لا يوجد بند “تعليق العمل” باتفاقية ستارت.. محاولة أميركية لفهم خطوة بوتين
واشنطن- تعكف الدوائر الأميركية في البحث خلف دوافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعلانه “تعليق” مشاركة بلاده في معاهدة “ستارت” الموقعة مع الولايات المتحدة، والتي تضع قيودا على الترسانات النووية الإستراتيجية لدى الجانبين.
وقال بوتين لنواب البرلمان “في هذا الصدد، أجد نفسي مضطرا إلى الإعلان اليوم أن روسيا علقت مشاركتها في معاهدة الأسلحة الهجومية الإستراتيجية”.
وتمتلك كل من روسيا والولايات المتحدة حوالي 90% من الرؤوس الحربية النووية في العالم، وتم تقييد هذه الأسلحة جزئيا بموجب معاهدات سابقة بقيت منها معاهدة “ستارت الجديدة” التي دخلت حيز التنفيذ عام 2011 وتم تمديدها عام 2021 حتى فبراير/شباط 2026.
ولم يكن قرار بوتين مفاجئا، ومع توسع تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، لم يستبعد عدد من الخبراء أن يصل تأثيرها على سباق التسلح النووي بين روسيا والولايات المتحدة.
وفي الوقت الحالي، لا تزال نية روسيا الحقيقية غير واضحة، لكنها أطلقت تهديدات نووية منذ بداية الحرب الأوكرانية، ويبدو أن الخطوة الأخيرة تصعيد جديد كوسيلة لإضعاف الالتزام الأميركي والأوروبي تجاه أوكرانيا خوفا من التصعيد النووي.
وكانت روسيا حذرت قبل أيام من أن الاتفاق الوحيد الباقي -للحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة- قد لا يجدد عام 2026، بسبب ما تراه من محاولات أميركية لإحداث “هزيمة إستراتيجية” بموسكو في أوكرانيا.
لا يمكن تعليق الاتفاقية
وعبرت واشنطن عن أسفها لتعليق روسيا للمعاهدة النووية، وقالت الخارجية الأميركية إن القرار الروسي “مؤسف للغاية وغير مسؤول” وأكدت أن “الولايات المتحدة لا ترى أي سبب لتغيير وضعها النووي بعد تعليق بوتين مشاركة بلاده في معاهدة “ستارت”.
من جانبها، قالت الخارجية الروسية “إن موسكو ستلتزم نهجا مسؤولا، وستواصل الامتثال الصارم للقيود الكمية المفروضة على الأسلحة الهجومية الإستراتيجية المنصوص عليها في المعاهدة”.
واعتبر ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي -وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية- أن هذه خطوة قصيرة النظر للغاية من جانب الرئيس الروسي.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار والين إلى أن الرئيس بوتين “اختار استخدام كلمة (تعليق المشاركة) في معاهدة ستارت الجديدة، حيث لا يوجد خيار في المعاهدة (لتعليق المشاركة) لكن هناك عملية إخطار رسمية للانسحاب منها”.
وتتعامل المعاهدة مع الصواريخ النووية طويلة الأمد وعابرة القارات، وقد حددت ترسانة الدولتين النووية من الصواريخ عابرة القارات بما لا يزيد على 700 رأس نووي في قواعد أرضية، و1550 صاروخا نوويا في الغواصات والقاذفات الجوية الإستراتيجية، مع امتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية.
وتتطلب الاتفاقية من الطرفين إجراء 18 عملية تفتيش سنويا في قواعد الأسلحة النووية، إضافة إلى تبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة.
ولم تشهد السنوات الثلاث الماضية عمليات التفتيش على الأسلحة النووية على الأرض مرة أخرى منذ تأجيلها خلال جائحة كوفيد-19، ثم رفض روسيا بدء عمليات التفتيش خلال العام الأخير.
وتوقع والين أن بوتين ربما يحاول من تعليق العمل بالمعاهدة “دفع الولايات المتحدة للانسحاب منها، ثم إلقاء اللوم على واشنطن، ومن الواضح أن بوتين يائس لاستخدام كل تدبير متاح لديه لمحاولة رفع تكلفة دعم الولايات المتحدة والغرب وحلف الناتو لأوكرانيا”.
ضغط وغياب الاستفادة
وخلال العقود الماضية، أثبتت معاهدة ستارت الجديدة أنها فائدة كبيرة للأمن القومي الأميركي والروسي من خلال تحديد حجم الترسانة النووية الإستراتيجية لكلتا الدولتين، مع السماح بالوصول إليها، وهو ما يحد من خطر نشوب حرب نووية.
وقطعت الدولتان شوطا طويلا منذ أيام الخوف المتبادل من الإبادة النووية خمسينيات القرن الماضي، مرورا بعقود الحرب الباردة لوضع حدود وإيجاد تطمينات بشأن أعداد الأسلحة النووية المتاحة لكلا الجانبين.
ومع كون معاهدة ستارت الجديدة هي المعاهدة النووية الوحيدة المتبقية بين أكبر قوتين نوويتين في العالم، أشار والين إلى أنه “يبدو أن روسيا ربما لم تعد مهتمة بالامتثال لهذه المعاهدة أو استبدالها، من هنا قد نجد أنفسنا مرة أخرى في خضم سباق تسلح نووي، إلى جانب المواجهات والحوادث التي لا مفر منها والتي ستتبع ذلك”.
ليست هدية
من جانبه، اعتبر ستيف بايفر، خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز، أن معاهدة ستارت الجديدة ليست هدية روسية للولايات المتحدة، كما أنها ليست هدية أميركية لموسكو.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار بايفر إلى أن “إبرام البلدين الاتفاق حدث لأن تقييد الأسلحة النووية الإستراتيجية واتخاذ تدابير التحقق المناسبة، يخدم مصالح كليهما، من هنا يعد قرار بوتين خطأ غير مسؤول من شأنه أن يقوض الاستقرار الإستراتيجي ويمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح في المستقبل لن يفيد أيا من البلدين”.
وأشار بايفر إلى أنه “ينبغي على الروس أن يسألوا أنفسهم: ما الذي سيحدث مع انهيار معاهدة ستارت الجديدة؟ وفي غياب قيود المعاهدة يمكن للجيش الأميركي أن يزيد بشكل كبير -وبتكلفة قليلة نسبيا- عدد رؤوسه الحربية من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والقذائف العابرة للقارات عن طريق تحميل رؤوس حربية احتياطية على صواريخ تحمل حاليا رؤوسا حربية أقل من قدرتها”.
ظغ