مع عرض الفيلم السادس من “جوراسك بارك”.. استنساخ الديناصورات المنقرضة بين السينما والعلم
تبدأ دور السينما حول العالم -اليوم الاثنين- في عرض الفيلم السادس ضمن سلسلة أفلام “جوراسك بارك” (Jurassic Park) والثالث ضمن ثلاثية “عالم الديناصورات” تحت عنوان “جوراسك ورلد دومينيون” (Jurassic World Dominion)، وتدور أحداثه حول انتشار الديناصورات في العالم بعد تدمير جزيرة المحمية وصراعها مع البشر على الهيمنة والسيطرة على الكوكب.
طفرة في سينما الخيال العلمي
كان عرض فيلم “جوراسك بارك” (محمية الديناصورات) عام 1993 للمخرج ستيفن سبيلبيرغ طفرة في سينما الخيال العلمي المرتبطة بعلوم الأحياء والهندسة الوراثية والاستنساخ، وأشعل خيال علماء الأحياء أنفسهم قبل أن يثير اهتمام الناس بسؤال جوهري تحيط به العديد من الإشكاليات الأخلاقية، ألا وهو هل يستطيع العلماء يومًا ما استنساخ الحيوانات المنقرضة من حمضها النووي؟
ورغم غرابة الفكرة وكونها أقرب للخيال منها إلى الحقيقة، فإن التطورات العلمية في تقنيات الاستيلاد الانتقائي والهندسة الوراثية، والاستنساخ التناسلي شجعت العلماء على التفكير في ذلك، بل والسعي لتحقيقه، خاصة مع نجاح استنساخ حيوان ثديي لأول مرة عام 1996 -النعجة دوللي- باستخدام تقنية “نقل نواة الخلية الجسدية” (SCNT). ومن المفارقات أن أول فيلم في سلسلة “محمية الديناصورات” بدأ عرضه قبل ذلك بـ3 أعوام. فهل كان الفيلم ملهما للعلماء لاستنساخ النعجة دوللي؟ ربما لا نعرف أبدا الإجابة.
يحلم كثير من العلماء بإعادة الحيوانات المنقرضة للحياة، على غرار أفلام عالم الديناصورات. وهناك العديد من المحاولات الشهيرة من أولها ما ذكرته الموسوعة البريطانية عن تجربة استنساخ “الوعل البيريني” (Pyrenean ibex) المنقرض، عبر استخدام تقنية “نقل نواة الخلية الجسدية” لكن الوعل المستنسخ مات بسبب عدوى في الرئة بعد دقائق من ولادته.
إعادة ضفدعة منقرضة للوجود!
أما أكبر إنجاز حققه العلماء في إعادة الحيوانات المنقرضة للوجود، فقد تمثل في تجربة الضفدعة التي انقرضت عام 1983 وكانت تشتهر بابتلاع بيضها حتى يفقس في معدتها ولهذا سميت بـ”الضفدعة المتكاثرة معويا” (Gastric-Brooding Frog).
استطاع العلماء -ضمن “مشروع لازاروس” (Lazarus Project) الذي تديره جامعة نيوكاسل- إعادة الضفدعة المنقرضة للوجود عن طريق استنساخ أجنة الضفدعة المنقرضة باستخدام تكنولوجيا استنساخ متقدمة لغرس “نواة خلية ميتة” في بويضة نوع آخر من الضفادع بعد نزع نواتها الأصلية.
ومع أن المحاولة نجحت تقنيا، لكن الأجنة عاشت أياما قليلة فقط ثم ماتت. وقد صنفت مجلة “تايم” (Time) التجربة ضمن أفضل 25 اختراعا خلال عام 2013، لأنها نجحت في إحياء الضفدعة المنقرضة حتى لو كان ذلك لفترة قصيرة من الوقت.
إحياء الماموث الصوفي
يجري السباق حاليا بين مؤسستي “كولوسال للعلوم البيولوجية” التي أسسها الدكتور عالم الجينات الشهير جورج تشيرش، الأستاذ في جامعة هارفارد، ومؤسسة “ريفايف آند ريستور” على إعادة “الماموث الصوفي” (woolly mammoth) المنقرض قبل 4 آلاف عام.
وقد تلقت مؤسسة كولوسال تمويلا أوليا قدره 15 مليون دولار ثم حصلت في مارس/آذار الماضي على تمويل استثماري قيمته 60 مليون دولار. ومن المفارقة أن المنتج التنفيذي لأفلام “عالم الديناصورات” كان من بين المساهمين.
ويتطلع الباحثون إلى دمج الحمض النووي لحيوانات الماموث المحفوظة في الجليد لآلاف السنين مع الأفيال الآسيوية المعاصرة، لتكتسب جميع خصائص الماموث الصوفي وتعيش في الأماكن الباردة التي كان يتجول فيها الماموث العملاق قبل آلاف السنين.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، إذا نجح العلماء في المستقبل القريب في إعادة الماموث المنقرض، فهل معنى ذلك أنهم سينجحون في إعادة الديناصورات لعالمنا؟
استخلاص الحمض النووي للديناصورات
الفكرة الأساسية للأفلام ومن قبلها الروايات الأصلية تعتمد على إعادة الديناصورات المنقرضة لعالمنا باستنساخها من الحمض النووي المستخلص من دمائها التي امتصها البعوض قبل أن تتجمد في عنبر الأشجار. وبعد ذلك تأتي مرحلة بناء الجينوم الكامل من هذا الحمض النووي واستكمال الأجزاء الناقصة من شفرة الحمض النووي للضفادع، ثم وضع الشفرة الوراثية الكاملة بعد ذلك في بيض النعام أو الإيمو غير المخصب.
ثمة إشكاليات في هذا الطرح؛ فمن أجل إحياء عدد كبير من الديناصورات المنقرضة، فإن ذلك يتطلب أن يتصادف لديك عدد كبير من البعوض المجمد في العنبر الذي تغذى على دماء من أنواع مختلفة من هذه الديناصورات.
وبافتراض وجود هذا العدد الكبير من البعوض وعينات الدم الوفيرة للديناصورات، تبقى مشكلة بيولوجية ليس لها علاقة بالتقدم العلمي ألا وهي أن الحمض النووي مثل كل المواد الطبيعية العضوية يضمحل ويتدهور بمرور الوقت.
فقد توصل الباحثون إلى أن العمر النصفي للحمض النووي يساوي 521 سنة، وهذا يعني أنه بعد مرور هذه الفترة، فإن نصف الروابط بين النوكليوتيدات (الوحدات الأساسية في بناء الحمض النووي) ستتحلل، وبعد 521 سنة أخرى سيتحلل النصف الباقي من هذه الروابط.
ويعتقد باحثو هارفرد أنهم قادرون على إعادة الماموث الصوفي مرة أخرى للحياة لأن هذه العينات عمرها 4 آلاف سنة كما أن أنسجة هذه العينات محفوظة جيدا في الجليد، أما الحمض النووي للديناصورات فقد مر عليه 66 مليون عام، وهي فترة طويلة جدا، وحتى ينجح العلماء في استخدام التقنيات الوراثية الحديثة في استخلاص الحمض النووي للديناصورات، يجب أن يكونوا قادرين على استخلاص شفرة وراثية صالحة وكاملة، وهو أمر مستحيل لعدم وجود حمض نووي للديناصورات في الأساس.
وربما لا يعرف الكثيرون أن الاسم نفسه غير دقيق، فأغلب الديناصورات التي تجسدها الأفلام تنتمي في الواقع إلى العصر “الطباشيري” (Cretaceous) الذي يغطي الفترة من 145 مليون سنة إلى 65 مليون سنة مضت، وهو الثالث والأخير من عصور حقبة الحياة الوسطى الثلاثة، ويسبقه مباشرة العصر الجوراسي، وقد حدث انقراض الديناصورات في العصر الطباشيري وليس الجوراسي.
بالطبع لا يتوقع من الأفلام السينمائية، خاصة أفلام الخيال العلمي، أن تكون أفلامًا وثائقية أو تعليمية، فيكفي أن تكون قائمة على -أو مستوحاة من- حقائق علمية لتحفيز الاستكشاف والخيال.