لا تزال أصداء جريمة مقتل الفتاة الجامعية نيرة أشرف طعنًا وذبحًا في مصر بجوار سور جامعتها أمام زملائها والمارّة على يد زميل الدراسة، لرفضها الزواج به، تتردد بقوة ممزوجة بكثير من الغضب والحزن والاستغراب والدهشة.
الواقعة التي لم تستغرق سوى أقل من دقيقة بدأت كشجار خاطف أمام جامعة المنصورة بمحافظة الدقهلية (شمال القاهرة) بين الطالبة في كلية الآداب نيرة أشرف وزميلها محمد عادل الذي يلاحقها في كل مكان، انتهى بتسديد طعنات عنيفة وسريعة في صدرها أسقطتها أرضًا ثم إمساكها من رأسها ونحرها وتركها مضرجة بالدماء.
ومع كل حادثة بشعة في المجتمع المصري يظهر تأثرها بأعمال البلطجة، يستحضر البعض نجوم الأفلام والدراما، ويتجدد الجدل حول علاقة انتشار هذه الأنواع الغريبة والقاسية من الجرائم بانتشار سلوك العنف والبلطجة في الأعمال الفنية سواء المسلسلات التلفزيونية أو الأفلام السينمائية.
حازت الجريمة القاسية غير المسبوقة في البلاد، والتي وثقت تفاصيلها البشعة كاميرات المراقبة اهتمام الشارع المصري والمحيط العربي، بسبب ما تضمنته من عنف وقسوة وإجرام ولامبالاة وعدم رحمة، على غرار مشاهد تكررت في السينما والدراما المصرية في العقد الأخير.
اعتاد المشاهد المصري والعربي هذه المشاهد الصادمة والدموية في كثير من المسلسلات والأفلام السينمائية ممزوجة بأعمال بلطجة وعنف وجنس ومخدرات وقتل يقوم ببطولتها فنانون شباب مثل محمد رمضان، وأمير كرارة، وعمرو سعد، وأحمد السقا وغيرهم من النجوم، وانتقلت إلى الواقع شيئا فشيئا في مشاهد متكررة.
مسؤولية الأعمال الفنية عن انتشار العنف
في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، بدأت أولى جلسات محاكمة القاتل الذي اتهمته النيابة العامة بقتل زميلته عمدًا مع سبق الإصرار، بعد أن بيّت النية وعقد العزم على قتلها أمام جامعة المنصورة.
وجّه البعض سهام الانتقاد إلى أعمال الدراما التي دأبت في السنوات العشر الأخيرة على تكريس أعمال البلطجة والعنف وعدّها سمة يتميز بها أبطال المسلسلات الرمضانية والأفلام السينمائية، والتي ساعدت في نشر ثقافة العنف وتجاوز القانون وتعزيز شعور الأنا لدى الشباب المتأثرين بنجومهم المفضلين.
رئيس جامعة المنصورة الدكتور أشرف عبد الباسط الذي شهد محيط جامعته الحادث المأساوي المروّع حمّل نجوم الدراما المصرية المسؤولية عن تصدير مشاهد العنف للشباب والشارع المصري من دون مسؤولية.
وقال في تصريحات متلفزة “كلنا نعلم أن انتشار دائرة العنف من الأسباب الرئيسة فيها ما يشاهده الشباب أو هذا الجيل من أفلام بها عنف شديد من نجوم من المفروض أنهم يقولون عن أنفسهم إنهم نجوم؛ يُصدرون هذه المشاهد في أفلامهم، وهناك منتجون يدفعون الملايين لتكريس هذه المشاهد”.
وانتقد إعلاميون وفنانون ونقّاد وكتّاب انتشار مشاهد العنف والبطش والفتك بالخصوم والترويج لاستخدام السواطير والسكاكين والأسلحة في الانتقام، واستدعاء صور فتيات ونساء بشكل مبتذل ومهين والتعامل معهن كدروع بشرية أو رهائن أو ملكية خاصة، وتسليط الأضواء على هذا النوع من الأفلام والمسلسلات لجذب أكبر شريحة من الشباب والتأثير عليهم بشكل سلبي.
مخطط وليس فنًّا
من جانبه، هاجم الفنان المصري هشام عبد الله هذه النوعية من الأعمال الفنية، ووصفها بأنها “مخطط مقصود وممنهج لهدم القيم الدينية والأخلاقية؛ لأن هدم المجتمع يبدأ بإفساد أخلاق الشباب، وتمزيق صورة الأسرة، وإهانة العلماء، وتدمير الروابط الأسرية”.
وأوضح -في تصريحات للجزيرة نت- أن التذرّع بأن الفن مرآة المجتمع والدسّ بهذه النوعية السيئة من الأعمال غير الفنية بهذه الحجة يجافي الحقيقة، معتبرًا أن ما تروّجه هذه الأعمال من نماذج فاسدة ومنحطة ومتدنّية لا يمثل إلا رؤية أصحابها وحدهم.
وذهب الممثل المصري إلى القول إن أدوات هذا المخطط هي الفن والإعلام، ومن يملكهما ويحركهما يعملون بقصد أو من دون قصد على تنفيذ أجندة لتدمير أواصر المجتمع والأسرة المصرية باسم الفن والحرية والإبداع.
الفن يحارب العنف
في المقابل، هناك من يرفض هذا الطرح جملةً وتفصيلًا، ويرى أن الفن يتسع لجميع الأعمال التي يستوحيها من واقع المجتمع، ولا يمكن أن يكون مسؤولًا عن انتشار أي ظاهرة سلبية، لأن العنف والجريمة مثلا جزء أصيل من حياة المجتمعات البشرية وليس بدعة، على حد قولهم.
وفي هذا الصدد، قال المؤلف والسيناريست أيمن سلامة إن “الفن تحوّل إلى شماعة في كل جريمة تحدث في المجتمع، ويحمّلون الفن المسؤولية ويقولون إن أفلام محمد رمضان والسبكي (منتج) هي السبب”.
وتساءل سلامة: “قبل وجود السينما والدراما، هل كانت الجريمة مختفية؟ هل قبل ولادة محمد رمضان كانت الحياة رغيدة ولا توجد جريمة؟ الفن ليس المسؤول، بل إن الفن ينمي المشاعر والأحاسيس ويحارب العنف”، على حد زعمه.
وحظيت الحادثة المروعة بتفاعل كبير لدى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في مصر وعلى الصعيدين العربي والعالمي، ودشنوا أكثر من وسم تصدّر بعض المواقع مثل #طالبة_ المنصورة، و#حق_نيرة_أشرف و#أنا_عاوز_أحافظ_عالبنات، وألقى بعضهم باللوم على الأعمال الفنية التي تحث الشباب على انتهاج مثل هذا السلوك غير الأخلاقي.
وطالب آخرون بوقف إنتاج وعرض مثل هذه الأنواع من الأعمال الفنية حفاظًا على وحدة المجتمع المصري والعربي، وعدم التلاعب بعقول الشباب ومشاعرهم والتأثير عليهم من قبل بعض الفنانين والمنتجين الذين يبحثون عن الشهرة والمال على حساب قيم المجتمع المصري.