مشروع المعارضة ومبادرة الرئيس.. من يعيد الروح للحوار والإصلاح السياسي بمصر؟
القاهرة- منذ إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوته للحوار السياسي في رمضان الماضي يتجدد الجدل بشأن أهداف السلطة من هذا الحوار، وكيف يمكن أن تستفيد المعارضة منه، كما أعلن البعض عن تخوفه من تعطل الحوار بسبب تعدد اللجان والاجتماعات الإجرائية، وهو ما يدفع للتساؤل عن مستقبل الحوار ونجاحه في تحريك مياه السياسة بمصر.
وجاء إعلان الحركة المدنية (أكبر كيان معارض داخل مصر) عن مشروعها للإصلاح السياسي وتقديمه إلى “الحوار الوطني” الذي ما زالت ترتيباته جارية منذ أبريل/نيسان الماضي ليثير نقاشا بشأن مستقبل هذا الحوار وجدواه ومدى جديته من جانب السلطات.
وفي بيان مطول قبل يومين أعلنت الحركة المدنية (تضم 12 حزبا معارضا) مشروعها للإصلاح السياسي، والذي تمثل في إصلاحات تشريعية وإطلاق سراح المعتقلين وفتح المجال أمام حرية الإعلام، فضلا عن وقف الاستدانة الخارجية.
ودعا حمدين صباحي القيادي في الحركة والمرشح الرئاسي الأسبق المصريين إلى الالتفاف حول الحركة حتى تمثلهم في الحوار مع السلطة، وقالت الحركة إنها ستحمل مشروعها ومطالبها إلى الحوار الوطني.
وأطلق السيسي مبادرة الحوار في أبريل/نيسان الماضي الداعية إلى “حوار سياسي وطني مع كافة القوى من دون استثناء ولا تمييز” بخلاف جماعة الإخوان المسلمين، كما أعاد تشكيل لجنة العفو الرئاسي، والتي ضمت رموزا من المعارضة.
وبينما تعد المبادرة الرئاسية أول حوار سياسي من نوعه في البلاد منذ وصول السيسي إلى الحكم صيف 2014 إلا أن أصواتا سياسية جادة لا تزال تقابلها بانتقادات واتهامات بأن الحوار فقد زخمه قبل انطلاقه، وهو عكس ما تقوله الحكومة عن نجاح جلساته الأولية.
ورغم المخرجات الإيجابية غير المباشرة والتي تتمثل في التحسن الملموس رغم محدوديته في تحريك الحياة السياسية والحزبية بعد سنوات من الإغلاق والإفراجات الواسعة نسبيا لمعتقلي الرأي فإن الحوار لم يتقدم خطوة واحدة إلى الإمام، بسبب الإجراءات التنظيمية المتعددة والتي أخذت وقتا طويلا نسبيا لا تتحمله الظروف والتحديات الراهنة، وفق مراقبين.
في مقابل ذلك، اتفق عضو بمجلس أمناء الحوار وقيادي في الحركة المدنية على أن السلطة جادة بالفعل في الوصول إلى الأمتار الأخيرة من الحوار، غير أنهما اختلفا بشأن تداعياته المحتملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لأسباب قد تبدو مرتبطة بسلامة النوايا وتكلفة الإصلاح.
جدية الحوار وجدواه
وبشأن أسباب عدم انطلاق الحوار حتى الآن، يشير عمرو هاشم ربيع عضو مجلس أمناء الحوار الوطني المعني بإدارة المبادرة الرئاسية إلى 3 أسباب، الأول: الفترة الزمنية الكبيرة التي تطلبتها عملية التنسيق بين من سماها الموالاة والمعارضة في بعض الخطوات الرئيسية المطلوبة.
وفي تصريحات للجزيرة نت أضاف ربيع -وهو نائب مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (رسمي)- أن السبب الثاني في تعطيل انطلاق الحوار يعود إلى افتئات مشاركين (لم يسمهم) في نقاشات على سلطة اللجان الفرعية المعنية بها دون أن يكونوا أعضاء فيها.
أما السبب الثالث -حسب ربيع- فيعود إلى تعرض مسؤولين عن إدارة الحوار لظروف طارئة كما حدث حين غاب المنسق العام للحوار ضياء رشوان شهرا، وعرض تقديم بديل له، وهو ما قوبل بالرفض وتم انتظاره، في إشارة إلى وعكة صحية ألزمت الأخير منزله قبل بضعة أشهر.
وأشار إلى أن اللجان الفرعية لم تبدأ عملها بعد، ولا تزال في نقاشات بشأن طبيعة الملفات التي ستتناولها النقاشات الداخلية، واستبعد أن يكون الحوار السياسي قد غرق في دوامة لجانه الفرعية وترتيباته الإدارية.
كما استبعد تراجع اهتمام السلطة بجدية الحوار بعد انتهاء مؤتمر المناخ الدولي الذي كان يقول معارضون إن التهدئة السياسية التي مارستها السلطات قبل شهور كانت مرتبطة بأجوائه.
وشدد على أن الاهتمام الرسمي لم يتراجع، محملا المعنيين بالمشاركة في الحوار مسؤولية تأخير انطلاقه عدة أشهر، غير أنه استدرك بالقول إن الإجراءات الحالية وإن كانت كثيرة لكنها شديدة الأهمية.
وبسؤاله عن جدوى الحوار على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أوضح ربيع أن الشقين الاجتماعي والاقتصادي خارج يد السلطة لأنهما بحاجة إلى أجندة تتطلب مزيدا من الوقت وإجراءات كثيرة ومكلفة، على خلاف الشق السياسي الذي اعتبره إصلاحا مجانيا غير مكلف، مستشهدا بموافقة السلطات على مطالب المعارضة بالإفراج عن سجناء سياسيين، ووعودها بسن قوانين بعينها أو تعديلها كقانوني التظاهر والانتخابات.
لكنه استدرك قائلا إن كل ذلك يبقى مشروطا بسلامة النوايا في الجانب السياسي، على خلاف الإمكانيات المادية التي يتطلبها الشقان الاقتصادي والاجتماعي، مضيفا أن سلامة النية (من جانب السلطات) لم تكن متوفرة في السابق، لكن الوعود الرسمية الكثيرة حاليا تعطي مؤشرا لها حتى الآن، وتوقع أن ينطلق الحوار قبل نهاية العام الجاري.
مطالب معلقة
وعن مشروعها للإصلاح السياسي، يرى القيادي في الحركة المدنية مجدي حمدان أن الحركة متمسكة بمواقفها وقراراتها التي أعلنت عنها في بيانها الأول في مايو/أيار الماضي ردا على مبادرة السيسي.
وفي حديث للجزيرة نت، شدد حمدان على أن الحركة لا تزال تتمسك بالأعداد والأسماء التي طالبت بالإفراج عنها، والتي أرسلتها إلى لجنة العفو الرئاسي.
وبشأن جدوى مشروع الإصلاح السياسي، يعتقد حمدان أن الحركة المدنية قادرة على تحريك مياه السياسة وعودة الروح إلى النقاش السياسي مجددا، مشيرا إلى أن الحركة بمختلف مكوناتها على قلب رجل واحد وتسير في إطار سياسي موحد لن تخرج عليه.
واستبعد سعي الحركة للاستفادة من الوضع الاقتصادي الراهن للحصول على مكاسب من السلطة في ملفات الحريات وسجناء الرأي، قائلا إنه لا مكاسب من سجناء، بل هناك سعي للإفراج عنهم، والتمهيد لحوار اقتصادي شامل لحل الكثير من الأزمات الراهنة.
وبشأن موعد انطلاق الحوار، يشير السياسي المصري إلى أنه لم يحدد بعد، لكن هناك مؤشرات على قرب بدايته، مستدركا بالقول إن مشاركة الحركة المدنية ستظل مرهونة بالإفراج عن بعض الأسماء، وإن لم يتم الإفراج عنها فستعقد مؤتمرا لتحديد موقفها قبل الخوض في غمار الحوار.
وبسؤاله عن مدى جدية النظام المصري في حوار مع المعارضة، يعتقد حمدان أن هناك جدية تامة، لافتا إلى أن الحركة المدنية هي التي أرجأت دعوة السلطة لحوار مباشر حتى تنفيذ مطالبها.
وشدد على أن الحركة المدنية جاهزة للحوار بكل أحزابها المنضوية تحتها وبحلول كاملة للأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية في مصر، وهو ما يزيد أهمية مثل هذه المبادرة والمشاركة فيها من جانب الحركة، وفق قوله.
مناشدات وعفو
ويوم الجمعة الماضي، ناشد ضياء رشوان في برنامجه التلفزيوني الرئيس عبد الفتاح السيسي استخدام صلاحياته للإفراج عن مزيد من المحبوسين، فيما سبق أن ذكر المتحدث الإعلامي باسم الحركة المدنية خالد داود أن أحزاب الحركة لم يعد لها سجناء سوى اثنين من حزب التحالف الاشتراكي.
وطالب داود في بيان بإغلاق ملف سجناء الرأي تماما، وإطلاق سراح النشطاء السياسيين والحقوقيين مثل علاء عبد الفتاح وأحمد دومة ومحمد الباقر بعفو رئاسي، وناشد كذلك النائب العام مراجعة أوضاع المحبوسين احتياطيا وإطلاق سراح سجناء الرأي.
ومنذ تفعيل لجنة العفو الرئاسي أفرجت السلطات عن أكثر من ألف سجين في قضايا رأي وفق بيانات رسمية صادرة عن اللجنة، وهو رقم لا تزال تراه شخصيات معارضة أقل بكثير من المتوقع، كما سبق أن أشار حقوقيون إلى أن السلطات اعتقلت أعدادا تفوق عدد المفرج عنهم منذ إعلان السيسي مبادرته للحوار السياسي قبل ما يزيد على 7 أشهر.