جنود مصريون خلال الاحتفال بعبور قناة السويس أثناء حرب عام 1973 ضد إسرائيل (الجزيرة)

جنود مصريون خلال الاحتفال بعبور قناة السويس أثناء حرب عام 1973 ضد إسرائيل (الجزيرة)

القاهرة ـ على مدى القرن الماضي، دخلت مصر في العديد من الحروب التي سقط خلالها آلاف الشهداء، يحتفظ ذووهم بذكريات وحكايات تتداولها الأجيال داخل الأسرة الواحدة، لكن العديد منهم يحدوهم الأمل منذ سنوات في أن تصبح البطولات رسمية تحفظها ذاكرة الأمة.

هذا الأمل يبدو أنه سيرى النور قريبا، وذلك بعدما أحيت مبادرة للرئيس عبد الفتاح السيسي آمال أسر شهداء حروب مصر خلال 75 عاما الماضية في الحصول على تكريم يليق بتضحيات ذويهم.

 

ووجه السيسي -الأسبوع الماضي- بإجراء حصر دقيق لكل شهداء مصر في الحروب السابقة بدايةً من عام 1948، لدراسة ضمهم إلى قوائم المستفيدين من مزايا وخدمات صندوق الشهداء “تقديرا من الوطن لأبنائه المخلصين وترسيخا لقيم الوفاء لأسرهم”.

 

إمكانية الحصر والتوثيق

في هذا الإطار، ثمّن الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للإعلام والمحافظ السابق اللواء طارق المهدي -في حديث للجزيرة نت- المبادرة الرئاسية التي “تسعى لتأكيد اليقين المصري عبر التاريخ المنظور بقيمة الشهداء، الذين ضحوا بأنفسهم وتركوا وراءهم أسرهم”.

وأكد المهدي أن المبادرة “تكريم للشهداء في الأحياء من أسرهم وأبنائهم تجسيدا بالفعل للقول، وترسيخا لحقيقة أن التقدير يشمل كل شهداء الوطن”.

وحول إشكالات التوثيق مع تقادم الحروب المشمولة بتكريم شهدائها، يؤكد المهدي -الذي تولى منصب المحافظ بعدة محافظات- أن مصر باعتبارها دولة مؤسسات عريقة وراسخة، لديها سجلاتها الموثقة عبر الزمن، مما يمكّن من القيام بمثل هذا الحصر والحصول على بيانات دقيقة من جهات عديدة داخل مصر.

 

ويضيف المهدي، وهو أيضا عضو سابق بالمجلس العسكري، “لا يصح السؤال عن دلالات وأسباب منح الدولة المواطن حقه في التكريم حيا وميتا”، لافتا إلى أن هذه المبادرة “تزيد من الشعور الوطني لدى كل مصري ضحى فرد من أسرته بنفسه في إحدى الحروب، وتضاعف الإحساس بالفخر، مما يعطي للمرء دافعا للتضحية في سبيل الوطن، بعدما يرى أن الحق الإنساني والأدبي لا يضيع”.

 

أعداد غير محسومة

المتوفر من أعداد شهداء مصر منذ نكبة 1948، مرورا بنكسة 1976 وما تلاها، هي أعداد تقريبية تتراوح ما بين 30 و45 ألف شهيد، وفق إحصاءات عدة رسمية وشبه رسمية.

وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني “وفا”، قدر شهداء النكبة عام 1948 من المصريين بنحو 863 شهيدا سقطوا في مختلف أنحاء فلسطين.

وتقول إحصاءات لجنة التاريخ والتراث المصرية إن أعداد شهداء العدوان الثلاثي عام 1956 من الشعب والشرطة والجيش تبلغ 743 شهيدا.

فيما يتعلق بحرب اليمن، لا يتوفر رقم دقيق لعدد الذين سقطوا من الجنود المصريين فيها، ففي حين يرى الكاتب الصحفي وجيه أبو ذكري في كتابه “الزهور تدفن في اليمن” أنهم كانوا 20 ألف شهيد، ترى مصادر صحفية أن عددهم يتراوح بين 5 آلاف و15 ألف شهيد.

 

أما شهداء النكسة عام 1967 فتتراوح أعدادهم ما بين 10 و15 ألف شهيد، في حين يترواح عدد شهداء حرب 1973 ما بين 8 و10 آلاف شهيد.

وفي يوليو/تموز الماضي، كشفت صحف إسرائيلية دفن جنود مصريين في مقبرة جماعية من دون علامات، في مخالفة لقوانين الحرب، وسط تقديرات لعددهم تصل إلى العشرات، وذلك بالقرب من قرية اللطرون بين القدس وتل أبيب، بعد أن حُرقوا أحياء أثناء حرب 1967.

وطالبت الحكومة المصرية نظيرتها الإسرائيلية بالتحقيق في الأمر، ولم يصدر عن الجانبين توضيحات حتى الآن.

تزايد الآمال

لا تزال ذاكرة سيد فودة -وهو حفيد لشهيد في حرب 1973- تحتفظ بدفء تكريم الرئيس الراحل أنور السادات لجدته وأمه باعتبارهما من أسرة الشهيد صلاح عبد المطلب فودة، وأضاف الحفيد في تعليق على تصريح المتحدث الرئاسي حول المبادرة “لن أنسى ما حييت هذا اليوم المحفور في قلبي”، مشيدا بمبادرة السيسي.

وفي تعليقه على المبادرة، يطالب محمد جبريل -وهو نجل مجند توفي متأثرا بإصابة أثناء حادث وقع خلال الخدمة العسكرية- بضم أمثال والده الذين سقطوا في حوادث أثناء الخدمة العسكرية إلى صندوق الشهداء.

وأغرت المبادرة ذوي ضحايا عمليات قامت بها فرق عسكرية خاصة خارج مصر لطلب ضم ذويهم للمستفيدين من المزايا الجديدة للصندوق، في حين طالب مستفيدون حاليون بتوسيع نطاق الاستفادة، بحيث تشمل تسهيلات وامتيازات في المصالح والخدمات الحكومية وخاصة التعليم والصحة.

 

ومن بين الشكاوى التي ناشد أصحابها المسؤولين بضرورة حلها، رفع قيمة مكافآت الأنواط الجمهورية العسكرية التي تصرف باسم ذوي الشهيد.

شهداء مجهولون

وثمن كاتب ومحارب سابق -طلب عدم ذكر اسمه- المبادرة الرئاسية، مضيفا أن لدى القوات المسلحة بالتأكيد رصدا دقيقا بأعداد الشهداء، يشمل الجنود إلى جانب الضباط، حيث لكل فئة منهم إدارة خاصة قائمة على شؤونهم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد المتحدث أن المبادرة اجتماعية في الأساس وتصل لقطاع واسع من المصريين، لأنه “لا بيت في مصر يخلو من شهيد في إحدى هذه الحروب”، وبالتالي يستفيد منها المزيد من المصريين.

وأشار المتحدث -الذي سبق له المشاركة في حرب 1976ـ إلى أن العقبة التي ربما تكتنف وصول المبادرة إلى مستحقين كثر هي وجود جنود شهداء مجهولين، وخاصة في الحروب الأقدم مثل نكبة 1948 ونكسة 1976، وبينهما عدوان 1956، ولكل منها عقباتها.

وأشار إلى أنه في حرب 1948 تطوع عدد كبير من المدنيين كانوا منضوين ضمن جماعات وأحزاب وقت الملكية، وهؤلاء ليسوا عسكريين بالمعنى المعروف، والمسجل من العسكريين أقل من ألف شهيد، بينما يمكن أن يشكل العدد أضعاف هذا الرقم لو جرى احتساب المدنيين المتطوعين، وكذلك الشهداء المجهولين.

والأمر نفسه -يوضح المتحدث- جرى في حرب 1956، حيث سقط مدنيون من سكان مدن قناة السويس دفاعا عنها.

 

يؤكد المتحدث أن المبادرة -حسب ما فهم منها- تتضمن كل العسكريين والمدنيين، إذ تنص على شمول “كل شهداء مصر في الحروب”.

مزيد من الامتيازات

وفي وقت سابق، وجه السيسي بزيادة قيمة تعويضات أسر الشهداء المدنيين في العمليات الإرهابية والأمنية إلى مئتي ألف جنيه (الدولار بنحو 25 جنيها)، تشمل مئة ألف من صندوق تكريم الشهداء وأسر المصابين.

وخلال اجتماع السيسي مؤخرا مع قيادات الصندوق، جرى استعراض التقرير السنوي لنشاطه، والتوجيه بالتنسيق مع جهات الدولة كافة بهدف تقديم أفضل المزايا والمبادرات الخدمية لصالح جميع فئات وأفراد أسر المستفيدين من الصندوق، فضلا عن إجراءات تنمية موارد الصندوق وحوكمة آلياته المالية، وكذلك مستجدات عملية صرف التعويضات لأسر الشهداء والمصابين.

وتقرر قيام صندوق تكريم الشهداء بصرف حافز مادي استثنائي لصالح الأسر والأفراد المستفيدين من الصندوق، وذلك بمناسبة العام الدراسي الجديد، إلى جانب تعزيز الخدمات المقدمة من الصندوق لتشمل المزيد من المجالات الإضافية، كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وغيرها.

وأعيد تشكيل مجلس إدارة الصندوق مطلع العام الحالي ليضم في عضويته كلا من رئيس هيئة التنظيم والإدارة للقوات المسلحة، ومدير إدارة شؤون ضباط القوات المسلحة، ومساعد رئيس هيئة القضاء العسكري، ومدير إدارة التأمينات والمعاشات، و3 أعضاء من وزارة الداخلية يختارهم وزير الداخلية، وعضوين من وزارة التضامن، وعضو من وزارة المالية، بحسب بيانات صحفية.

وكان السيسي قد أصدر في وقت سابق قرارًا باعتبار الصندوق المنشأ بالقانون رقم 16 لسنة 2018 من الجهات ذات الطبيعة الخاصة.

 
المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

About Post Author