مُنحت جائزة “ليفر إنتر” الأدبية الفرنسية لعام 2022، أمس الاثنين، إلى الكاتب البلجيكي أنطوان ووترز (41 عاما) عن روايته “محمود أو الطوفان” (Mahmoud ou la montee des eaux) المستوحاة من أجواء الحرب السورية، حسب ما أعلنت إذاعة “فرانس إنتر” (France Inter) العامة التي يشكّل مستمعوها لجنة التحكيم.

هذه الرواية القصيرة عبارة عن مونولوغ نثري (أشبه بالشعر الحر) يتذكر فيه شاعر سوري مسنّ -يمضي تقاعده على ضفاف بحيرة- لحظات مؤلمة في حياته وفي تاريخ بلاده التي ضربتها الحرب.

 

محمود وبحيرة الأسد

وبطل الرواية هو رجل سوري طاعن في السن كان شاعرا ومدرسا يدعى محمود، يجدف على متن قارب وحيدا في وسط مساحة شاسعة من المياه، وتحته منزل طفولته، الغارق في بحيرة الأسد التي أصبحت واقعا مؤلما بعد اكتمال بناء سد الطبقة عام 1973.

يغلق محمود عينيه أمام الحرب الهادرة، ويجهز نفسه للغوص بقناع وأنبوب للغطس تحت الماء، ويعاود الغوص يوميا في الماء ليرى حياته كلها مرة أخرى، أطفاله في الوقت الذي لم يغادروا فيه بعد للقتال ضد بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية، وسارة زوجته المجنونة بحب الشعر، والسجن، وحبه الأول، وتعطشه للحرية.

Mahmoud ou la montée des eaux المصدر: Lorraine Wauters
الروائي البلجيكي أنطوان ووترز مؤلف الرواية (لورين واترز)

وقال الكاتب الفائز عبر إذاعة فرانس إنتر -أمس الاثنين- “قلت لنفسي إني سأكتب تاريخ سوريا بصوت هذا الرجل المسن، بتركه ينغمس في ذكرياته ومياه هذه البحيرة، بكلام شعري بسيط للغاية”.

رغم أن المؤلف لم يسع من قبل إلى وضع قصصه في إطار مكاني وزماني دقيق، فإن هذه المرة تبرز سوريا بوصفها خلفية. بعد 6 سنوات من اندلاع الثورة السورية عام 2011، قرر ووترز مواجهة واقع قاس.

يتسم العمل بهالة مجازية هائلة، ويتساءل عن المياه التي تغمر الحياة، تدور أحداث الحبكة عام 2017، الراوي سوري يبلغ من العمر 70 عامًا، وهو قريب من عمر الجمهورية السورية، حسب منصة “أكتشواليته” (actualitte) الثقافية.

وفي أحداث الرواية، يبحر الراوي في البحيرة ويغطس ليجد ذكرياته وأطفاله وزوجته وسلام بلاده. وقبل كل شيء، يضع ووترز نفسه بأريحية -وهو شاب بلجيكي- مكان رجل سوري كبير في السن، ويظهر كيف يمكن للأدب أن يتناول تجارب لم يعشها كاتبها.

تدور الرواية في عالمين، عالم فوق الأرض وآخر تحت الماء، وتدعونا رحلة البطل ذهابا وإيابا بين العالمين للتأمل في الحلم والواقع، وتتأمل في التناقضات بين مجتمع السلم ومجتمع الحرب اللذين يربط بينهما تفاصيل حياتية صغيرة على غرار “آذان مثل أجنحة الفراشة، بارزة لكنها مرنة جدا، جميلة جدا” و”أوراق المشمش التي كنت لآكل منها”.

 

روائي شاب

وحصل أنطوان ووترز -المنحدر من منطقة لييج البلجيكية- على سلسلة جوائز أدبية، بينها جائزة مارغريت دوراس، وجائزة ويبلر. كذلك فاز بجائزة غونكور للمقالات الأدبية لعام 2022 عن “متحف التناقضات”، وهي مجموعة من 12 خطابا لأشخاص متمردين.

وعمل أنطوان ووترز بداية مدرّسا في التعليم العالي، قبل أن يلفت الانتباه عام 2014 بروايته الأولى “أمهاتنا” (Nos meres) التي تحكي عن طفل فرّ من الحرب في الشرق الأوسط إلى المنفى في أوروبا.

واختير كتاب “محمود أو الطوفان” من بين 10 أعمال متنافسة، من جانب لجنة تحكيم مكونة من 24 مستمعا لإذاعة فرانس إنتر من جميع مناطق فرنسا، برئاسة الروائية دلفين دو فيغان.

وسافر أنطوان ووترز كثيرًا إلى لبنان، كما أنه يلتقي والعديد من الشعراء السوريين الذين استقروا في فرنسا، وفي عام 2021 استوحى الكاتب من هذه اللقاءات ونشر روايته المكتوبة بلغة الشعر الحر، متتبعا فيها قصة الشاعر المسن الذي تجرأ على قول “لا” لحزب البعث واختار صوت الكتابة واللاعنف.

المصدر : الجزيرة + الفرنسية + مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *