رفض ملك بلجيكا الاعتذار عن الماضي الاستعماري لبلاده في أفريقيا، مما أثار النقاش مجددا بشأن الميراث الذي خلفه سلفه ليوبولد الثاني الذي أودى حكمه -الذي يوصف بالإرهابي- في الكونغو بحياة الملايين.
ولفت تقرير صحيفة “التايمز” (The Times) البريطانية اليوم السبت إلى أن ليوبولد، العم الأكبر للملك الحالي فيليب، أدار “دولة الكونغو الحرة” كإقطاعية خاصة بين عامي 1885 و1908، والتي مات خلالها ما لا يقل عن 10 ملايين كونغولي، أي أكثر من نصف السكان، إما وفاة أو قتلا.
وكانت فترة حكمه مصدر إلهام لـ”قلب الظلام”، رواية الكاتب البولندي البريطاني جوزيف كونراد في عام 1902، التي أبرزت الاتهام المروع للنهب الاستعماري والوحشية، وهي فترة يرى العديد من المؤرخين أنها تلخص أسوأ تجاوزات الإمبريالية.
وقد أدت سياسة ليوبولد الاستعمارية إلى ظهور مصطلح “جريمة ضد الإنسانية” مع فرض السلطة باسمه من خلال مذابح العقاب الجماعي والقتل والتعذيب وبتر الأطراف والسخرة في مزارع المطاط.
وذكرت الصحيفة أنه بعد عامين من البحث عن الذات الوطنية وتشكيل لجنة برلمانية خاصة لفحص كيف يمكن للبلاد أن تتصالح مع المستعمرات السابقة في أراضي الكونغو وبوروندي ورواندا، وصلت بلجيكا إلى طريق مسدود.
فقد انهارت المحادثات هذا الأسبوع بعد أن كسر ووتر دي فريندت، رئيس اللجنة، صمته ليحتج بأن الاعتذار يمثل “خطا أحمر” للنظام الملكي في البلاد والذي لا يزال يلعب دورا دستوريا مهما.
وقال دي فريندت “كانت هناك رسائل من القصر الملكي مفادها أنه تم تجاوز عدد من الخطوط الحمراء”.
وذكرت صحيفة “دي ستاندارد” (De Standaard) البلجيكية أن الملك أخبر ألكسندر دي كرو، رئيس الوزراء، الشهر الماضي أن الاعتذارات والتعويضات غير واردة.
ومن الجدير بالذكر أن الملك كان قد أعرب في السابق عن “أسفه” عما جرى خلال رحلة إلى الكونغو في يونيو/حزيران الماضي، وكانت مبادرة القصر تعني أن ليبراليي الحزب الليبرالي الديمقراطي البلجيكي والحزب الديمقراطي المسيحي، وخاصة المعسكر الفلمنكي للمتحدثين بالهولندية، لن يذهبوا إلى أبعد من ذلك.
وعلى الجانب الآخر، طالب الحزبان الاشتراكي والأخضر الناطقان بالفرنسية باعتذار كامل ودفع تعويضات للكونغو وبوروندي ورواندا. لكن “الخلافات بين الأحزاب لا يمكن التوفيق بينها”، كما قال دي فريندت.
ومثل بلادهم، أفراد العائلة المالكة البلجيكية منقسمون حول إرث الاستعمار وليوبولد، الذي توفي عام 1909. وفي حين أنه يُنظر إليه إلى حد كبير على أنه مصدر للعار الوطني، إلا أنه يحتفى به من خلال العديد من التماثيل والنصب التذكارية باعتباره “باني بلجيكا” لبرنامجه للتحديث الحضري المبني على مكاسب الاستعمار.
وأكدت الصحيفة بأنه على الرغم من تراجع بلجيكا المنقسمة عن الاعتذار الكامل -الذي قد يفتح الباب أمام التعويضات- بدأ البلجيكيون يراجعون ماضيا يعتبره معظمهم مقلقا ومخزيا.