لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) ونظيره الإماراتي محمد بن زايد (رويترز)

لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) ونظيره الإماراتي محمد بن زايد (رويترز)

القاهرة – على مدار 3 أيام متواصلة، تحتفل مصر بمرور 50 عاما على تأسيس العلاقات مع الإمارات، تحت شعار “مصر والإمارات قلب واحد”، خلال الفترة من 26 إلى 28 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

فكيف يمكن ترجمة طبيعة العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، في ضوء الجدل الكبير المثار حول الاستثمارات الإماراتية بمصر، ومواقف أبو ظبي من مصالح القاهرة الإقليمية، التي يشكك فيها البعض.

 

وفي حين يصف البلدان العلاقات الثنائية بـ”الإستراتيجية، وتتميز بالخصوصية”، نقلت تقارير محلية حديث مصادر حكومية -لم تسمها- عن “قلق متنام” من طبيعة الاستثمارات والمواقف السياسية للإمارات. وقالت المصادر -وفق ما نقل موقع “مدى مصر”- إن القاهرة اضطرت لـ “تقديم تنازلات” بينها اقتصادية وسياسية لصالح حليفها الرئيسي أبو ظبي، وهو ما لم يتسن الحصول على تعقيب رسمي بشأنه.

وتطورت العلاقات المصرية الإماراتية بشكل كبير منذ صيف 2013، ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في العام الذي تلاه، حيث قدمت أبو ظبي للقاهرة دعما سخيا على المستويين الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي ضوء هذا التباين، وبالتزامن مع الذكرى الـ50 على تأسيس العلاقات الثنائية، والإعلان عن احتفالات ضخمة بمناسبتها، طُرحت تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين البلدين، وهل هي تعاون أم تنافس أم استحواذ؟ وكيف يمكن ترجمة المواقف السياسية لأبو ظبي تجاه الملفات التي تتشابك معها القاهرة؟

أرقام ومؤشرات

  • تتصدر الإمارات قائمة الدول التي تستحوذ على أصول مصرية، كما أنها تعد أكبر مستثمر في البلاد.
  • تعد ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، بينما تعد مصر خامس أكبر شريك تجاري عربي للإمارات.
  • 6.200 مليارات دولار حجم استثمارات الإمارات في مصر.
  • تعمل أكثر من 1250 شركة إماراتية فى مصر، برؤوس أموال تقترب من 20 مليار دولار.
  • قيمة الاستثمارات الإماراتية في مصر ارتفعت إلى 1.9 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2021/ 2022، مقابل 712.6 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.
  • أبرمت الإمارات نحو 20 صفقة للاستحواذ على أصول مصرية عام 2021 بزيادة بنسبة 67% عن العام السابق عليه، بقيمة تقترب من 2 مليار دولار.
  • أغلب الاستحواذات في قطاعات حيوية، منها الإسكان الصحة والغذاء والنقل، وجميعها شركات رابحة، وفق مراقبين.
  • لم تتوقف صفقات الاستحواذ رغم تقارير الرقابة الإدارية ومناشدات نقابة الأطباء وتحرك برلمانيين ومطالب معنيين، في السنوات الأخيرة.
  • تحظى الإمارات بنسبة كبيرة من الاستثمارات في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبنوك، وهي قطاعات كانت مقتصرة على جهات سيادية في الدولة، لاعتبارات لها علاقة بالأمن القومي.

 

ترجمة المواقف السياسية

عادة ما تؤكد حكومتا البلدين، وجود تنسيق مشترك حيال القضايا الرئيسية والملفات الإقليمية، لكن مراقبين حذروا في أكثر من مناسبة من مزاحمة الإمارات مصر، في ملفات تعد هي اللاعب الرئيسي فيها على غرار القضية الفلسطينية، أو دفع أبو ظبي للقاهرة نحو دعم أطراف متصارعة في ليبيا واليمن وسوريا، أو الدخول في مناكفات إقليمية كما في ليبيا ومناطق التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.

 

كما تقاطعت السياسات الخارجية للبلدين في عدة نواح، خاصة تلك التي يتنامى فيها القلق المصري حيال التدخل الإماراتي في ليبيا والسودان وإثيوبيا، خلافا لما أثير سابقا عن خط إماراتية لتدشين ممرات مائية وبرية بديلة لقناة السويس، أحد مصادر الدخل الرئيسية للعملة الصعبة لمصر.

لكن الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد، قال إن المصالح أحيانا تتعارض لكنها لا تظهر على السطح، وهو ما يتشابه مع تناقضات المصالح الإماراتية في العموم مع دول نطاقها الإقليمي، وهي محل شد وجذب، مستبعدا وجود تضارب بين القاهرة وأبو ظبي.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد اللواء عبد الواحد على أن لدى الإمارات إيمانا راسخا بدور مصر المحوري، كركيزة أساسية لأمن واستقرار المنطقة، بحكم التراكمات التاريخية والموقع الجيوسياسي والحضاري، مستشهدا بإشادة القيادة المصرية بذلك في أكثر من مناسبة.

ولربما لتعدد الملفات في المنطقة -وفق عبد الواحد- لا بد أن يكون هناك كافة أشكال العلاقات بين البلدين بداية من التوافق والتضامن والتكامل إلى الاختلاف في وجهات النظر والخلافات.

وعلى الضفة الأخرى، يرى أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق عبد الله الأشعل أن السيطرة السياسية وليس الربح وحده هو الهدف وراء الاستحواذ الإماراتي على شركات وقطاعات حيوية في مصر.

 

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد الأشعل أن مواقف الإمارات غير ودية تجاه مصر، محذرا من تأثير سلبي ومخيف للإمارات على ملفات بلاده الإقليمية، وفق قوله.

تعاون أم تنافس أم استحواذ؟

تعقيبا على ذلك، يقول المحلل السياسي والأكاديمي خيري عمر، إن التطورات اللاحقة منذ وفاة الرئيس الأسبق للإمارات الشيخ زايد بن سلطان (2004)، أسفرت عن تنافسية في بعض الملفات، اتضحت أكثر منذ عام 2014.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال عمر -في تقييمه لأبعاد العلاقات المصرية الإماراتية- إن التأثير النسبي لأي طرف سيكون ضمن مؤثرات نسبية لكل الأطراف.

وفيما يتعلق بملف السد الإثيوبي، وطبيعة الدور الإماراتي، يشير اللواء عبد الواحد إلى أن أبو ظبي لديها استثمارات كبيرة وعلاقات طيبة ودعم سخي لحكومة أديس أبابا، بما يعزز من مصالحها، مشيرا إلى توافق البلدين في الملف السوداني نحو دعم الاستقرار السياسي بما لا يؤثر على الأمن القومي المصري.

وعن حقيقة مزاحمة الإمارات لمصر في الملف الفلسطيني، قال عبد الواحد إن مصر تبقى أكثر الدول خبرة والمحتكر الأساس له، وبالتالي لن تكون هناك عراقيل مع الإمارات وإنما تنسيق مشترك.

 

على الجانب الآخر، يقول المحلل السياسي خيري عمر، إن تأزم الملف الإثيوبي، أعاق مبادرات سابقة لتشكيل تحالف مصري إماراتي سعودي، كانت قد قُطعت فيه أشواط كبيرة، في ضوء ظهور فوارق كبيرة في مصالح كل طرف.

بينما يقول الأشعل، إن الإمارات لا تدعم مصر في ملف السد، وتنظر لمصالحها فقط، بما يخالف الخط الأساسي في التنسيق بين البلدين.

وفي ليبيا، يعتقد الخبير الأمني عبد الواحد، وجود اختلاف في وجهات النظر طبقا للمتغيرات، بالنظر إلى حجم التدخلات الخارجية، بصفة مستمرة، لكنه عاد وأكد أن هذه المتغيرات وإن أنتجت نقاطا خلافية بين البلدين، ولكنهما يبقيان متفقين على أهمية التسوية السياسية والحفاظ على استقرار وأمن الجار الغربي لمصر.

ويتفق معه عمر، قائلا إن مصر لا تريد أن تكون هناك دولة لها شكل ودور مطلق، ما أظهر الفروقات في مصالح الطرفين، مشيرا إلى وجود هامش اختلاف في تقديرات كل دولة وفق مصالحها، كما أن حلحلة الأزمة بشكل فاعل وجاد يحتاج إلى توافق دولي وإقليمي في ضوء تضارب المصالح.

هندسة العلاقات الإقليمية

وفي ضوء ما تشهده المنطقة من إعادة هندسة العلاقات الثنائية، وتداعياتها على العلاقات المصرية الإماراتية، يأمل عبد الواحد -مع بقاء التنافس بين دول المنطقة وتقارب المتنافسين مؤخرا- أن يكون هناك تكامل لإدارة الإقليم بالكامل.

واعتبر أن وجود خلافات في ملفات بعينها يبقى محمودا في الفترة الراهنة، في ضوء التغيرات الدولية التي يصعب التكهن بها، وقد تغير شكل النظام العالمي من جديد.

 

وفي المقابل، يستبعد عمر وجود تحالفات جديدة بالمنطقة، مشيرا إلى أنها مجموعة علاقات ثنائية مفتوحة وليس تحالفات، في سياق إعادة تقييم المصالح.

وشدد على أن أي علاقة من الأفضل أن تكون قائمة على مبادئ التكافؤ والمصالح المشتركة، مضيفا أن تقييم تصاعد النشاط الاقتصادي لأي دولة في دولة أخرى، يرتبط بمدى قوة إدارة الدولة ونسبة التأثير السياسي الذي سيتم تحييده.

أما الأشعل، فيعتقد استمرار العلاقات المصرية الإماراتية طالما بقيت مصالح الطرفين قائمة، وربما تتغير وتيرتها مع وجود حكومات جديدة، إضافة إلى أبعاد إقليمية تؤثر على الطرفين، ظهرت بوادرها مع مساعي تشكيل محور شرق أوسطي يضم إسرائيل لمواجهة إيران، وفق قوله.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة

About Post Author