لمع نجمه بسرعة ومستقبله السياسي في بريطانيا على المحك.. الضرائب تضع الوزير الزهاوي في مأزق
لندن- ما كاد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يتجاوز الحملة الإعلامية التي طالته بعد ظهوره في مقطع مصور من دون وضع حزام الأمان داخل سيارته، حتى انفجرت في وجهه أزمة سياسية أكبر بطلها وزيره ورجله القوي ناظم زهاوي، الذي تحوم شكوك حول تورطه في التهرب الضريبي.
وفي بريطانيا، يكفي توجيه هذه التهمة لأي شخص ليتلقى مساره السياسي الضربة القاضية، وذلك لما لدفع الضرائب من رمزية حساسة، بل إن التاريخ السياسي البريطاني في القرن الـ18 عاش احتجاجات ربطت دفع الضرائب بالتمثيل داخل البرلمان.
ومثل كرة الثلج المتدحرجة يزداد الضغط على ناظم زهاوي، ذي الأصول العراقية، الذي يشغل حاليا منصب رئيس حزب المحافظين، من أجل تقديم استقالته من منصبه الذي لم يعمّر فيه سوى 3 أشهر.
وكذلك يواجه رئيس الوزراء ريشي سوناك ضغوطا أكبر لإقالة زهاوي من منصبه كوزير بلا حقيبة، بمبرر أن سوناك وصل لرئاسة الوزراء بشعار “الالتزام بالمعايير الحكومية وتحمل المسؤولية”.
تهرّب بالملايين
بدأت متاعب زهاري مع مصلحة الضرائب في بريطانيا، التي تعرف بإدارة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك، والتي تعد من أقوى المصالح الحكومية في البلاد، يوليو/تموز العام الماضي، عندما دخلت مصلحة الجرائم المالية على الخط للتحقيق في السجلات المالية لزهاوي وكان حينها وزيرا للخزانة.
وظلت هذه التحقيقات طي الكتمان إلى أن كشفت صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية عن دفع زهاوي غرامة لمصلحة الضرائب، وذلك خلال الفترة بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول العام الماضي. بعد ذلك، كشفت صحيفة “ذا صن” (The Sun) عن قيمة الغرامة التي بلغت 5 ملايين جنيه إسترليني.
وحسب المصدر نفسه، فإن سبب هذه الغرامة هو عدم إدلاء زهاوي بالتصريح المالي الصحيح في ما يخص عملية بيع أسهمه من شركة “يو غوف” (You Gov) التي يُعد أحد مؤسسيها، وهي الآن أكبر مؤسسة استطلاع للرأي في بريطانيا.
وببيع هذه الأسهم، استطاع زهاوي تحقيق 20 مليون جنيه إسترليني مداخيل، ومن المفترض أن يدفع منها ما نسبته 30% للدولة، وهو ما لم يقم به الوزير البريطاني، لتتم معاقبته من طرف مصلحة الضرائب.
“إهمال غير متعمد”
على مدى أشهر، ظلّ زهاوي ينفي أن تكون ذمته المالية ملطخة بأي تجاوز قانوني، وكان يصف التقارير الإعلامية التي تقول إن هناك شبهات حول تهربه من دفع الضرائب بأنها “محاولات لتشويه السمعة”، بيد أن تحقيقات صحيفة غارديان، ثم مقالا بجريدة “ذا صن” أكدا دفعه غرامة ثقيلة لمصلحة الضرائب، وهو ما دفع زهاوي لتغيير نبرته.
وفي آخر بيان أصدره بهذا الصدد، قال زهاوي إنه يريد “تصحيح الالتباس حول وضعه المالي”، وأكد أن ما حدث هو أن والده الذي كان من المؤسسين لموقع “يو غوف” أخذ أسهم المؤسسين في الشركة مقابل جزء من رأس المال”، مشيرا إلى أن هذه العملية تمت بموافقة “إدارة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك لكن كان هناك اختلاف في تشخيص وتوصيف هذه العملية المالية”.
ووصف زهاوي ما حدث بأنه “إهمال وغير متعمد”، مضيفا أنه دفع ما كان مستحقا للدولة، وواثق من سلامة وضعه المالي.
فتح تحقيق
لم يكن أمام رئيس الوزراء ريشي سوناك من بديل سوى الإعلان عن فتح تحقيق في الواقعة، وأعلن عن تكليف المستشار المستقل للأخلاقيات من أجل البت في هذه القضية والاستماع لزهاوي والحصول على كل الوثائق التي تخص هذه القضية للخروج بقرار إن كان قد خرق أخلاقيات العمل الحكومي.
ورغم تأكيد سوناك أنه يثق بوزيره ومسؤوله عن الحزب، فإن هذه القضية المحفوفة بالمخاطر ستدفعه للحفاظ على مسافة من زهاوي، لا سيما أن التجارب السابقة مع استقالة الوزراء في حكومات المحافظين المتعاقبة تخبرنا أن القصة تبدأ بالنفي، ثم الإقرار الضمني، ثم الإدانة أو الإجبار على الاستقالة.
مطالب بالاستقالة
ستكون إقالة ناظم زهاوي، في حال إدانته، ضربة موجعة لحزب المحافظين. وحتى في حال عدم إدانته، فإن شعبيته قد تأثرت، حسب ما أظهر ذلك استطلاع لموقع “يو غوف” بتصريح 51% من البريطانيين عن تأييدهم استقالته من منصبه.
ولا يفوّت حزب العمال الفرصة من أجل توجيه الضربة تلو الأخرى لحزب المحافظين، الذي يبدو أنه لن يخرج من دوامة الأزمات حتى يخرج من الحكومة.
ومنذ جائحة كورونا، لمع نجم ناظم زهاوي بوصفه واحدا من أنجح الوزراء في حكومة بوريس جونسون، عندما كان المسؤول عن توزيع اللقاح في البلاد وأسهم في أن تكون بريطانيا أول دولة في العالم تطلق عملية التطعيم الجماعي. ثم انتقل لوزارة التعليم فوزارة الخزانة، وأخيرا أصبح رئيسا لحزب المحافظين.
وتحوّل زهاوي إلى واحد من الوجوه القيادية في الحزب وأحد أوراقه الرابحة، إلا أن هذه القضية ستبعثر الأوراق السياسية للرجل الذي يُعد من أغنى رجال السياسة في بريطانيا وتُقدّر ثروته بنحو 100 مليون جنيه إسترليني.