في ولاية ماساشوستس الأميركية، يمكنك أن تزور العديد من متاحف الفنون الجميلة لكنك أيضا ستصادف أغرب متحف فني في التاريخ، وهو متحف الفن السيئ (MOBA).
أنشأ كل من تاجر التحف سكوت ويلسون وصديقه جيري رايلي هذا الكيان الغريب عام 1994 وله حاليا 3 فروع في ولاية ماساشوستس.
“موبا” هو المتحف الوحيد في العالم المخصص للاحتفاء بالفن السيئ ومن شروط الأعمال المعروضة في هذا المتحف أن تكون أعمالا قبيحة تخالف قواعد الجمال حتى ولو بغير قصد، مما يجعلنا نتساءل عن معنى القبح وهل يمكن أن تكون له معايير نستطيع أن نحدده من خلالها أو أن الأمر يعود فقط لتذوق المتلقي؟
الجمال كهدف نهائي
لم تكن البشرية تحلم بأكثرمن أن يكون الفن جميلا ومثاليا عبر تاريخها، لذلك تأملنا بحب وانبهار لوحات رموز الإبداع الفني من أمثال ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو ورمبرانت، التي تقدم قيما جمالية قائمة على فكرة الفن من أجل الفن، وهكذا اعتبرت الفنون الجميلة دائما أعلى معايير التعبير الفني.
واستمرت تلك النزعة الجمالية المثالية لقرون طويلة لكنها تغيرت من أواخر القرن الثامن عشر ومع بداية ظهور التصوير حيث لم تعد مهمة الفنان تسجيل الطبيعة أو توثيقها نظرا لأن الكاميرا يمكنها أن تقوم بهذه المهمة ببساطة.
وظهرت مدارس فنية تحاول تحرير الفن من ارتباطه بالواقعية، تاركة للمصورين مهمة صنع السجلات المرئية، وبدأ الرسامون في البحث عن أشياء لا يمكن للفوتوغرافيا أن تفعلها.
وظهرت التكعيبية والمستقبلية والتجريد بقوة بعيدا عن الخطوط الواقعية، كما ظهرت التعبيرية التي تدفع الفنان للتعبير عن أفكاره بعيدا عن الصورة الواقعية حتى ترك الرسم وراءه تمثيلات للعالم المادي تماما.
تغير معايير الجمال
وأدى ظهور الفوتوغرافيا إلى تغيير وجه الفن وغيرت الحرب العالمية إلى تغيير معنى الفن ومعايير الجمال؛ وبحلول السنوات الأولى من القرن العشرين افترض الجميع أن كل شيء وصل لذروته عندما تصادمت الرومانسية مع الأسس العقلانية للفاشية.
وأصبح الفن أكثر تشوها وتركيزا على داخل الفنان الذي كان متأثرا بما يحدث حوله، وبالتالي ابتعد عن النزعة المثالية الجمالية التي عرفناها على مدار تاريخ الفن.
وبعدما سيطرت الرغبة في التعبير الشخصي على الفنان، ظهر الهوس بالفرادة وأصبح كل فنان راغبا في صنع عمل فني مميز وفريد تماما منقطع الصلة بما جاء من قبله في تاريخ الفن.
وأعاد الفلاسفة والنقاد تعريف الفن وظهر ما يعرف بالتجريب، حيث أصبحت اللوحة البيضاء مسرحا لأفكار ومشاعر الفنان بكامل حريته دون التقيد بتقاليد الفنون الجميلة كما عرفها تاريخ الفن.
واستخدم العديد من الفنانين هذا الجانب من الواقع لاستحضار ردود فعل عاطفية قوية من خلال صور بشعة أو حقائق وحشية في العالم مثل المرض أو الموت، باستخدام إستراتيجية الفيلسوف الأميركي ستيفن هيكس الذي قال إن الفن القبيح القريب مما يدور داخل الإنسان هو فن علاجي يعبر عما نشعر به فعلا.
لكن هل يمكن للفن القبيح أن يكون جميلا في حقيقته البشعة؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال استلهاما من آراء بعض الفنانين المعاصرين، حيث يوافق الفنان جيمس بربورا على ذلك النهج ويتفاعل مع الألوان على اللوحة في محاولة منه لتغيير الواقع حوله ويشير إلى لوحة فان غوخ “آكلو البطاطس”، ويراها مثالا مناسبا على القبح الذي يقدم فنا جميلا لأن هؤلاء الناس الذين اختار فان غوخ رسمهم ليسوا جميلين في ذواتهم، لكن اللوحة ككيان فني ذاتي منفصل عن الواقع لوحة جميلة وشديدة التعبير عن الواقع الكئيب.
جماليات القبح
بالتوازي مع هذا التغير الكبير في مفهوم الفن والجمال ظهر ما يسمى بـ”جماليات القبح” التي قال عنها الفيلسوف الألماني كارل روزنكرانز إنها حاضرة دائما باعتبارها نقطة ضعف الجمال، بمعنى أننا عندما نضع مفهوما للجمال فإن القبح كمعيار مقابل يقدم نفسه تلقائيا.
ويقول توما الأكويني فيلسوف العصور الوسطى، إن الجمال يتطلب الكمال بحيث تكون الأشياء غير المكتملة هي مرادف للقبح مما يعني أن مفهوم الجمال والقبح تحول إلى مفاهيم نسبية.
ورغم نسبية مفهوم الجمال، هناك بعض الأفكار التي يبدو أنها صمدت عبر الزمن، أهمها: “النسبة الذهبية” التي استعملها فنانو اليونان القديمة في الرسم والنحت والتصميم إضافة إلى مكونات قياسية أخرى في اللوحة مثل التوازن والانسجام والتكوين.
كل هذه المعايير لم تعد معايير في الفن الحديث والمعاصر وأصبح مفهوم الفن أكثر ديمقراطية بحيث يتسع حتى للأعمال الفنية المقززة أو المثيرة للاشمئزاز ولم يعد الحكم على العمل الفني وحده لكن الحكم أصبح على العمل الفني وسياق تنفيذه ثقافيا واجتماعيا، إذ لم يعد مقبولا أن ينتج الفنان لوحات الزهور والطبيعة بينما الحرب تستعر حوله وأصبح الفن يحمل معنى أكثر ذاتية وتحولت تلك الذاتية إلى معيار جديد لتقييم الفن.