يحيي البوسنيون أواخر يونيو/حزيران من كل عام مهرجان “أيواز دادا” الثقافي الذي يرتبط باعتناقهم الإسلام.
واحتضنت بلدة بروساك وسط البوسنة والهرسك فعاليات المهرجان بنسخته الـ512. ويعد المهرجان من أطول مهرجانات البلاد، حيث يستمر لأيام، ويحيي فيه آلاف البوسنيين ذكرى دخولهم الإسلام عبر شخص يُدعى “أيواز دادا”، وفق الروايات التاريخية.
ويتوجه الناس من كل الفئات العمرية ومن كل أنحاء البلاد إلى مركز المهرجان في بروساك، بلباسهم التقليدي وبمشاركة الخيالة؛ ففي إطار فعاليات النسخة الـ512 من المهرجان، وصل السبت 25 يونيو/حزيران 2022 نحو 110 فرسان إلى منطقة “بروساك” حيث يقام المهرجان.
وفي حديثها للأناضول، أوضحت السيدة “المدينة كونيك” أنها تشارك في الاحتفالات للمرة الرابعة مع حصانها المفضل.
فيما أشار “راسم جرادينسيك”(70 عاما) -الذي يشارك مع زوجته- إلى أن المهرجان بات تقليدا عائليا يشاركون فيه سنويا.
وأقيم أول أمس الأحد البرنامج الرئيسي للمهرجان في بروساك، وتلا الفعاليات أداء المشاركين صلاة الظهر جماعة.
ووفق الروايات التاريخية، فإن “أيواز دادا” المنحدرة أصوله من منطقة الأناضول التركية، وصل إلى “بروساك” البوسنية قبل 510 أعوام، في وقت كانت تشهد فيه المنطقة شحا بالمياه.
وعقب دعائه وعبادته في المنطقة لـ 40 يوما، عثر “أيواز دادا” على نهر ينحدر من أحد الجبال، واستطاع بذلك تخليص السكان من القحط والجفاف، الأمر الذي اعتبروه كرامة، واعتنقوا على إثره دين الإسلام، وفق الأسطورة الرائجة.
الأسطورة والتاريخ
وبعيدا عن أسطورة “أيواز دادا” فمن الثابت تاريخيا اعتناق عدد كبير من البوسنيين الإسلام بعد الفتح العثماني للمنطقة في النصف الثاني من القرن الـ15، لكن إسلام البوشناق (مسلمو البوسنة) كان تدريجيا، واستغرق ما يصل لقرنين من الزمان حتى أصبح دين الأغلبية.
وكان للمسيحية جذور ضحلة نسبيا في البوسنة قبل الهيمنة العثمانية، وافتقد البوشناق (بخلاف شعوب الصرب والكروات) لكنيسة مسيحية قوية لقلة الكهنة والتنافس بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبوسنية المنشقة التي انهارت قبل وقت قصير من وصول العثمانيين.
وفي تأريخه لهذا التحول الكبير، رأى المؤرخ والمستشرق البريطاني الشهير توماس أرنولد (1864-1930) أن أتباع الكنيسة البوسنية كانوا أكثر تقبلا لاعتناق الإسلام؛ نظرا لأنهم كانوا ينظر إليهم باعتبارهم مبتدعين من قبل الكنيسة الكاثوليكية، وكان تدينهم مختلف عن المذاهب المسيحية الشائعة، فقد رفضوا تقديس مريم العذراء ورفضوا الصليب كرمز ديني واعتبروا أن الانحناء أمام الأيقونات والرموز الدينية يحمل طابعا وثنيا.
ورغم أن بعض المؤرخين الأوربيين يوافقون السير أرنولد في نظريته حول التحول الديني في البوسنة، لكن آخرين يرونها تبسيطا مفرطا، خاصة أن البوسنيين من جميع الطوائف المسيحية اعتنقوا الإسلام، بما في ذلك أتباع الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية المختلفة وليس فقط الكنيسة البوسنية التي لم ينتم إليها كثير من السكان السابقين كذلك.
ويقول مؤرخون إن بداية العصر العثماني في البوسنة وألبانيا ارتبط بتحولات دينية مختلفة، بما فيها تحول العديد من الكاثوليك للأرثوذكسية والعكس.
تحول بطيء
واستمر التحول التدريجي للإسلام بمعدلات مختلفة بين المجموعات المختلفة في المنطقة، وكان في المناطق الحضرية، التي كانت بمثابة مراكز للتعلم والإدارة العثمانية، أكثر من الريف، كما كان التحول الديني أكثر شيوعا بين طبقة التجار، وبحلول القرن الـ 17، كانت غالبية سكان البوسنة مسلمين.
وظلت البوسنة والهرسك مقاطعة في الإمبراطورية العثمانية وحصلت على الحكم الذاتي بعد انتفاضة البوسنة عام 1831، وبعد مؤتمر برلين عام 1878 لرسم حدود أراضي دول البلقان في أعقاب الحرب الروسية التركية بين عامي 1877 و1878، أصبحت البوسنة والهرسك تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية المجرية التي أقرت دستورا يسمح بحرية الدين.
وبعد طرد السكان المسلمين من العديد من مناطق البلقان في فترة الاضطرابات نهاية القرن الـ19، ظلت البوسنة، إلى جانب ألبانيا وكوسوفو، هي الأجزاء الوحيدة من الإمبراطورية العثمانية في البلقان؛ حيث تحولت أعداد كبيرة من الناس إلى الإسلام، وظلوا هناك بعد الاستقلال عن العثمانيين.