ميدل إيست آي: حملة أميركا ضد تهريب الدولار تخلف أزمة لدفع الرواتب في العراق
يواجه العراق فجوة عميقة في موارده المالية العامة بسبب الحملة على الفساد وتهريب الدولار من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي منذ “سرقة القرن” حسبما قال مسؤولون عراقيون لموقع “ميدل إيست آي”.
الموقع البريطاني قال إن الأزمة – التي من المتوقع أن تتفاقم الأسابيع القليلة المقبلة – تسببت في انهيار التجارة اليومية بالدولار من خلال مزاد العملة الذي يديره البنك المركزي العراقي، إذ تعتمد الحكومة على المزاد لتحويل الدولارات التي تجنيها من عائدات النفط إلى العملة المحلية (الدينار).
وأوضح “ميدل إيست آي” أن العام الماضي شهد بيع حوالي 200 مليون دولار يوميا في المتوسط من خلال المزاد إلى البنوك والشركات الخاصة، لكن هذا الرقم انخفض بشكل حاد الشهرين الأخيرين من العام الماضي، إذ انخفض إلى متوسط يومي قدره 56 مليون دولار بحلول أواخر ديسمبر/كانون الأول، وفقًا للبيانات التي راجعها.
ووفق ذات المصدر، تواجه الحكومة أزمة لدفع رواتب القطاع العام والوفاء بالتزاماتها الشهرية الأخرى، حيث قال لـ “ميدل إيست آي” مسؤول كبير بالبنك المركزي طلب عدم الكشف عن هويته “المشكلة التي نواجهها الآن في العراق هي ندرة الدينار وليس الدولار”.
وأثرت الأزمة على الاقتصاد الأوسع، فارتفع سعر صرف الدولار بالأسواق غير الرسمية من 1480 دينارًا إلى 1630 منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وارتفع سعر السلع الاستهلاكية حيث ارتفع سعر الأرز هذا الأسبوع إلى 2350 دينارا للكيلو من 1850 دينارا، وزادت تكلفة زيت الطهي بأكثر من الضعف من 1250 دينارا للتر إلى 3 آلاف.
ونفى المسؤولون العراقيون الذين تحدث إليهم “ميدل إيست آي” أي صلة مباشرة بين الأزمة الحالية وما يسمى “سرقة القرن” والتي سرق فيها حوالي 2.5 مليار دولار من مصلحة الضرائب من خلال بنوك مملوكة للدولة بين سبتمبر/أيلول 2021 وأغسطس/آب 2022، لكنهم أقروا بأن الاحتياطي الفدرالي الأميركي فرض إجراءات أكثر صرامة على البنوك الخاصة التي تشتري الدولارات من خلال المزاد قبل شهرين، وذلك بعد أسابيع فقط من الكشف عن تفاصيل السرقة من قبل وزارة المالية في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال أحد مستشاري رئيس الحكومة -الذي تحدث إلى “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته- إن مجلس الاحتياطي الاتحادي بدأ التحقق من التحويلات المالية الخارجية في نوفمبر/تشرين الثاني في محاولة لتتبع الأموال المسروقة، وأضاف بأن هذا تسبب في تأخيرات في الإفراج عن التحويلات وأدى إلى انخفاض مبيعات الدولار من خلال المزاد، مبينًا أن بنك الاحتياطي قدم أيضا شيكات على مصدر الأموال التي تحتفظ بها البنوك الخاصة المشاركة بالمزاد، مما دفع العديد منها إلى الانسحاب وزيادة سعر الصرف غير الرسمي.
اجتماع الأزمة
“ميدل إيست آي” أشار إلى أنه في أواخر ديسمبر/كانون الأول، عقد الإطار التنسيقي (أكبر ائتلاف سياسي بالبرلمان العراقي) اجتماعًا في بغداد لمناقشة ارتفاع تكلفة الدولار والأزمة بالأسواق العراقية، واقتصر الاجتماع على كبار قادة الائتلاف ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ومحافظ البنك المركزي مصطفى غالب الذي قال بالاجتماع إن مجلس الاحتياطي لديه “مؤشرات خطيرة” على عمليات تهريب الدولار.
وقال غالب إن “المركزي” أوقف التعامل مع 4 بنوك عراقية خاصة في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد توجيه من مجلس الاحتياطي الاتحادي.
ووفق وثيقة -اطلع عليها “ميدل إيست آي”- أمر “المركزي” أيضا البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بالتوقف عن التعامل بالدولار مع البنوك الأربعة “لأغراض التدقيق” في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي بدورها قامت بالطعن على هذه القرارات في دعاوى قضائية رفعتها هذه البنوك ضد “المركزي” لكن قضيتهم رفضت من قبل محكمة الخدمات المالية التي أكدت حق الاحتياطي الفدرالي في منعهم من التعامل بالدولار.
إيرادات مبيعات النفط
ولفت “ميدل إيست آي” إلى أن الحكومة العراقية تحتاج إلى نحو 8 تريليونات دينار (5.5 مليارات دولار) شهريًّا لدفع رواتب موظفي الحكومة والمتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية، ويتم تأمين ذلك إلى حد كبير من خلال مزاد العملة، والذي يأتي معظمه من عائدات النفط.
وتسبب انخفاض مبيعات الدولار في نقص الدينار للبنك المركزي، فحتى في ذروته، لا يجمع المزاد عادة ما يكفي لتلبية 275 مليون دولار التي تحتاجها الحكومة كل يوم، وعادة ما كان تتم تغطية هذا النقص من أسهم العملات التي يحتفظ بها “المركزي” من خلال القروض الداخلية بين البنك والحكومة، عن طريق طباعة المزيد من العملات، أو الأنشطة المالية الأخرى.
وبحسب الموقع البريطاني، تظهر بيانات مزاد العملات الأجنبية للسنوات الأربع الماضية التي راجعها أن كمية الدولارات المتداولة ظلت مستقرة، بمتوسط حوالي 200 مليون دولار يوميا خلال عامي 2019 و2020. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من 2021، انخفض المبلغ المتداول بالمزاد إلى أدنى مستوياته التاريخية حيث تم تداول 3 ملايين دولار فقط في بعض الأيام، لكن في الأسبوع الثاني من أبريل/نيسان، قفز المبلغ اليومي فجأة بمتوسط 190 مليون دولار يتم تداوله يوميّا حتى نهاية العام. وعام 2022، لم تنخفض مبيعات الدولار عن متوسط 200 مليون دولار في اليوم لأول 10 أشهر من العام.
محدودية الخيارات
وأوضح المصدر أنه منذ انهيار إيرادات المزاد، فتح “المركزي” منافذ جديدة لبيع الدولارات مباشرة للمواطنين من خلال نظام مزاد العملة، في محاولة لجمع المزيد من الدنانير، لكن البيانات التي تظهر مبيعات العملات الأجنبية خلال الأسابيع القليلة الماضية تظهر أن البنك لا يزال يبيع في المتوسط أقل من 90 مليون دولار يوميا.
ووفق “ميدل إيست آي” يتوقع المسؤولون العراقيون أن يتدهور الوضع أكثر خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وخاصة بعد أن أطلق “المركزي” منصة إلكترونية جديدة لمزاد العملة في وقت سابق من هذا الشهر، حيث قال البنك في بيان إنه أطلق المنصة “بالتنسيق مع الهيئات الدولية لغرض حكم وتنظيم عمليات نافذة لشراء وبيع العملات الأجنبية وضمان السيطرة الفعالة عليها”.
وتربط المنصة الجديدة جميع البنوك بـ “المركزي” وتطلب من البنوك الكشف عن معلومات حول عملائها الذين يطلبون التحويلات المالية والمستفيدين والبنوك المراسلة وغيرها من التفاصيل.
ونقلت المقالة عن أحد مستشاري السوداني قوله “لقد أدت المنصة الجديدة إلى تعقيد الأمور أكثر، حيث لا يريد المالكون الحقيقيون الكشف عن هويتهم أو مصدر أموالهم، لذلك لا نتوقع أن تتحسن مبيعات المزاد قريبًا” وأضاف “الضغوط تتزايد وسيزداد الوضع سوءًا إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة لاحتواء الأزمة، ولكن المشكلة أن الخيارات المتاحة محدودة للغاية وتحتاج إلى وقت”.
ورأى المسؤول بالبنك المركزي إن الوضع لا يبشر بالخير، لافتا إلى أنه إذا ظلت مبيعات المزاد منخفضة، فسيتعين على “المركزي” إصدار طبعة جديدة من العملة المحلية.
مخاطر تخفيض قيمة العملة
وحذر مسؤولون عراقيون -حسب “ميدل إيست آي”- من إصدار طبعة جديدة من العملة المحلية لأن ذلك سيقلل من قيمة الدينار ويزيد من معدل التضخم، وهو ما رفضه قادة الإطار التنسيقي، وبدلًا من ذلك حثوا السوداني وغالب على الذهاب إلى واشنطن سعيا للتفاوض على فترة سماح مدتها 6 أشهر قبل بدء تنفيذ إجراءات جديدة، للسماح للحكومة والبنك المركزي “بالاستعداد”.
ودعا قادة الإطار إلى تخفيف عمليات التدقيق التي يفرضها مجلس الاحتياطي الأميركي، وأن تكون إجراءات التحويلات المالية الخارجية أسرع، وزيادة عدد منافذ البيع الرسمية بالدولار، وتشديد الضوابط على تهريب الدولار.