القاهرة – احتفل محرك البحث غوغل بذكرى ميلاد الفنان الراحل محمود عبد العزيز التي تحل اليوم السبت الرابع من يونيو/حزيران؛ إذ وُلد الفنان الكبير في مثل هذا اليوم سنة 1946. وغيّر محرك البحث غوغل واجهته بصورة للفنان الراحل محمود عبد العزيز من فيلم “الكيت كات”.
ولد عبد العزيز في الإسكندرية وتخرج في جامعتها بعدما حصل على بكالوريوس الزراعة عام 1966، ثم على درجة الماجستير في العلوم الزراعية، قبل أن تبدأ مسيرته السينمائية في سبعينيات القرن الماضي.
وفي السبعينيات، كانت الفرص سانحة لتخريج جيل جديد من أبطال الشاشة، أو ما يُعرف بـ”فتى الشاشة” بعد تجاوز السينما مرحلة شباب جيل الخمسينيات أمثال رشدي أباظة وشكري سرحان وعمر الشريف الذي فتح لنفسه سبيلا في دروب السينما العالمية، وفي تلك الفترة تغيرت ملامح فتى الشاشة قليلا ليتمكن ممثل مثل محمود ياسين الأسمر أو حسين فهمي الأشقر ذي الشعر الذهبي من احتلال مساحة لا بأس بها من الأدوار على الشاشتين السينمائية والتلفزيونية، حتى إن حسين فهمي تمكن من تأدية دور البطولة أمام السندريلا سعاد حسني في فيلم “خلي بالك من زوزو” الذي ظل معروضا على شاشات السينما لمدة تزيد على عام كامل.
شاب وسيم بعيون ملونة
في هذه الفترة كان الباب مفتوحا أمام شاب جديد اسمه محمود عبد العزيز ليكون أحد فتيان الشاشة المصرية، لينال حصة من أدوار حسين فهمي فهو مثله أشقر بعيون ملونة لكنه أطول قليلا، ويبدو أن هذه المكانة كانت مرسومة له في بدايات أدواره الثانوية في فيلم “الحفيد” 1972 وحتى فيلم “أقوى من الأيام” 1979، مجرد شاب وسيم تحبه البطلة أو شاب عادي بريء، ويبدو أن الشاب الذي صار في منتصف ثلاثينياته قرر التمرد على حصره في أدوار الفتى الوسيم، ففي نفس العام 1982 قدم محمود عبد العزيز دور الرجل المهزوم الواقع تحت سيطرة زوجته السابقة في فيلم “وكالة البلح”، ورجل تحطمت آماله في فيلم “العار” وهي أدوار لم تلعب فيها الوسامة دورا بقدر ما لعبت قدراته التمثيلية.
التمرد على مواصفات الشكل
ويبدو أن خطوات محمود عبد العزيز في مسيرته التمثيلية بدءا من عقد الثمانينيات كانت نتيجة قرار واعٍ، فهو ممثل لا يعتمد على قدراته الشكلية فقط، بل يختار أدواره بعناية لينوع بين شخصياته، وليقدم في عقد الثمانينيات مجموعة من أدواره الخالدة، منها؛ جمال أبو العزم أو “مزاجنجي” في فيلم “الكيف”، والزوج سمير في “الشقة من حق الزوجة”، والجاسوس في فيلم “إعدام ميت” في عام 1985 وحده، واللص/ رجل الدين في “الحدق يفهم”، والفتوة فرج الجبالي في “الجوع” والعقيد اللطيف في الحياة العادية، بينما يخلع ثوب اللطف في أثناء تأدية عمله مأمورا في السجن في فيلم “البريء” عام 1986.
فضلا عن مجموعة من الأفلام الاجتماعية الكوميدية الظريفة التي قدمها مع المخرج رأفت الميهي مثل “السادة الرجال” 1987 و”سمك لبن تمر هندي” 1988 و”سيداتي آنساتي” 1989. وكلها أدوار جريئة تحتاج إلى قرار واعٍ ورهان على قبول الجمهور وفهمه لطبيعتها، وتتلخص أدواره تلك في كون البطل شخصا خفيف الظل أحيانا ومغفلا أحيانا أخرى، بدون التطرق إلى كونه وسيما أو غير ذلك.
رأفت الهجان.. 30 عاما من المشاهدة بلا ملل
وكانت الثمانينيات والتسعينيات مرحلة فارقة في مسيرة الممثل المصري محمود عبد العزيز، الذي ربى “كرشا صغيرة” ليؤكد بعده عن أدوار فتى الشاشة لصالح أدوار الرجل الظريف غير المبالي الذي يشبه غالبية جمهوره، حتى جاء دوره الذي لا يُنسى “رأفت الهجان” أو ديفيد شارل سمحون.
و”رأفت الهجان” هو الجاسوس المصري المزروع في قلب المجتمع الإسرائيلي، والذي يورط جمهوره عاطفيا معه في رحلته كبطل، جمهور متوتر في لحظات الانتصار والهزيمة، في لحظات شارف فيها على انكشاف أمره، ولحظات تمكن من خديعة أفراد الموساد بذكائه وخفة ظله وقدرته على التصرف، في مسلسل لا يزال يجد طريقه إلى الجمهور حتى بعد أكثر من 30 عاما من عرضه الأول.
الشيخ حسني.. أعمى ينكر عماه
في تلك الفترة احتل محمود عبد العزيز مكانة راسخة عند الجمهور، كنجم شباك مضمون النجاح، ليس من باب الوسامة الشكلية وإنما من باب القدرات التمثيلية وعنايته في اختيار الأدوار التي يقدمها، فقدم أحد أهم أعمال السينما المصرية في فيلم “الكيت كات” ودور “الشيخ حسني” الأربعيني الأعمى الهارب من تحمل المسؤولية إلى تعاطي الحشيش ومشاكسة الجيران برغبة عارمة في الاستمتاع بالحياة إلى أقصى درجاتها.
خيارات فنية سيئة الحظ
وفي التسعينيات كان محمود عبد العزيز نجما راسخا حقق قدرا كبيرا من النجاح الجماهيري، وربما هذا ما منحه حرية أكبر في الاختيار والتجريب من دون أن يشغل نفسه برد فعل الجمهور، وهو ما يتضح في خياراته السينمائية المتنوعة، إذ قدم عدة أفلام لم تلق نجاحا في شباك السينما وإنما قدمها فقط لأنه أراد تقديمها، منها فيلم “خلطبيطة” 1994 المقتبس عن رواية “المحاكمة” للكاتب النمساوي فرانز كافكا، وفيلم “البحر بيضحك ليه” 1995 وفيلم “القبطان” 1997.
وتواصلت معه هذه الأفلام حتى مطلع الألفية كذلك، فقدم أفلاما مثل “سوق المتعة” 2000، وفيلم “الساحر” 2001، وبينما لاقت هذه الأفلام إعجابا وإشادة نقدية، لم تحقق أي صدى جماهيري، خاصة مع منع “سوق المتعة” من العرض، وبطبيعة الحال أتت اختيارات محمود عبد العزيز الفنية على حساب رصيده الجماهيري، بالتزامن مع تقدمه في العمر ليقرر العودة إلى الدراما التليفزيونية مع مسلسله “محمود المصري” عام 2004.
عبد الملك زرزور.. أسد عجوز مرعوب من نفسه
عاود محمود عبد العزيز اختفاءه قبل أن يعود في أدوار مشاركة مثل فيلم “ليلة البيبي دول” عام 2008، ثم قدم أحد أدواره الفارقة في العام التالي 2009 شخصية “عبد الملك زرزور” في فيلم “إبراهيم الأبيض”، وقد قدم محمود عبد العزيز في هذا الفيلم مشاهد تُدرّس بفن التمثيل، ففي 20 ثانية فقط تحوّلت تعبيرات وجهه بين الغضب والحزن والرعب والحسرة، غضب من خيانة زوجته الشابة، وحزن بعد قتلها، ورعب من نفسه القاتلة وحسرة على خسارته لها، قتلها والتفت ليتأكد أنه بالفعل قتلها بيده.
العودة للدراما التلفزيونية
كانت شخصية عبد الملك زرزور بمثابة مباراة اعتزال سينمائية مهيبة، وهي آخر أدوار محمود عبد العزيز على الشاشة الكبيرة، دور يليق بإنهاء المرحلة السينمائية كسطوع أخير لنجم يتفجر بالموهبة، قبل أن يركز جهوده على الدراما التلفزيونية، فقدم 3 مسلسلات في 3 مواسم رمضانية “باب الخلق” 2012، و”جبل الحلال” 2014 وأخيرا “رأس الغول” 2016، قبل أن يتوفاه الله في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه عن عمر ناهز الـ70 ورحلة سينما امتدت لأكثر من 40 عاما، وأكثر من 110 أعمال سينمائية وتلفزيونية.