أوكرانيا تسابق الزمن للحصول على أنظمة دفاع جوية وأرضية إسرائيلية لكن تل أبيب تمتنع وتفضل مصالحها الأمنية والإستراتيجية (شترستوك)

أوكرانيا تسابق الزمن للحصول على أنظمة دفاع جوية وأرضية إسرائيلية لكن تل أبيب تمتنع وتفضل مصالحها الأمنية والإستراتيجية (شترستوك)

القدس المحتلة- مع تكليف زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، بتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، عادت كل من موسكو وكييف لتغازل مجددا تل أبيب التي سعت لاعتماد “موقف الحياد” في الحرب الأوكرانية حفاظا على مصالحها مع البلدين؛ إذ انتهجت في العلن سياسة “السير بين النقاط”، فيما نشطت وراء الكواليس للحفاظ على مصالحها الأمنية والإستراتيجية.

وعادت تل أبيب إلى دائرة اهتمام روسيا وأوكرانيا مع صعود نتنياهو إلى الحكم مجددا، وتجلى ذلك من خلال الزيارة السرية التي قام بها وفد عسكري أوكراني لإسرائيل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، طلبا للتزوّد بالأسلحة والمضادات الدفاعية الجوية، حسبما كشف التلفزيون الإسرائيلي الرسمي “كان”.

 

وأعقب الزيارة السرية مباحثات إسرائيلية روسية، حذرت فيها موسكو تل أبيب من مغبة تزويد كييف بالأسلحة، وطلبت عدم اعتراض وعرقلة إسرائيل نقل أنظمة دفاعية جوية تقوم بها روسيا من سوريا إلى الجبهة في أوكرانيا.

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا بفبراير/شباط 2022، عمدت إسرائيل على عدم إثارة غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك حفاظا على مصالحها الأمنية والإستراتيجية وخصوصا لعدم المساس بالتفاهمات الأمنية مع موسكو التي توفر لسلاح الجو الإسرائيلي حرية العدوان العسكري وشن الهجمات على سوريا بذريعة الحد من التموضع العسكري الإيراني، ومنع نقل شحنات أسلحة إيرانية إلى حزب الله.

وتدفع المباحثات التي تجريها تل أبيب مع موسكو وكييف بشكل منفصل، الكثير من الأسئلة حول أسباب نأي إسرائيل بنفسها عن إغضاب روسيا أو حتى إثارة حفيظة بوتين؟ وبالمقابل ماذا تفعل تل أبيب من أجل إسكات الطلبات الأوكرانية المتكررة بتزويدها بالسلاح؟

وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس أبدى معارضة شديدة لتزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية (الصحافة الإسرائيلية)

وفد أوكراني أمني بإسرائيل

سبقت زيارة الوفد العسكري الأوكراني لتل أبيب، تصريحات لوزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، الذي أكد على موقف تل أبيب الرافض لتزويد أوكرانيا بالأسلحة وأنظمة الدفاع الجوية.

وأبدى غانتس معارضة شديدة لتزويدها بمنظمة القبة الحديدية، مكتفيا بالإفصاح عن إمكانية أن تساعد تل أبيب كييف بتزويدها بأنظمة إنذار مبكر ضد التهديدات الجوية.

 

وشدد غانتس على موقف تل أبيب بتقديم المساعدات الإنسانية والطبية والمعدات الدفاعية لإنقاذ الحياة واستقبال اللاجئين الأوكرانيين. علما أن إسرائيل استغلت الحرب واستقدمت نحو 15 ألف يهودي من أوكرانيا ونحو 33 ألفا من روسيا.

وحفاظا على العلاقات مع موسكو ومنعا لزيادة التوتر، سعت إسرائيل للتقليل من قيمة وأهمية الزيارة السرية للوفد العسكري الأوكراني، في وقت حذرت روسيا إسرائيل من تداعيات تزويد أوكرانيا بالأسلحة أنظمة الدفاع الجوي، وفق القناة 13 الإسرائيلية.

ورغم الامتناع الإسرائيلي عن تزويد كييف بالأسلحة وأنظمة الدفاعات الجوية والقبة الحديدية بذريعة الخوف من تسرب تكنولوجيا إسرائيلية سرية إلى دولة أجنبية، فإن الوفد الأوكراني كرر طلب بلاده بالحصول على أسلحة وأنظمة دفاع جوية من تل أبيب.

من ناحيتها، وافقت إسرائيل، وفقا لصحيفة “هآرتس”، على تمويل وشراء ما وصفته بـ”مواد إستراتيجية”، لصالح المجهود الحربي الأوكراني، ونُقلت عبر دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك بضغط من الإدارة الأميركية التي طالبت تل أبيب بعدم قصر دورها على المساعدات الإنسانية.

 

تحذير روسي من تصاعد معاداة اليهود

أمام نهج “السير بين النقاط”، وجدت تل أبيب ذاتها أمام فرصة لاحتواء أي توتر مع الكرملين عقب زيارة الوفد العسكري الأوكراني لتل ابيب، وذلك عبر المباحثات الروسية الإسرائيلية التي أتت بمبادرة من موسكو.

 

وحملت المباحثات في طياتها تحذيرات روسية مباشرة من مغبة تزويد إسرائيل أوكرانيا بأسلحة ومنظومة القبة الحديدية، في وقت نقل الوفد الروسي المفاوض طلبا من الرئيس بوتين، الذي يُعتبر صديقا شخصيا لنتنياهو، بعدم عرقلة إسرائيل سحب ونقل أنظمة دفاع جوية روسية من سوريا إلى الجبهات مع أوكرانيا، بحسب ما أفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان”.

وحذر مصدر روسي مقرّب من الكرملين، من أن “خسارة روسيا الحرب بأوكرانيا من شأنها أن تؤدي إلى موجة من معاداة السامية ضد اليهود في العديد من دول الاتحاد السوفياتي وفي روسيا على وجه الخصوص”.

فيما أوضحت الإذاعة الإسرائيلية بأن مسؤولًا روسيًّا أكد خلال مباحثات مع الجانب الإسرائيلي أن “الرئيس بوتين، هو الذي يمنع في هذه المرحلة اندلاع موجة من المعاداة للسامية”.

وأبدت قيادات عسكرية وأمنية إسرائيلية خشيتها من مغبة أن يتحول غضب بوتين إلى صدام ومواجهة مباشرة بين إسرائيل وروسيا لا تقتصر على التحذيرات والتهديدات المبطنة بل تتجه لإجراءات عملية، وذلك على غرار قرار الكرملين وقف عمل الوكالة اليهودية بروسيا وتحريك دعوى ضدها بالمحكمة الروسية.

Jewish immigrants from Ukraine disembark from an airplane upon their arrival at Ben Gurion International Airport near Tel Aviv December 30, 2014. About 220 Jews from Ukraine, some of them escaping the political turmoil, arrived in Israel on Tuesday on a flight organised by the International Fellowship of Christians and Jews and Israel's Immigrant Absorption Ministry. REUTERS/Baz Ratner (ISRAEL - Tags: POLITICS SOCIETY IMMIGRATION)
آلاف اليهود استقدمتهم إسرائيل من أوكرانيا وروسيا منذ بداية الحرب الأوكرانية (رويترز)

النأي عن إغضاب روسيا

أمام معضلة الحرب في أوكرانيا، تسعى إسرائيل إلى ضمان استمرار نشاط وعمل الوكالة اليهودية في روسيا التي ترعى 600 ألف يهودي ينتظرون الهجرة إلى إسرائيل، مع مراعاة الوجود العسكري الروسي في سوريا والتموضع العسكري الإيراني هناك، والمشروع النووي الإيراني.

وترفض إسرائيل تسليح أوكرانيا، ويعود ذلك إلى حقيقة أن الروس يحتفظون بقوة عسكرية في سوريا، حيث يعمل سلاح الجو الإسرائيلي بشكل روتيني وحر بموجب التفاهمات الأمنية بين تل أبيب وموسكو.

 

وترجّح إسرائيل بأن إثارة غضب بوتين من شأنه أن يقوض التفاهمات الأمنية بين روسيا وإسرائيل بشأن حرية عملها العسكري في سوريا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعزيز النفوذ الإيراني ويسرّع شحنات نقل الأسلحة من طهران إلى حزب الله.

وتتوجس إسرائيل كذلك من التقارب العسكري الروسي الإيراني بساحة الحرب في أوكرانيا، وإمكانية انحياز موسكو إلى طهران في المفاوضات العالقة بشأن الاتفاق النووي مع الدول العظمى، وخاصة مع مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم دون رادع، والمخاوف من حصولها على سلاح نووي بدعم روسي.

وتعيش المؤسسة الإسرائيلية قلقا من انتشار الحديث عن ظهور المسيّرات الإيرانية في ساحة الحرب بأوكرانيا، واحتمال تزويد إيران روسيا بصواريخ أرض-أرض، واستغلال طهران لساحة الحرب بأوكرانيا من أجل تجربة وتطوير هذه الأسلحة وكذلك الصواريخ الدقيقة مع روسيا.

ووفقا لتقرير أصدره مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن بوتين “عبقري سياسي عالمي عديم الرحمة وغير مقيد، ومن شأنه أن يتصرف بلا حدود ودون ضبط للنفس، حيث يتمتع بقدرات شبه غامضة. وعليه، تتخذ إسرائيل مزيدا من الحذر وتحد من مساعدتها لأوكرانيا”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author