في أعمق وأبرد أجزاء المحيط، يمكن للكائنات البحرية، اللافقاريات بشكل أساسي، أو الحيوانات التي ليس لها عمود فقري أن تصل إلى أحجام هائلة. حيث ينمو الحبار والعناكب البحرية والديدان وأنواع أخرى من الحيوانات إلى أحجام تجعل من الأنواع الأخرى ذات الصلة “قزمة” في جميع أنحاء العالم. وتسمى هذه الظاهرة “العملقة” “Gigantism”.

ووفقا لموسوعة نيوزيلندا تي إرا Te Ara the Encyclopedia of New Zealand، يعتبر الحبار الضخم (Mesonychoteuthis hamiltoni) في المياه الواقعة تحت القطب الجنوبي أطول بحوالي 14 مرة من الحبار السهمي (Nototodarus sloanii) الشائع في نيوزيلندا، كما يوجد حيوان إسفنجي بحري ضخم بحجم شاحنة صغيرة في أعماق مياه المحيط الهادي البعيدة.

 

ولكن ما الذي يجعل مياه المحيطات العميقة والمتجمدة تتسبب في نمو الكائنات بهذا الحجم؟ ووفق تقرير منشور على موقع لايف ساينس Live Science، قد يتطلب البقاء على قيد الحياة ذلك، وقد تسمح العوامل شديدة البرودة في المياه بحدوث ذلك أيضا.

أسباب واحتمالات

في أعمق أجزاء المحيط تكون الموارد محدودة للغاية كما هي الحال في النظم البيئية للجزر، ووفق دراسة نُشرت عام 2006 بدورية “بيوجيوجرافي” Biogeography، ونقلها موقع “جي إس تي أو آر.أورغ” (jstor.org) فإنه يتم إنتاج الكثير من الطعام في المياه الضحلة وجزء من ذلك فقط يتدفق إلى أعماق البحر البعيدة.

 

تقول أليسيا بيتوندو، كبيرة علماء الأحياء المائية في أكواريوم خليج مونتيري في كاليفورنيا The Monterey Bay Aquarium in California، والتي تعمل على الأنواع في أعماق البحار: عندما يكون الطعام نادرا، فإن الحجم الأكبر للكائنات يوفر ميزة كبيرة، حيث يمكن للحيوانات الأكبر حجما أن تتحرك بشكل أسرع وأبعد للعثور على الطعام أو تحديد مكان رفيق، ويكون لديها عمليات أيض أكثر كفاءة وأفضل في تخزين الطعام.

وعندما ينجرف شيء مثل جثة كبيرة إلى المياه العميقة -والكلام لبيتوندو- يمكن للحيوانات المفترسة الكبيرة أن تستهلك المزيد وتخزن هذه الطاقة فترة أطول. ويمكن أن تؤدي درجات الحرارة الباردة في أعماق البحار أيضا إلى تغذية عملية “العملقة” عن طريق إبطاء عملية التمثيل الغذائي للحيوانات بشكل كبير.

الحبار الضخم (Mesonychoteuthis hamiltoni) أطول بحوالي 14 مرة من “السهمي” (غيتي)

تقول بيتوندو إن الكائنات بهذا النظام البيئي غالبا ما تنمو وتنضج ببطء شديد، مثل قرش غرينلاند (Somniosus microcephalus)، حيث يمكن أن يصل طول هذا القرش البطيء الحركة إلى 7.3 أمتار، ويمكن أن يصل وزنه إلى 1.4 طن متري، لكن هذا النمو يصل إليه على مدى عمر يمتد لعدة قرون.

وتضيف: إن أسماك القرش في غرينلاند تنمو حوالي 1 سم سنويا ولا تصل إلى مرحلة النضج الجنسي حتى يبلغ عمرها حوالي 150 عاما، وهذا يرجع جزئيا إلى نقص الحيوانات المفترسة في أعماق البحار، حيث يمكن لأسماك القرش هذه أن تعيش طويلا وتنمو بشكل كبير جدا.

عملقة القارة القطبية

تحدث “العملقة” أيضا بالقرب من السطح في القارة القطبية الجنوبية، حيث يوجد في المياه الضحلة رخويات بحرية عملاقة، إسفنج، ديدان، عناكب بحرية، وحتى كائنات عملاقة وحيدة الخلية تقشعر لها الأبدان.

قرش غرينلاند (Somniosus microcephalus) يمكن أن يصل طوله إلى 7.3 أمتار ويصل وزنه إلى 1.4 طن (الفرنسية)
 

يقول آرت وودز، عالِم الفسيولوجيا البيئية الذي درس العملقة القطبية وأستاذ بجامعة مونتانا في ميسولا The University of Montana in Missoula- لموقع “لايف ساينس”- إنه يمكن العثور على الكائنات العملاقة هذه ضمن نطاق الغوص، بمساحة ضحلة تصل إلى 9.1 أمتار.

ويضيف “قد يكون هناك شيء ما عن القارة القطبية الجنوبية يسمح للأنواع العملاقة بالعيش بالقرب من السطح”. واقترح وودز أن “العملقة” في القارة القطبية الجنوبية يمكن ربطها بإمداد الأكسجين في المياه الباردة المحيطة بالقارة المتجمدة.

ووفق تقرير لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS) فإن تركيز الأكسجين يكون مرتفعا بهذه المياه القطبية، وأوضح وودز أن الحيوانات في هذه البيئات تستخدم الأكسجين ببطء شديد، لأن درجات حرارة الماء البارد تقلل معدلات الأيض. ونظرا لأن الإمداد بالأكسجين الوفير يفوق بكثير طلب الحيوان على الأكسجين، فمن الممكن أن يتم رفع القيود عن الحجم الذي ينمو إليه، حيث تسمح البيئة لهم بتطوير حجم أكبر وأنسجة أكبر دون المعاناة من الحرمان من الأكسجين. وفي حين أن الإمداد الغني بالأكسجين لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة حجم الكائنات البحرية، فمن المحتمل أن يسمح بذلك.

الإسفنج البحري يمكن أن يصل لحجم شاحنة صغيرة (غيتي)
 

وحتى بالنسبة للعمالقة القطبية، يبدو أن هناك حدا لمدى قدرتها على النمو، ففي دراسة نُشرت عام 2017 بدورية “بروسيدنجز أوف ذا رويال سوسايتي”  Proceedings of the Royal Society B، درس وودز وزملاؤه عناكب البحر القطبية العملاقة والتي يمكن أن يصل طولها إلى 30.5 سم، ووجد الفريق أن عناكب البحر الكبيرة لديها مستويات أكسجين منخفضة في أجسامها.

ويعتمد التمثيل الغذائي الهوائي على إمداد الأكسجين، وإذا انخفض بشكل كبير فإن الأنسجة ستعاني من نقص الأكسجين. وقد أفاد الباحثون في الدراسة بأن انخفاض مستوى الأكسجين في العناكب البحرية الكبيرة يشير إلى أن شيئا ما يتغير في توازن العرض والطلب على الأكسجين.

ووفق وودز، ورغم أن هناك العديد من الفرضيات حول العوامل المختلفة التي يمكن أن تنتج عمالقة المحيطات، فلم يتأكد أحد من الآليات الدقيقة التي تؤدي إلى تلك التغييرات الدراماتيكية في حجم الجسم.

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *