من أجل إيصال الإبداع العربي إلى أوروبا.. شاعر عراقي يترجم الأدب العربي إلى الإسبانية
يسعى المترجم والشاعر حسين نهابة إلى ترجمة الإبداع العربي شعرا وسردا، في محاولة لنشره في أوروبا بعد أن كانت عمليات الترجمة تجري بصورة معاكسة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.
وبدأ نهابة مشروع ترجمة الشعر بجزئين، ترجم في كلّ جزء منهما أشعار 100 شاعر عربي، وترجم قصصا قصيرة لأدباء عرب في جزئين: الأول تضمن كتابات 40 قاصا وقاصة، والثاني به أعمال 23 قاصا وقاصة.
ويسعى إلى إصدار الجزء الخامس من أعماله (وهو الجزء الثالث في القصص المترجمة) لكتّاب لهم مكانة أدبية في بلدانهم، في مجال غابت عنه المؤسسات الحكومية التي كانت تقوم في السابق بأعمال الترجمة، إضافة إلى غياب الترجمة العكسية عن المشهد تماما.
تصدير الإبداع
حسيين نهابة، مترجم خبير وشاعر وكاتب وناشر، تخرج في كلية اللغات قسم الإسبانية عام 1988، ثم في كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية عام 2004، وهو عضو بعدة جمعيات متخصصة في الترجمة والنشر، ومنها “جمعية المترجمين العراقيين” (ITA)، و”الاتحاد الدولي للمترجمين” (FIT)، و”جمعية الناشرين والكتبيين في العراق” (PLAI)، و”اتحاد الناشرين العرب” (APA).
ويقول عن مشروعه إن “الوطن العربي يغص بالأدباء من الكتّاب والشعراء والنقّاد والباحثين والفنانين، لكن أعمالهم الأدبية لم يصل منها إلى أوروبا سوى النزر اليسير”.
ويرى نهابة أن “ثمة محاولات فردية نقوم بها -نحن ثلة من المترجمين- لإيصال هذه الأصوات المبدعة إلى دول أوروبا، لكنها محض محاولات شخصية متناثرة هنا وهناك، لا تكاد تصل إلى المستوى المطلوب”؛ فمن خلال رؤيته ومعرفته باللغة الإسبانية، أخذ على عاتقه تلك المسؤولية، فيقول “أنا شاعر وأديب، وأعرف السؤال الدائم: لماذا لا تترجم الأعمال العربية إلى اللغات الأخرى؟” ومن هنا بدأت خطواته.
ويتابع “عام 2019، قمت بترجمة وإصدار الجزء الأول من ’الموسوعة الشعرية لـ100 شاعر وشاعرة عرب‘، وعام 2021، قمت بإصدار الجزء الثاني من الموسوعة” نفسها.
ولم تتوقف أعمال نهابة عند حدود ترجمة الشعر، بل ألحق بها ترجمة الأعمال القصصية، إذ يقول “في عام 2020، قمت بترجمة وإصدار الجزء الأول من ’الموسوعة العربية المعاصرة للقصة القصيرة‘، وترجمتُ فيه 40 قصة استقيتها -بالتساوي- من مختلف البلدان العربية”.
ويستدرك “في عام 2022، أصدرتُ الجزء الثاني من ’الموسوعة العربية المعاصرة للقصة القصيرة‘ وتضمن 22 قصة من مختلف البلدان العربية. وأنهيت الجزء الثالث من الموسوعة ويضم 27 قصة، أي (من تأليف) 27 كاتبا وكاتبة من مختلف بلدان الدول العربية”.
لكنه يستدرك أن هناك صعوبة في الحصول على نصوص إبداعية عربية، لأن المشروع “يحتاج إلى عمل وتفحص ومراسلات ومراقبة ما ينشر، لانتقاء المناسب الذي يصل فيه الصوت الإبداعي إلى أوروبا”، ويعتقد أنها “مهمة صعبة أن يقوم فرد بعمل مؤسسات”؛ ولهذا فإنه يحتاج إلى دعم ليس على مستوى العراق فحسب، بل على مستوى الوطن العربي بأكمله؛ “لكي نقوم بترجمة معاكسة.. نصدر ولا نستورد فقط”.
سد الثغرات
وعن تجربة المترجم نهابة، يقول الدكتور كاظم خلف العلي -من قسم الترجمة في كلية الآداب بجامعة البصرة- إنه “أمر مهم ويجب أن يعطى الأهمية القصوى من عدة نواح؛ كون المترجم يضطلع عبر هذا الدور بما تعجز عنه مؤسسات ثقافية أكبر حجما وأضخم تمويلا في الدول العربية المختلفة”.
ويشير العلي إلى أن عددا من الباحثين المعتبرين في الترجمة “منهم الباحث المعروف لورانس فينوتي، أشاروا إلى قلة ترجمة آداب العالم النامي إلى ثقافات العالمين الأول والثاني، وطالبوا بضرورة تعديل اختلال ميزان التصدير والاستيراد الترجمي من النتاجات الأدبية والثقافية”.
ويعتقد العلي أن ما يقوم به نهابة -بترجماته- “محاولة ليسد ثغرة مهمة، وخصوصا في باب اللغة الإسبانية”، معربا عن أمله في أن تقوم وزارة الثقافة العراقية “بدعم هذا المشروع الترجمي لما فيه من غايات سامية ونبيلة”.
الترجمة والتثاقف الحضاري
الناقد عبد علي حسن يقول عن الترجمة إنها “عملية التفاعل والتثاقف بين الشعوب والأمم لتشييد الحضارة الإنسانية”.
ويرى أن عمليات الترجمة ازدهرت في العصر العباسي الثاني، خصوصا بهدف الاطلاع على العلوم الفلسفية والفكرية والعلوم الصرفة عبر حركة الترجمة آنذاك، وعن المقابل يقول “كان لترجمة المعارف والعلوم العربية إلى اللغات اللاتينية وغيرها الأثر الواضح في تأثر علوم الآخر بما قدمه العرب في هذا المجال”.
ويذكر حسن بأن العرب شهدوا “منذ بدايات القرن العشرين، ولحد الآن، تطورا واضحا وتقدما في نقل وترجمة الجهد الفلسفي والفكري والأدبي من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، وتم التفاعل مع هذه المعارف المترجمة والمنقولة والتأثر بها”.
لكنه يرى أن حركة الترجمة المعاكسة -أي ترجمة المنجز والعلوم والمعارف العربية إلى لغات الأمم الأخرى- “لم تكن متوازنة ومتناسبة مع ما شهدنا من ترجمة الآخر إلى اللغة العربية”، ويشكّل ذلك “فارقا وخللا في التوجه لترجمتنا للآخر”.
ولهذا فإن مشروع نهابة “يستحق الاهتمام والإشادة وسيكون دافعا للمؤسسات الثقافية العربية والعراقية لنقل وترجمة المنجز العربي إلى العالم”.
ولفت حسن إلى أن الترجمة إلى الإسبانية بحد ذاتها “شيء مهم ومفيد؛ كونها من اللغات الحية التي يتحدث بها الإسبان، إضافة إلى شعوب أميركا اللاتينية”، وهو ما يعني -حسب الناقد- “نشر الثقافة والإبداع العربي حين تتم ترجمتهما من الإسبانية إلى اللغات الأخرى إذا ما كان التوزيع والانتشار بصورة صحيحة”.