قالت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية إن إصرار الرئيس التونسي قيس سعيد على فرض تغيير في المؤسسات عن طريق الاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز المقبل يغرق البلاد في حالة من الترقب، ويعني بدء العد التنازلي لمرحلة من المخاطر العالية في البلاد.

ويقول أستاذ العلوم السياسية الخبير في شؤون الشرق الأوسط جان بيير فيليو -في عموده بالصحيفة- إن قيس سعيد، المبتدئ في السياسة والمعادي للأحزاب والمحاط بدائرة ضيقة من المؤيدين المخلصين، ادعى عندما انتخب رئيسا للجمهورية يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بنسبة 73% من الأصوات أنه يجسد “ما يريده الشعب”.

ولفت إلى أن قيس سعيد لا يلقي بالا لما أقره التحول الديمقراطي بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من اعتماد دستور يقسم السلطات التنفيذية بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء.

وقد دفعت النزعة الشعبوية لسعيد -كما يقول فيليو- إلى إعلان “حالة الاستثناء” وتجميد أنشطة البرلمان، ثم تولي صلاحياته الكاملة، وحظي انقلابه هذا بدعم شعبي لا يمكن إنكاره في البداية، إذ أدت الخلافات السياسية إلى شل إدارة البلاد.

وحيد في قرطاج

ويحاول قيس سعيد -كما يرى الكاتب- أن يكرر في تونس مغامرة الرئيس عبد الفتاح السيسي الناجحة في مصر، حيث أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي المنتخب ديمقراطيا، قبل أن يصبح رئيسا للدولة في العام التالي بحصوله رسميا على 97% من الأصوات، في اقتراع غير مسلم بنتائجه.

 

ويضيف الكاتب: ومثل نظيره المصري، يتهم ساكن القصر الرئاسي في قرطاج الإسلاميين التونسيين في حركة النهضة بكل الشرور، بعد أن فقدوا مصداقيتهم بسبب ضعف أدائهم الحكومي، مركزا على أن المحسوبية الحزبية لديهم أكثر من خياراتهم المجتمعية التي يستنكرها هي الأخرى.

غير أن الفرق الرئيسي بين “الانقلابيْن” المصري والتونسي هو أن الدول، التي شجعت ديناميات الثورة المضادة في كلتا الحالتين، حرصت على عدم تمويل استيلاء سعيد على السلطة، كما يقول الكاتب.

والآن يجد سعيد نفسه سيدا بلا منازع لبلد تتعمق فيه الأزمة الاقتصادية، علما أن السخط الاجتماعي أسهم إلى حد كبير في دعم انقلابه يوم 25 يوليو/تموز 2021، ولكن الرئيس المتخصص في القانون الدستوري اندفع بتهور نحو الإصلاحات المؤسسية، كما لو أن هذا الإطار القانوني وحده يمكن أن يحل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، كما يقول الكاتب.

 

 

تفكك خطير

وفي مقاربته لإعادة التأسيس، لم يكتف قيس سعيد بالعودة إلى الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة، بل غيّر تاريخ الاحتفال بسقوط بن علي إلى امتياز ليضع مكانه تاريخ اندلاع الانتفاضة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، مؤكدا أن “الثورة” تعرضت للخيانة أثناء التحول الديمقراطي الذي يتهمه بأنه أثقل كاهل البلاد بكل المشاكل الحالية، ولذلك يدعو قيس سعيد إلى شكل من أشكال “الديمقراطية المباشرة” التي تشبه هوس الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بإبادة الهيئات الوسيطة.

ويبدو أن الاستشارة الإلكترونية التي نظمها سعيد بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار الماضيين بمنهجية مبهمة، لم تجذب سوى بضع مئات من الآلاف في بلد يبلغ عدد سكانه 12 مليون نسمة، فاتهم -من دون تقديم أدلة- خصومه بتدبير هجمات إلكترونية، ليحل البرلمان ويعلن اعتماد دستور عن طريق الاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز المقبل وفقا لرغباته، كما يرى الكاتب، إلا أن الاتحاد العام التونسي للشغل -الذي يضم أكثر من 800 ألف عضو- رفض تبني مثل هذا النهج ويلوح بالإضراب العام.

وخلص الكاتب إلى أن تفاقم المأزق السياسي بدأ يثير مخاوف الجيش ووزارة الداخلية، اللذين كانا يدعمان الرئيس سعيد، خاصة أنه ينكر الآن أي فضيلة للحوار الوطني الذي جنب البلاد مواجهة بين الحداثيين والإسلاميين في عام 2013، وبالتالي فإن رفض الرئيس التونسي لأي تسوية يثير مخاوف من مواجهة سيكون فيها حتما فائز وخاسر هذه المرة، وقد بدأ العد التنازلي لها.

المصدر : لوموند

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *