم أصحابها أقل القليل لإطعام المحتاجين.

 

أحد المتبرعين عرض تقاسم ما لديه من عبوات الغذاء مع من يطلبها، كما تصاعدت مطالب بضرورة إقامة موائد الرحمن طوال العام لا في شهر رمضان فقط.

وقد استجابت وزارة الأوقاف لدعوات افتتاح أشهر تلك الموائد التي كانت تقام على مدار العام، في ساحة مسجد الفتح بميدان رمسيس، وكانت مقصد آلاف المسافرين من محطة القطارات الأكبر بالبلاد، والتي توقفت عقب انتشار فيروس كورونا وإغلاق المساجد.

المصدر : الجزيرة + الصحافة المصرية

About Post Author