لماذا يضع الكثيرون آمالهم في العملات المشفرة لمواجهة فساد الحكومات؟
يجادل المتحمسون للعملات المشفرة بأن التشفير سيجعل الناس يثقون بالتكنولوجيا بدلاً من الحكومات، والتي يرون أنها غير جديرة بالثقة؛ حيث تقود هذه الأيديولوجيا الناس إلى تشجيع استخدام تلك العملات مع التقليل من مخاطرها، ولكن ما سر النهضة المفاجئة للعملات المشفرة في الآونة الأخيرة؟
نشر موقع “ذا كونفرسيشن” الأسترالي تقريرًا سلّط فيه الضوء على تداعيات النهضة المفاجئة للعملات المشفرة.
بالنسبة لعشاق التشفير، فإن استخدام التشفير ليس مجرد وسيلة لشراء وبيع الأشياء، بل إنهم يجادلون بأن استخدام تقنيات التشفير من شأنه أن يجعل المجتمع أقل اعتمادًا على الحكومات والشركات؛ أي أن استخدام العملات المشفرة -والحصول على أكبر عدد ممكن من الناس لاستخدامها قدر الإمكان- هو وسيلة لتغيير العالم وسحب السلطة من الحكومات.
يبدو أن إعلانات بلوكتشين و”إن إف تي إس” (NFTs) والعملات المشفرة مثل بيتكوين موجودة في كل مكان، حيث يتم الترويج لتقنيات التشفير كبديل للبنوك، فهي طريقة جديدة للشراء، وبمثابة الفرصة الاستثمارية الكبرى المقبلة، وجزء أساسي من العالم الافتراضي.
وبالنسبة للكثيرين، فإن هذه التقنيات مربكة أو محفوفة بالمخاطر، لكن المتحمسين لها يروجون لها بحماس.
ويقول ريك واش، كاتب المقال، بصفتي باحثا في مجال الأمن الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد وجدت أن وراء هذه الضجة أيديولوجيا حول التغيير الاجتماعي: فالمتحمسون المتشددون يجادلون بأن العملات المشفرة ستجعل الناس يثقون بالتكنولوجيا بدلا من الحكومة، التي يرون أنها غير جديرة بالثقة بطبيعتها. وهذه الأيديولوجيا تقود الناس إلى تشجيع استخدام تلك العملات مع التقليل من مخاطرها.
المتحمسون للتشفير الحقيقيون
يقول واش “درست أنا وزملائي ما يقرب من 3 أشهر من المناقشات في منتديات (ريدت) حول العملات المشفرة في محاولة لفهم كيفية حديث الناس عن التشفير والبيتكوين. وكانت أعلى الأصوات في المنتدى هي مجموعة من عشاق التشفير الذين أطلقوا على أنفسهم اسم (البيتكوينيون الحقيقيون). وعلى عكس عشاق التكنولوجيا أو المسوقين التشفيرين، لم يتحدث -ما أطلق عليهم- “البيتكوينيون الحقيقيون” عن التكنولوجيا، أو عن استخدامهم الخاص للعملات المشفرة. وبدلا من ذلك، تحدثوا عن الثقة والفساد”.
وغالبا ما يستشهد هؤلاء المتحمسون للعملات المشفرة بأمثلة مما يرونه فسادا حكوميا وفساد الشركات، فهم يدركون أن المجتمع يعتمد على الحكومات والشركات التي تضع القواعد وتنفذها، ويشكون من أن الناس عالقون في هذه المؤسسات “الفاسدة”. ويقولون إن الفساد عيب لا مفر منه في الإنسانية ويؤدي إلى محاولة السيطرة على الآخرين وإساءة معاملتهم.
ويرى المتحمسون أن بيتكوين وتقنيات التشفير مثل بلوكتشين وغيرها توفر بديلا للفساد. وهم يجادلون بأن هذه التقنيات الجديدة “غير موثوق بها” وأنها لا تعتمد على المؤسسات، فيمكنك شراء وبيع الأشياء باستخدام البيتكوين دون التحقق من أحد البنوك أو باستخدام النقد الذي تصدره الحكومة.
هذان الاعتقادان -أن الحكومات فاسدة وأن التشفير يقي من هذا الفساد- شائعان بين عشاق التشفير الذين أخضعهم الكاتب للدراسة، لكن المتحمسين يذهبون خطوة أبعد من ذلك، إنهم يسعون إلى التغيير، ويريدون تغيير من يملك السلطة ومن لا يملكها.
ويرون أن التشفير هو الذي سيحدث هذا التغيير. وبالنسبة لعشاق التشفير، فإن استخدام التشفير ليس مجرد طريقة لشراء وبيع الأشياء.
إنهم يرون أنه وباستخدام تقنيات العملات المشفرة، سيصبح المجتمع أقل اعتمادا على الحكومات والشركات. وهذا يعني أن استخدام العملات المشفرة -وجعل أكبر عدد ممكن من الناس يستخدمونها قدر الإمكان- هو وسيلة لتغيير العالم وسحب السلطة بعيدا عن الحكومات.
أيديولوجيا محاربة الفساد
هذه المعتقدات حول من يجب أن تكون له السلطة في المجتمع ومن لا ينبغي أن تكون له هذه السلطة يمثل تجسيدا لأيديولوجيا. كما أن جزءا مهما من أيديولوجيا التشفير هو أن هذا التغيير لا يمكن أن يحدث ما لم يستخدم الناس التشفير، فالتكنولوجيا والأيديولوجيا مرتبطتان معا.
وبالنسبة للعديد من هؤلاء المتحمسين، فإن التوصية بالتشفير لأشخاص آخرين ليست مجرد توصية تكنولوجية، إذ بالنسبة لهم، يعد شراء وبيع العملات المشفرة شكلا من أشكال النشاط السياسي والاجتماعي. وهم يجادلون بأن شراء العملات المشفرة سيزيل الفساد ويغير المجتمع للثقة في التكنولوجيا على حساب الحكومة.
هذه الأيديولوجيا هي نسخة أكثر تطرفا من التحررية التكنولوجية، التي تسعى إلى استبدال التكنولوجيا بالحكومة.
يريد البيتكوينيون الحقيقيون أن تسيطر التكنولوجيا على المجتمع، ولكنهم يركزون على السيطرة المالية والاقتصادية أكثر من الحريات المدنية.
مخاطر التشفير
أحد الجوانب المهمة لأي أيديولوجيا هو الطريقة التي تؤكد بها على بعض المخاطر وتقلل من البعض الآخر منها. ويؤكد البيتكوينيون الحقيقيون على مشاكل الفساد الحكومي، ولكنهم يقللون من المخاطر المالية للعملات المشفرة. فسعر البيتكوين يتقلب بشكل كبير، وقد فقد الكثير من الناس المال بشرائهم العملات المشفرة، فمن الصعب فهم محافظ التشفير واستخدامها، ويصعب استعادة المعاملات الاحتيالية.
لكن غالبا ما يقلل عشاق التشفير من مخاطر التكنولوجيا على الناس والمجتمع. كما أنهم يرفضون الدور القيّم الذي تلعبه الحكومات والشركات في حماية أموال الناس، وتوفير التأمين للحسابات المصرفية وإعادة الأموال المسروقة.
الاعتقاد في قدرة التشفير على إحداث تغيير اجتماعي مبالغ فيها أيضا، فتقنيات التشفير لا تقضي بالضرورة على الشركات أو تتجنب السيطرة الحكومية، إذ هناك بلوكتشينات خاصة للشركات والعديد من اللوائح الحكومية حول العملات المشفرة.
واختتم الكاتب مقاله بأن مجرد استخدام التكنولوجيا لا يؤدي بالضرورة إلى التغيير الاجتماعي الذي يسعى إليه هؤلاء المتحمسون.