أثار مسلسل “شي هالك” (She Hulk) جدلاً واسعًا بين محبي عالم مارفل وأبطاله الخارقين، خاصة بعد انتهاء عرض المسلسل، وتواتر الأنباء ما بين إنتاج موسم ثان أو إلغاء المسلسل بشكل عام، لا سيما بعد تباين الآراء حول الموسم الأول، إذ رأى البعض أن المسلسل الجديد يستغل نجاح النسخة الذكورية للبطل الأخضر “بروس بانر”، وفي الوقت نفسه يعلن نهاية الرجل الأخضر تحضيرًا لإطلاق النسخة النسوية منه.
يأتي هذا بالتزامن مع تحويل شخصيات كلاسيكية أخرى إلى نسخ كاريكاتيرية مثلما حدث مع “ثور” في فيلمه الأخير “ثور: حب ورعد” في مقابل تصعيد شخصية “مايتي ثور” أو جين فوستر، معتبرين أن مارفل تنحو منحى جديدا لإبراز البطلات الخارقات على حساب الخارقين الذكور، ويتزامن أيضًا مع إبراز أبطال وبطلات من خارج حدود أميركا، أو لا تحمل صفات البطل الأبيض الخارق، فهل تنهي مارفل زمن البطل الذكر الأبيض؟
كيف بدأ البطل الخارق؟
مع نهاية عشرينيات القرن الماضي، حلّت أزمة اقتصادية حادة في مساء الاثنين 28 أكتوبر/تشرين الأول 1929، عُرفت باسم “الكساد الكبير” وبقيت آثارها حتى منتصف الثلاثينيات، وخلال فترة تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات الأزمة كان العالم في حاجة إلى مزيد من الترفيه بعد فترة طاحنة من التقشف وتراجع الاستهلاك، حينها كانت الظروف مواتية لإصدار كتب ومجموعات القصص المصورة التي لاقت رواجًا بين الأطفال والمراهقين الأميركيين.
وبالتزامن مع بدء الحرب العالمية الثانية، كانت الظروف مواتية كذلك لاستخدام هذا الوسيط الجديد الذي حظي بقبول وانتشار واسعين، في توجيه الثقافة الشعبية الأميركية وتحفيز وشحن الجمهور عن طريق صناعة أبطال ذوي قدرات خارقة، أبطال يملكون حياتين، واحدة عادية في العلن وأخرى يحاربون فيها الجريمة أو الأعداء في السر، كلهم مواطنون عاديون من ذوي البشرة البيضاء، وغالبيتهم رجال، وبعضهم انضم إلى صفوف الجيش على جبهة القتال بكل تأكيد.
بطل أميركي أبيض يحارب المحور
على الرغم من أن شخصية “سوبرمان” التي ابتكرتها دي سي كوميكس كانت باكورة الأبطال الخارقين في حقبة ما بعد الكساد في الولايات المتحدة الأميركية، فلم يكن أميركيًّا أصيلاً، بل لم يكن من كوكب الأرض بالأصل، إذ وُلد في كوكب كريبتون الخيالي، تحت اسم “كال إل” ويتمتع بقدرات عادية على كوكبه لكنها كانت خارقة في الظروف الفيزيائية لكوكب الأرض بطبيعة الحال، ولا دخل لكوكب الأرض بهذه القدرات سوى أنه استقبل الطفل “كال” ذا الـ3 أعوام بعد انهيار وطنه.
كبر الطفل الذي ابتكرته “دي سي كوميكس” ليعمل صحفيًّا نهارًا تحت اسم “كلارك كينت”، بينما يحارب الجريمة في أوقات فراغه تحت اسم “سوبر مان”.
لكنه لم يكن صناعة أميركية أصيلة على عكس “كابتن أميركا” من ابتكار “مارفل” الذي كان شابًّا نحيلاً خضع لتجارب عسكرية عززت قدراته ليصل إلى ذروة الكمال البشري ويصبح سلاحًا بشريًّا يساعد حكومة الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية، ويرتدي حلة تحمل ألوان العلم الأميركي، وغالبًا ما يحارب دول المحور في الحرب، إذ كان حينها أشهر شخصيات “تايملي كوميكس” التي ستصبح لاحقًا “مارفل كوميكس”.
بطلات خارقات جديدات
شهدت الحرب العالمية الثانية مشاركة بارزة للنساء على خطوط القتال، وفي الخطوط الخلفية على السواء، في خدمات التمريض والخدمات المساندة، لكن دورهن انحسر بعد انتهاء الحرب.
وبعد انتهاء الحرب أيضًا انخفضت شعبية الأبطال الخارقين، وانتهت الحاجة الماسّة إليهم، ما دفع ناشر قصص “كابتن أميركا” لإيقافها في عام 1950، حتى عادت قصص الأبطال الخارقين للظهور، بالتزامن مع فترة الحرب الباردة، حين أطلقت “دي سي كوميكس” المنافس التاريخي لمارفل سلسلة جديدة في 1964.
وبدلاً من البطل الواحد كانت الصرعة الجديدة “فرق الأبطال” حيث بدأت كل من دي سي ومارفل في إطلاق سلاسلها لمجموعات الأبطال، “فريق العدالة” من دي سي، و”الرائعون الأربعة” من مارفل، ولم تغفل الشركتان ضرورة الوجود النسائي ضمن هذه الفرق؛ فظهرت “وندر وومان” (Wonder Woman) في “فريق العدالة”، و”المرأة الخفية” ضمن فريق “الرائعون الأربعة” (Fantastic Four).
الرجل وراء زمرة الأبطال
خلف غالبية هذه الشخصيات الخارقة، التي تواصل فرض وجودها، وتحصد إعجاب المشاهدين لقرابة قرن كامل، يقف الفنان الأميركي جاك كيربي، الذي ابتكر شخصيات لـ”دي سي” و”مارفل” قطبي القصص المصورة الأميركية على السواء.
فخلال 3 سنوات عمل فيها مع “دي سي كوميكس” أنتج كيربي سلسلة من العناوين المترابطة تحت عنوان “العالم الرابع” الرئيسي، التي تضمنت ثلاثية “شعب الأبد” و”حكام جدد” و”مستر ميراكل” بالإضافة إلى التعديلات المبتكرة على شخصية “سوبر مان”.
بالإضافة إلى أعماله مع “مارفل” بدءًا بـ”كابتن أميركا” وفرقة “فانتاستك فور” (Fantastic Four)، محارب أزغارد ذا مطرقة الرعد “ثور” (Thor)، ورجل الأعمال الحديدي “أيرون مان” (Iron Man) والعملاق الأخضر “هالك” (Hulk)، لكنه بالطبع لم يرسم “شي هالك”، بل فتح الباب بالتعاون مع الكاتب ستان لي لظهور شخصيات نسوية وغير أميركية، مثل أغاثا هاركنيس، وبلاك بانثر “النمر الأسود القادم من واكاندا الأفريقية”، وجين غراي “مارفل غيرل”.
وضع جاك كيربي الخطوط الرئيسية لملاح شخصيات عالم مارفل الفريد في فترة ستينيات القرن العشرين، خاصة القصص الخاصة بعوالم الخيال العلمي والفضاء، ونالت ابتكاراته الجديدة بالشراكة مع ستان لي حينها إعجاب شريحة كبيرة من القراء، ومثلت تراثًا غنيًّا لعالم مارفل الحالي.
الأبطال في عهد “التنمية المستدامة”
في عام 2015، أطلقت الأمم المتحدة خطة “تحويل عالمنا” أو ما يعرف بـ”أهداف التنمية المستدامة” والتي تتضمن 17 هدفًا عالميًّا يتوقع تحقيقها بحلول عام 2030، كان الهدف الخامس منها هو “المساواة بين الجنسين” وهو الهدف الذي ترددت أصداؤه في الأعمال الدرامية والفنية، والسياسات الثقافية إلى جانب تطبيقه في الإجراءات الحكومية والسياسات العامة في البلدان، بهدف “تمكين المرأة” وهو ما برز في أعمال المنصات العالمية مثل نتفليكس وديزني، والإنتاجات السينمائية.
على عكس نتفليكس التي لجأت إلى ابتكار أعمال جديدة تناسب هذا الهدف العالمي، لم تحتج “مارفل” إلى بذل كثير من الجهد لهذا الأمر، كل ما كان عليها هو التفتيش في ملفاتها القديمة ومعالجتها من جديد لتناسب واقع العالم الحالي، إذ كان بالفعل لديها البطلات “مس مارفل” وجينيفر والترز “شي هالك” و”الأرملة السوداء” و”كابتن مارفل” حتى أن لديها نسخة نسوية من “الرجل العنكبوت” باسم “المرأة العنكبوت” (Spider Woman).
أميركيون من أصول أخرى
يتلائم هذا “الهدف الإنمائي” مع أفكار تعزيز التنوع العرقي والإثني التي تلقى صدى عالميا حاليا، وهو ما سبقت إليه نتفليكس وشركة والت ديزني الشركة الأم لـ”أستوديوهات مارفل” لتلحق بها بقية منصات العرض وشركات الإنتاج وحتى لجان تحكيم وشروط الجوائز في بعض المسابقات العالمية، مثل أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة المنظمة لجوائز “أوسكار”.
فقد وضعت الأكاديمية 4 معايير تأمل أن تعزز التمثيل المتنوع والشمول أمام الكاميرا وخلفها، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وتلك التعديلات من أجل وجود تنوع وشمولية لا تقصي المرأة والأقليات ليكون الفيلم مؤهلا للفوز بجائزة الأوسكار على أن يتم تطبيقها اعتبارًا من عام 2024.
لذلك كان على “مارفل” تحويل دفتها قليلاً لتلائم ملامح العصر الجديد، بإبراز أبطال خارقين من ثقافات وعرقيات مختلفة، مثل “شانغ تشي” الأميركي من أصول صينية، ويحمل قدرات قتالية سحرية مذهلة، أو”مس مارفل 2022″ كمالا خان، المراهقة الأميركية من أصول باكستانية التي تملك قوى خارقة من قطعة أثرية تتوارثها عائلتها، أو “أميركا تشافيز” المسؤولة عن فتح الأبواب بين العوالم والتي ظهرت في فيلم (Doctor Strange in the Multiverse of Madness) “دكتور سترينغ: عالم متعدد من الجنون 2022”.
هكذا تحقق مارفل أهداف العالم الجديد لكن برؤيتها كذلك، فالأبطال من أصول وعرقيات متنوعة لكنهم بالتأكيد أميركيون ولدوا أو نشؤوا على أرض أميركية، مثل “سوبرمان” مع تغيير بسيط. فبدلاً من أن يأتوا من كوكب آخر، أتوا من قارة أخرى فقط.