يهدد التضخم الأميركي وأزمة الطاقة في أوروبا وتفشي أوميكرون في الصين الاقتصاد العالمي بالتباطؤ، وفقا لمجلة إيكونوميست البريطانية (The Economist)، والتي تقول في تقرير لها إنه قبل عام واحد فقط كان الاقتصاديون في العالم يحتفلون بالانتعاش السريع من الركود، وهم الآن قلقون من أن الانكماش يلوح في الأفق.
وفي أميركا يستعد الاحتياطي الفدرالي لخوض معركة مع ارتفاع معدلات التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة بحدة وتقليص ميزانيته العمومية، وتعمل الطاقة الباهظة الثمن في أوروبا على تقليص قدرة المستهلكين على الإنفاق وتجعل تشغيل المصانع أكثر تكلفة.
وفي الصين، أدى تفشي متغير أوميكرون إلى قيام السلطات بفرض أقسى عمليات الإغلاق منذ بداية الوباء.
إنه مزيج قاتم للنمو العالمي، والآفاق تبدو قاتمة، ومن الممكن أن تعاني العديد من الاقتصادات من الركود وإن كان ذلك في أوقات مختلفة اعتمادا على العقبات التي تواجهها.
وعن الاقتصاد، يقول التقرير إن الإنتاج لا يستطيع تلبية الطلب، وإن المعدل السنوي لتضخم أسعار المستهلك هو 7.9%، وارتفعت الأجور في الساعة بنسبة 5.6% مما كانت عليه قبل عام.
التضخم والبطالة
وأشار التقرير إلى وجود ما يقارب ضعف عدد فرص العمل المتاحة للعمال العاطلين عن العمل في أميركا، وهي أعلى نسبة منذ 70 عاما، وإلى أن محافظي البنوك المركزية كانوا يأملون العام الماضي في عودة الأميركيين الذين تركوا أعمالهم بعد تفشي الوباء، مما يساعد على تهدئة سوق العمل.
وفي الأشهر الستة الماضية عاد أكثر من نصف العمال الذين فقدوا أعمالهم، ومع ذلك فقد ارتفع نمو الأجور ربما لأن العمال يتفاوضون بجد، فيما يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تراجع مستويات المعيشة.
وقال التقرير إن بنك الاحتياطي الفدرالي بحاجة إلى نمو الأجور والأسعار حتى يهدأ إذا كان سيصل إلى هدف التضخم البالغ 2%، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل -التي بدأت هذا العام دون 0.25%- إلى أكثر من 2.5% بحلول ديسمبر/كانون الأول، وأن تتجاوز 3% في عام 2023.
واتبع البنك المركزي هذا الأسبوع خطة لتقليص مقتنياته من السندات البالغة 8.5 تريليونات دولار، وذلك ابتداء من مايو/أيار بوتيرة أسرع بكثير مما كانت عليه خلال الفترة الأخيرة من “التشديد الكمي”.
أزمة الطاقة
وتعاني أوروبا أيضا من مشكلة تضخم، ولكن سببها حتى الآن هو ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية المستوردة أكثر من ضعف الإنتاج، وتهدد الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات الغربية إمدادات الطاقة في القارة، وستكون أسعار الغاز في الشتاء القادم أعلى بـ5 مرات مما هي عليه في أميركا، والإنفاق على الطاقة المنزلية يبلغ ضعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (ويرجع ذلك جزئيا إلى أن أوروبا أفقر)، ومع ارتفاع أسعار الطاقة تراجعت ثقة المستهلك، والشركات أيضا تعاني، وقد انخفض الإنتاج الصناعي الفرنسي في فبراير/شباط الماضي.
ومن المحتمل أن يستمر اقتصاد منطقة اليورو في النمو في عام 2022 ككل، لكنه يبدو نموا هشا، فإذا توقفت أوروبا عن استيراد الغاز الروسي -سواء لأنها اختارت ذلك أو قرر الكرملين قطع الإمداد- فإن خطر حدوث ركود سوف يرتفع.
أوميكرون
إن الخطر الذي يهدد النمو العالمي جراء تفشي أوميكرون في الصين هو الأشد خطورة، فقد أبلغت الصين عن أكثر من 20 ألف إصابة جديدة بالفيروس في 6 أبريل/نيسان الجاري، ونظرا لأن الحكومة ملتزمة بالقضاء على “كوفيد-19” فإن سكان شنغهاي البالغ عددهم 26 مليونا وسكان المدن الكبرى الأخرى التي تفشى فيها المرض يخضعون للإغلاق.
وإذا كانت العلاقة السابقة بين عمليات الإغلاق والناتج المحلي الإجمالي صامدة فسيكون إنتاج الصين في الوقت الفعلي أقل بنسبة 7.1% مما كان عليه في عالم بلا قيود.
ووفقا لغولدمان ساكس (The Goldman Sachs)، ستؤدي عمليات الإغلاق أيضا إلى تعطيل التجارة العالمية التي لا تزال تعاني من مخلفات ما كانت عليه في وقت سابق من الوباء، وشنغهاي هي أحدث ميناء عالمي تُشاهد فيه مئات السفن تنتظر خارجه للتحميل أو التفريغ.
وحث الرئيس الصيني شي جين بينغ المسؤولين على خفض قيود الوباء، ولكن إذا تم تخفيف هذه القيود في وقت مبكر جدا فسوف تشهد الصين موجة من العدوى والوفيات مثل تلك التي ابتليت بها هونغ كونغ مؤخرا، وهذا من شأنه أن يخيف المستهلكين ويصبح مصدر اضطراب اقتصادي في حد ذاته، وإلى أن تقوم الصين بتلقيح كبار السن بأعداد كافية باستخدام طرق العلاج الأكثر فاعلية فإن عمليات الإغلاق ستكون سمة دائمة لاقتصادها ومصدرا للتقلبات العالمية.
وختمت المجلة تقريرها بأن اللوم في العديد من مشاكل الاقتصاد العالمي يقع على عاتق صانعي السياسة، إذ كان من المفترض أن تكون مهمة بنك الاحتياطي الفدرالي تجنيب الاقتصاد المصاعب المتوقعة، فيما تركت الحكومات الأوروبية القارة تعتمد على الغاز الطبيعي الروسي، وكانت مشكلة الصين في القضاء على أوميكرون متوقعة على نطاق واسع، والخوف من الركود الاقتصادي اليوم يمكن تجنبه.