أوباما البريطاني” و”المرأة الحديدية”.. من سيحكم بريطانيا في أسوأ ظروفها الاقتصادية؟
لندن- أسابيع قليلة تفصل البريطانيين عن معرفة رئيس وزرائهم الجديد، الذي سيخلف رئيس الوزراء المستقيل بوريس جونسون، ومع اقتراب الموعد المحدد للتصويت على زعيم جديد للمحافظين تشتد المنافسة بين مرشحيْن: وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس ووزير الخزانة السابق ريشي سوناك.
وحتى أشهر قليلة، لم يكن أحد من المراقبين السياسيين يتوقع أن يقترب الاثنان من منصب رئيس الوزراء، فلم يكن لأي منهما وزن سياسي قبل تصدع حكومة بوريس جونسون، لكن المشهد السياسي البريطاني يحمل الدراما والتشويق في جيناته، وكما كانت استقالة جونسون درامية فإن اسم خليفته سيكون مفاجئا لكثيرين.
وينزل التاريخ بكل ثقله في هذه الانتخابات التي سيصوت فيها 180 ألفا من المحافظين لاختيار زعيم جديد، ويحضر التاريخ من بوابة “المرأة الحديدية”؛ ذلك اللقب الذي حملته رئيسة الوزراء الأشهر مارغريت تاتشر، وهو اللقب الذي تحاول وسائل إعلام بريطانية -خاصة اليمينية منها- إسباغه على ليز تروس.
موعد مع التاريخ
أما ريشي سوناك وزير الخزانة ورجال الأعمال اللامع فسيكون لديه موعد مع التاريخ في حال نجاحه في الوصول لرئاسة الوزراء، ليكون أول رئيس وزراء ملون ومن أصول مهاجرة يصل لهذا المنصب، وهي الورقة التي قد تلعب ضده في هذه الانتخابات.
وما يميز هذه الانتخابات أن قاعدة حزب المحافظين أو المنخرطين في هذا الحزب هم من سيحسمها، وهؤلاء كتلة يغلب عليها التوجه اليميني والمحافظ، ولهذا فالمشهد الحالي يفضي إلى كون 3 استطلاعات رأي تمنح التقدم لصالح ليز تروس وبفارق مريح حسب موقع “بوليتيكو”، إلا أن نواب حزب المحافظين (البالغ عددهم 357 عضوا) يضع أغلبهم ثقتهم في سوناك، لكن الكلمة الفصل ستكون للقواعد بحكم أكثريتهم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا فضل المحافظون ليز تروس على غيرها من الأسماء التي دخلت سباق المنافسة على منصب رئاسة الوزراء؟ لا يوجد جواب مقنع سوي أنها شخصية على مقاس المحافظين، ومستعدة لحمل أكثر السياسات محافظة دون تردد، والقدرة على الانتقال من الموقف إلى نقيضه من دون أي مشكلة، إضافة إلى آلة دعائية يمينية تدعم ترشيحها.
المرأة الحديدية
بالبحث عن اسم ليز تروس يظهر كثير من المقالات والتحليلات حول شخصيتها، لكن المثير للانتباه هو حرص صحف بعينها على ربط اسم ليز تروس برئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر، ووصفها “بالمرأة الحديدية”، وهي كلها صحف يمينية محافظة، ومنها ما هو شعبوي أيضا.
وفي هذا الأمر كثير من “سخرية التاريخ”؛ فليز تروس وطيلة مسارها الدراسي وبداية مشوارها السياسي كانت أبعد ما تكون عن اليمين، أولا لأنها ولدت في أسرة تصوت لحزب العمال اليساري، بل إن بعض محيطها الأسري ينتمي لأقصى اليسار.
وانضمت ليز تروس للحزب الليبرالي الديمقراطي، وهناك كانت لها مواقف بعيدة جدا عن اليمين، كمطالبتها مثلا بترخيص استهلاك القنب الهندي، ومن المدافعين الشرسين عن حق الإجهاض، وفي سنة 1994 ألقت خطابا تطالب فيه بإلغاء الملكية، لأنها مؤسسة عتيقة، حسب قولها.
ورغم هذه السياسة “الثورية”، انضمت تروس سنة 1996 لحزب المحافظين، وخلال سنتين انتقلت من معاداة الملكية إلى أكثر حزب ملكي في المملكة المتحدة.
مناصب حكومية
وهذا التأرجح في المواقف أثر على مسار تروس في ما بعد، علما أن عمرها السياسي يعد قصيرا إلى حد ما، فلم تصبح نائبة برلمانية إلا عام 2010، وتقلدت عددا من المناصب الحكومية، لكن الأضواء لم تكن أبدا مسلطة عليها.
وعرف عن ليز تروس أنها كانت من أشد المدافعين عن خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي، وغردت على حسابها تعلن “دعمها لكل من سيصوت لخيار البقاء مع الاتحاد الأوروبي لأن هذا يخدم مصالح الاقتصاد البريطاني”، بعد ذلك ستتحول إلى أشد المدافعين عن “البريكست”، وترفع لواء التشدد مع الاتحاد الأوروبي في المفاوضات مع الأوروبيين.
وستبقى تروس وفية لنهجها في اتخاذ الموقف ونقيضه حتى خلال حملتها الانتخابية؛ ففي البداية أعلنت أن برنامجها يهدف إلى تخفيض الرواتب في عدد من الوظائف العمومية لتوفر لخزينة الدولة نحو 10 مليارات دولار، قبل أن تنهال عليها الانتقادات من كل صوب فتعلن التراجع عن هذا البرنامج الاقتصادي.
أوباما البريطاني
ومثل ليز تروس، فإن وزير الخزانة السابق ريشي سوناك حديث عهد بتقلد المناصب الكبيرة في بلاده، فهو لم يصبح برلمانيا عن حزب المحافظين إلا عام 2010، وتقلد مناصب حكومية صغيرة في حكومة تيريزا ماي، قبل أن يصبح وزيرا للخزانة سنة 2020 في حكومة بوريس جونسون.
وولد سوناك لأبوين من أصول هندية، قدما إلى بريطانيا، فاشتغل الوالد في الطب والوالدة كانت تمتلك صيدلية، مما منحه وضعا ماديا مريحا، أهّله لدخول جامعة أكسفورد العريقة. ولسنوات ظل ريشي سوناك بعيدا عن السياسة، حيث انشغل في مجال المال والأعمال، وعمل مستشارا لأكبر المؤسسات البنكية في العالم.
ويُعرّف سوناك غالبا على أنه من أغنى السياسيين في البلاد، وهذا راجع لثروة زوجته التي تعد من أغنى نساء المملكة المتحدة، وحول ثروتها أثير كثير من الجدل بعد الكشف عن استفادة شركاتها من الملاذات الضريبية بعيدا عن بريطانيا.
وفي الظروف العادية، قد يكون سوناك الرجل المناسب لقيادة البلاد وهي في أسوأ ظروفها الاقتصادية، حيث التضخم هو الأعلى منذ 40 سنة، والركود الاقتصادي، إذ إنه أظهر حنكة في التعامل مع وباء كورونا، وأدار دفة خزينة المملكة المتحدة بشكل جيد.
إلا أن قاعدة حزب المحافظين لها حسابات وأسئلة أخرى، فهل يصل سوناك لرئاسة الوزراء وهو من أصول مهاجرة، وملون؟ ليحقق ما حققه باراك أوباما في الولايات المتحدة، لكن المؤشرات الأولية تظهر أن قاعدة حزب المحافظين غير مستعدة حتى الآن لتقبل هذا الأمر.