كان ضابط الشرطة الأوكراني جورج.ك الملقب “غورا” مهيأ لحياة يكتنفها الروتين في وظيفته الحكومية في ميناء ماريوبول الأوكراني على بحر آزوف، ولكن الغزو الروسي لبلاده أخرجه من هذا المسار ودفعه في رحلة ملحمية، عبر فيها روسيا ليعود، بعد أن كان عميلا، شرطيا يراقب تحركات العدو كما بدأ.
تبدأ صحيفة “لوفيغارو” (LeFigaro) الفرنسية قصة هذا الشرطي من الهجوم الروسي على مدينته ماريوبول، وإرساله إلى نقطة تفتيش “لمنع الجواسيس من دخول المدينة”، قبل أن يتدهور الوضع أكثر ويُحوّل إلى فرقة تساعد رجال الإطفاء في دفن الموتى وإجلاء الضحايا.
تقدمت قوات موسكو بسرعة كبيرة -كما يقول مبعوث الصحيفة تانغي بيرتيمي- وحاصرت ميناء ماريوبول، فكان غورا يلجأ في الليل إلى مركز الشرطة في دورات الحراسة على السطح، “في البرد والظلام الدامس بسبب انقطاع التيار الكهربائي”، كما يقول.
خطط غورا للانضمام إلى الجيش في فوج “آزوف” المقاتل حيث خدم شقيقه الذي لم يعد لديه عنه أي خبر، ولكن الأحداث تسارعت، فدُمّرت سيارته وقُتل والده بقذيفة عندما كان “يبحث عن شيء يأكله”، وحين ذهب لرؤية والدته وأجداده وجدهم “مذعورين”، وبدأ يبحث عن البنزين، “ليتمكن من المغادرة إذا كان ولا بد”.
وبعد أن أصبحت المدينة محتلة إلى حد كبير، حاول غورا مغادرتها هو وأسرته، ولكن الروس لم يجدوا صعوبة في التعرف عليه، فقبض عليه ونقل مع آخرين وخضعوا للتحقيق مرات عدة، واستجوبتهم أجهزة المخابرات الروسية، قبل أن يستقروا في دونيتسك حيث الظروف أقسى، ولكن غورا تعلم الدرس؛ “عليك أن تكون هادئا ومهذبا ولا تحتج أبدا. قبل كل شيء، يجب ألا تتحدث الأوكرانية مطلقا، ولا حتى كلمة واحدة، وإلا فسوف تتعرض للضرب”.
بقى غورا في هذه المباني 6 أيام قبل أن يحصل لأول مرة على “صفة أسير حرب”، ليُنقل من جديد إلى أولينيفكا المستعمرة العقابية الكبيرة في الأوبلاست حيث “ضربونا بقضبان حديدية وهراوات طوال 10 دقائق بقوة كاملة، بعد ذلك ألقي بنا في زنزانة من دون ضوء. فقدت اثنتين من أسناني بعد حفل الترحيب هذا”.
وهناك في السجن -كما يقول المراسل- عرض عليهم الانضمام إلى صفوف شرطة ولاية دونيتسك الانفصالية، ولكنهم رفضوا، قبل أن يأتيهم حارس “معروف بأنه موال لأوكرانيا”، “نصحنا أن نقبل لأن ذلك هو السبيل الوحيد للهرب”. وبعد القبول، أعادوا له جواز سفره وهاتفه الذي سيسمح له، عبر الشبكات الاجتماعية، بتنظيم رحلته إلى روسيا وليتوانيا ثم أوكرانيا، مستفيدا من الفوضى الإدارية في دونيتسك.
ظل غورا مختبئا 3 أيام مع موالين لأوكرانيا، لقد قبل سائق شاحنة أن يوافق على نقله إلى الحدود ليتكفل الروس بنقله إلى حدود الاتحاد الأوروبي، وبقي عبور الحدود بين دونباس وروسيا، هنا يقول غورا “قررت أن ألعب دور الخائن والمتعاون، ولكن يبدو أن عميل المخابرات الروسية كان مهتمًّا بأخي الغائب، أراد أن يعرف هل أعرفه، فأنكرت وقلت إن الأمر مجرد تشابه في الأسماء، وإنني ذاهب إلى موسكو، وبعد 5 ساعات سمح لي بالمرور. أعتقد أنه جنّدني لأكون متعاونا”.
يضيف غورا “عبرت روسيا في يومين، وكان بإمكاني رؤية علامات Z في كل مكان، علامات الجيش الروسي”. ووصل غورا إلى حدود روسيا مع ليتوانيا حيث سُلّم على الفور إلى رجل من المخابرات الروسية، وهنا يقول غورا “لقد أعددت كذبة، بأنني سأقابل والديّ في ألمانيا. ابتسم الوكيل وختم جواز سفري”.
وتختم لوفيغارو بأن غورا الآن حر، وصل إلى وارسو ثم سلك الطريق إلى أوكرانيا، وفي دنيبرو رفع تقريره إلى الشرطة ليستعيد زيه العسكري، ثم وصل إلى سلوفيانسك في يونيو/حزيران الماضي حيث يراقب بخوذته وسلاحه مرة أخرى تحركات العدو.