لينا أبو غلمي فلسطينية شتت الاحتلال شمل عائلتها وغيبها عن فلذتي كبدها
نابلس– “عندما تذهب أمي إلى عملها بالأرض تأخذنا معها، أما حين تقصد مدينة نابلس أو رام الله فلا تفعل وتتركنا ننتظر عند جدتي حتى تعود، لكنها هذه المرة خرجت مرغمة وفي عتمة الليل وتحت إمرة جنود مدججين بالعتاد والسلاح ولم ترجع حتى الآن كعادتها”.
قبل هذا، لم تكن الطفلتان نتالي ونايا ابنتا الأسيرة الفلسطينية لينا أبو غلمي تعرفان معنى الاعتقال أو السجن، ولم تعيشاه واقعا إلا قبل نحو أسبوعين بعدما قض مضجعهم جنود إسرائيليون واختطفوا والدتهما أمامهما وتركوهما تبكيان في حضن جدتهما أم يوسف لساعات.
ويروي نضال أبو غلمي، زوج لينا، للجزيرة نت (قبل اعتقال الاحتلال له فجر اليوم الثلاثاء) تفاصيل ليلة صعبة شهدت اعتقال زوجته، ويقول إنه تنبه بُعيد منتصف ليلة 22 يونيو/حزيران الماضي لحشد من جنود الاحتلال الإسرائيلي يحاولون فتح باب شقته بعد أن خلعوا البوابة الرئيسية لمنزل عائلته.
ويضيف أن 12 جنديا اقتحموا المنزل وعبثوا به قبل أن يحتجزوه بغرفة ويحتجزوا لينا (39 عاما) في غرفة ثانية، بينما كانت طفلتاه تسترقان النظر من أسفل الغطاء وتبكيان وسط ذعر شديد.
جاؤوا يحملون “تهمة جاهزة”
ولأكثر من نصف ساعة، يقول أبو غلمي إن التحقيق الميداني معه استمر، واحتجزت لينا رفقة مجندات وضباط من المخابرات الإسرائيلية وجرى التحقيق معها لنحو 4 ساعات وسط صراخ الجنود وتعنيفهم “في حين كان جنود آخرون يفتشون غرفة نومنا وقد نبشوا كل محتوياتها”.
ودارت مجريات التحقيق مع نضال حول عمله وسفر لينا الأخير إلى الأردن وعن أموال نقلتها إلى “منظمات إرهابية” وهو ما ينفيه أبو غلمي ويقول إنها “فبركات” وإن الاحتلال جاء يعتقل لينا وهو يحمل معه تهمة جاهزة “وساوموني لإقناعها بالتهمة، وأنها نقلت أموالا تحت الضغط أو بغرض التكسب المادي”.
ويقول إن زوجته انشغلت ومنذ سنوات بعملها بمشتل زراعي بالقرية، ويروي كيف أن مخابرات الاحتلال أوقفتها للتحقيق خلال عودتها عبر جسر الكرامة (اللنبي) من المشاركة بمؤتمر بالأردن نظمته مؤسسة دولية وبرعاية ملكية، وجرى تفتيشها بدقة “وسحب بيانات جهازها الخلوي” قبل إطلاق سراحها.
عام 2004 اعتقل الاحتلال لينا واتهمها ورفيقتين لها إحداهما هي لنان أبو غلمي عمة زوجها بالانتماء للجبهة الشعبية والإعداد لتنفيذ “عملية فدائية” بالداخل المحتل، فحوكمت بالسجن 4 سنوات، ثم أعاد الاحتلال اعتقالها 4 أشهر عام 2013، وهذا الاعتقال الثالث لها.
وفي اعتقالها الأخير، اقتيدت لينا إلى سجن “بتاح تكفا” داخل “إسرائيل” وقضت بالتحقيق أسبوعا كاملا، وعندما فشل الاحتلال بتثبيت الاتهام نقلها لمركز تحقيق الجلمة شمالا ومدد اعتقالها 9 أيام أخرى “للضغط عليها وتلفيق الاتهامات” كما يقول الزوج.
استهداف ممنهج.. لماذا غُيبت لينا؟
منذ سبعينيات القرن الماضي وعجلة الاعتقال تدور في رحى عائلة أبو غلمي، إذ اقتحم المنزل مرات عديدة واعتقل زوج لينا 4 سنوات وأشقاؤه الثلاثة، وقضوا سنوات طويلة، ثم استهدف والده محمد أبو غلمي (68 عاما) فاعتقله 12 عاما.
واعتقلت لنان أبو غلمي (عمة نضال) 7 سنوات بالتزامن مع اعتقال لينا المرة الأولى، واغتال جنود الاحتلال زوج لنان، واعتقل شقيقها عاهد أبو غلمي قبل 20 عاما وحكم عليه بالسجن المؤبد و5 سنوات إضافية بعد اتهامه بالضلوع بقتل رحبعام زئيفي وزير السياحة الإسرائيلي عام 2001.
وهذا ما يزيد يقين الزوج نضال بأن الاحتلال يستهدف لينا لينغص حياتها، ويبرهن لها أنه يرقبها ويعرف تحركاتها لردعها عن الدفاع عن أبناء شعبها لا سيما رفاقها الأسرى، ويقول “حتى الآن لا تهمة مثبتة” على زوجته وتمديد اعتقالها محاولة لتلفيق أي تهمة لها وإدانتها.
كما أن “التغييب القسري” للأسيرة لينا هدفه إبعادها أطول مدة عن بيتها وعائلتها والتضييق على طفلتيها اللتين لا تدركان ما يجري حولهما سوى أنهما أصبحتا بين ليلة وضحاها تعيشان وحدة وفراقا وتواجهان مصاعب الحياة منفردتين وكأنهما كبرتا قبل أوانهما.
وتقول جدتهما لأبيهما أم يوسف والتي تجرَّعت الويل باقتحامات الاحتلال المتكررة لبيتها واعتقال زوجها وأولادها “كلنا نساند الطفلتين في محنتهما ونخفف من الألم” ولكن رغم ذلك تضيف بلهجتها الشعبية “ما بربي (لا يربي) الصوص إلا أمه”.
وفي سجن الدامون الإسرائيلي تقبع أكثر من 30 أسيرة فلسطينية، بينهن 9 أمهات، كانت سعدية فرج الله التي استشهدت أول أمس أكبرهن، وتعاني كثيرات أمراضا مختلفة ويواجهن ظروف اعتقال قاسية.
وجع الفراق
لم تعرف التوأم نتالي ونايا (8 أعوام) معنى السجن من قبل، وتفتقدان الآن حضن الأم الدافئ وقصص ما قبل النوم، وكانتا أولى الاهتمامات عند لينا من أي شيء آخر لا سيما أنها أنجبتهما بعملية زراعة وبعد 4 سنوات من الزواج وأفرغت حياتها لهما.
تقول نتالي للجزيرة نت إنها ظلت وشقيقتها لبضع من الوقت خلال اقتحام الجيش للمنزل وسط خوف شديد حتى تمكن والدها من نقلهما لجدتهما بالطابق الأرضي، وودعتا أمهما وأعينهما تفيض من الدمع على فراقها الذي تعيشانه للمرة الأولى.
ومثل نتالي بدت نايا حزينة على فراق والدتها التي عاشت معها -وقبل ساعات من اعتقالها- فرحة استلام الشهادة المدرسية وهنأتها على تفوقها وشقيقتها.
وحين اعتقلت لينا أول مرة عام 2004 لم يكن نضال يعرفها، فجاء السجن ليقرب المسافة بينهما، فاعتقل هو الآخر بعدها بأشهر وتبادلا معا “رسائل السجن” وبعد الإفراج عنهما تزوجا وأنجبا طفلتيهما.
وفي ظل منع الاحتلال زيارتها يبذل الزوج أبو غلمي جهودا في إثارة قضيتها مستغلا حملة دولية انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنصرتها والضغط للإفراج عنها.