برّأت محكمة يونانية اليوم الثلاثاء 9 مصريين متهمين بالتسبب في واحد من أخطر حوادث غرق المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، وذلك في اليوم الأول من محاكمتهم.
وقال قاضي محكمة كالاماتا (جنوب) إن المحكمة “تعلن تبرئة المتهمين التسعة” وإسقاط كل التهم الموجهة إليهم.
وبعد مرور حوالي سنة على غرق سفينة الصيد الذي خلّف أكثر من 80 قتيلا وحوالي 600 مفقود، واجه المتهمون التسعة تهمة “تسهيل الدخول غير القانوني للمهاجرين إلى المنطقة” والتسبب بـ”القتل نتيجة الإهمال”. كما واجهوا عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة “الانتماء إلى منظمة إجرامية”. وهم رهن الحبس الاحتياطي منذ 11 شهرا تقريبا.
وكشف تحقيق للجزيرة منتصف فبراير/شباط الماضي أن جميع المتهمين التسعة لم يكونوا من بين المهربين الذين نظموا الرحلة أو استفادوا منها، وأوضح الأشخاص التسعة -في حديثهم لمراسلي الجزيرة- أنهم كانوا مجرد ركاب نجوا من الغرق، بل اتهموا خفر السواحل اليوناني بالتسبب في انقلاب القارب المكتظ.
وأخبر المتهمون -الذين تمت تبرئتهم- مراسلي الجزيرة وشركاءهم أن الادعاء اليوناني لم يأخذ شهاداتهم بدقة واهتمام، وأنهم وقعوا على أوراق لم يفهموها تحت ضغط العنف أو التهديد باستخدامه.
وكان تحقيق استقصائي آخر للجزيرة نت -نشر بعد قرابة 72 ساعة من تأكيد غرق القارب- أكد أن خفر السواحل اليوناني طلب من المركب أن يتبعه، وحينما تعطل محرك قارب اللاجئين سحبه خفر السواحل بحبل تم ربطه بالقارب، وهو ما أدى لتمايله بشدة قبل أن ينقلب ويغرق أغلب ركابه، وفق شهادات عديدة من الناجين وأقاربهم ونشطاء تواصلوا مع ركاب المركب عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة لنشطاء مستقلين وخبراء قانون دولي كذّبوا رواية اليونان.
“نجوت من الغرق لأصبح متهما”
وقال أحد الذين تم تبرئتهم خلال الجلسة: “كنت في المستشفى، بالكاد نجوت من غرق السفينة ووجدت نفسي متهما، ولا أعرف السبب”.
وأشار آخر إلى أنه دفع للمهربين 150 ألف جنيه مصري (حوالي 2950 يوروا) كلفة هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى إيطاليا.
وقال ثالث: “لقد بعت كل ممتلكاتي للقيام بهذه الرحلة، أريد مساعدة عائلتي، لا أعرف سبب وجودي في السجن”.
وتجمع نحو 30 شخصا أمام محكمة كالاماتا قبل افتتاح جلسات الاستماع وسط أجواء متوترة. وهتف يساريون ومناهضون للعنصرية: “هذه الجريمة لن تُنسى!”.
وقال أحدهم -واسمه باناغيوتيس ميرديكاس (45 عاما)- لوكالة الصحافة الفرنسية إنه تم اعتقال شخصين، وتابع: “نحن نتظاهر سلميا. نشروا قوات مكافحة الشغب، وتم اعتقال شخصين”، من دون أن تقدم الشرطة أي توضيحات.
وقالت قريبة لأحد المتهمين أتت من إيطاليا إن قريبها بريء، وتابعت: “جاء إلى أوروبا للبحث عن مستقبل أفضل، هذا كل شيء، هو ليس مجرما”.
وقال محامو المتهمين التسعة الذين تراوح أعمارهم بين 21 و37 عاما إنهم “كبش فداء لتغطية مسؤوليات سلطات الموانئ اليونانية”.
كما شككوا في اختصاص المحكمة اليونانية بالحكم في هذه القضية لأن غرق السفينة حصل في المياه الدولية.
وحذرت منظمة هيومن رايتس ووتش من “خطر حقيقي يتمثل في إدانة هؤلاء الناجين التسعة على أساس أدلة غير كاملة ومشكوك فيها”، بحسب تعبير جوديث سندرلاند المديرة المساعدة لأوروبا وآسيا الوسطى في المنظمة.
وندد المدافعون عن المتهمين بوجود مخالفات إجرائية خطيرة في التحقيق؛ إذ قبض على موكليهم بعد 24 ساعة فقط من نجاتهم من المأساة، على أساس 9 شهادات فقط.
وقال بعض الناجين إنهم “اضطروا تحت ضغط الشرطة اليونانية، إلى اتهام أشخاص استنادا إلى صور لم تكن واضحة تماما”، كما أوضحت المحامية إيفي دوسي، قبل أيام قليلة من بدء جلسات الاستماع.
وقالت: “كانوا في حالة صدمة، وفجأة اعتقلوا من دون أن يفهموا السبب!”.
وأشارت جمعيات معنية بمساعدة المهاجرين ووسائل إعلام دولية إلى مسؤولية عناصر خفر السواحل الذين تدخلوا بعد وقت طويل من وقوع الحادث.
من أغرق القارب؟
في ذلك اليوم الدامي 14 يونيو/حزيران 2023، انقلبت السفينة المحملة بنحو 750 شخصا، بينهم مهاجرون مصريون وسوريون وباكستانيون وأفغان وفلسطينيون، ومن بينهم أطفال ونساء. وكان قارب الصيد الأزرق المتهالك قد أبحر من سواحل ليبيا قبل 5 أيام من حادث الغرق.
وتم انتشال 84 جثة فقط وتم إنقاذ 104 من ركاب القارب، وهو ما يعني أن المئات ماتوا في واحدة من أسوأ كوارث قوارب اللاجئين المسجلة في البحر الأبيض المتوسط على الإطلاق.
وتقول مجموعات حقوقية ونشطاء وبعض الناجين إن مسؤولي خفر السواحل اليوناني أخفقوا في أداء واجبهم -وفق القانون الدولي- بإنقاذ الأرواح في البحر.
وقال أحمد (أحد الناجين) إنه رأى المتهمين التسعة في أثناء الفوضى عندما بدا أن السفينة على وشك الانقلاب، وبدأ الركاب في الذعر والركض حولها، إذ “كانوا يوجهون الناس فقط عندما بدأت سفينتنا في الميل.. كانوا يصرخون في الناس في محاولة لتثبيت السفينة المائلة”.
وصرح 7 من المتهمين بأنهم رأوا قارب دورية خفر السواحل اليوناني يربط حبلا بالسفينة قبل غرقها، وسحب الضباط اليونانيون القارب فجأة مرة واحدة، ثم مرتين بعدها، وهذا ما تسبب في انقلاب القارب وغرقه في البحر المتوسط، كما يقولون.
وقال فتحي (اسم مستعار لأحد الرجال المتهمين): “رأيت القارب اليوناني وقد ربط حبلا أزرق سميكا، حبلا واحدا، بوسط القارب”، وتابع: “سحبوا القارب، ثم مال جانبا، ورأوا أنه يميل، وواصلوا السحب، فتم قلب القارب رأسا على عقب.. قارب يوناني، جرّنا وأغرقنا، وقتل إخواننا وأصدقاءنا، والآن انظر إلي وقد أصبحت في السجن”.
وصرح اثنان من المتهمين بأنهما كانا محتجزين ولم يفهما ما حدث حتى بعد وقوع الكارثة، عندما كانا على متن قارب خفر السواحل اليوناني.
وقال ناجيان سوريان للجزيرة إنهما شاهدا خفر السواحل اليوناني يجر قارب اللاجئين.
من جهته، قال محمد (اسم مستعار) عن المصريين المحتجزين التسعة: “لم تكن لهم علاقة بغرق القارب. هذا واضح”.
“عليك أن تفكر بطريقة منطقية. كان المركب الغارق قاربا كبيرا ولم يكن ليغرق لو لم يتدخل أحد. كان المحرك معطلا، لكنه كان يمكن أن يظل القارب طافيا. خفر السواحل اليوناني هو المسؤول بالفعل عن الغرق (المتعمد)”.
من ناحيته، نفى خفر السواحل اليوناني الاتهامات، قائلا إن لديه “احتراما مطلقا للحياة البشرية وحقوق الإنسان”.