نفوق أكثر من 3 ملايين من الماشية.. الجفاف يهدد 4 ملايين إثيوبي في إقليم أوروميا
أديس أبابا- مفارقة مثيرة تشهدها إثيوبيا حاليا، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الاكتفاء الذاتي من القمح، تضرب موجة جديدة من الجفاف جنوبي البلاد التي تعتبر إحدى بؤره بالقرن الأفريقي، وسط تحذيرات من مجاعة وشيكة في المناطق المتأثرة بالجفاف.
فمنذ أسبوع انتشرت في وسائل التواصل حملة تبرعات لمتضرري الجفاف بمنطقة بورانا بإقليم أوروميا على الحدود الكينية، وهو ما عدته أديس أبابا -وبعض المراقبين- دعوة إنسانية هدفها ضغط سياسي في غير محله.
وأرجع المراقبون أزمة الجفاف، في مناطق بإقليم أوروميا، إلى تغيرات المناخ في القرن الأفريقي جراء ندرة الأمطار السنوات الأخيرة، ويرون أنها أكبر من إمكانات الحكومة، لكن ذلك لا يعفيها من المسؤولية.
وقال الكاتب والباحث السياسي الإثيوبي موسى شيخو إن الحكومة لم تتوقع أن يمتد الجفاف من المناطق الصومالية إلى منطقة بورانا بهذا المستوى، موضحا أن الجفاف لم يكن يصل تلك المنطقة في العادة، خاصة أنها من أغنى المناطق بالثروة الحيوانية، ويعيش أغلب سكانها على الرعي أكثر منه في الزراعة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أرجع شيخو ما شهدته بورانا إلى الموقع الجغرافي وبُعدها عن المناطق الوسطى ووعورتها وعدم صلاحيتها للزراعة، بجانب تأخر المشاريع الحكومية لضخ المياه وتطوير الزراعة، مع تفاقم الجوع وآثار الجفاف على المواشي والحيوانات.
بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي عبد الشكور عبد الصمد أن الجفاف مشكلة حقيقية وتهديد بشبح المجاعة ضمن موجات الجفاف التي تضرب منطقة القرن الأفريقي، وقال إنها قضية إنسانية على الرغم من أنها وظفت سياسيا.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف عبد الصمد أن جهود الحكومة للتصدي للأزمة في المنطقة غير كافية وتحتاج إلى تضافر، فالأزمة خارج السيطرة، خاصة أن إمكانات الدولة التي تمر بأزمات سياسية متلاحقة وتحتاج إلى تضافر.
اعتراف وانتقاد
وفي أول اعتراف من حكومة أوروميا بأزمة الجفاف، وجه نائب حاكم الإقليم أويلو عبدي دعوة للإثيوبيين للمشاركة في التصدي لأضرار الجفاف، وقال إن 4.4 ملايين شخص بحاجة إلى المساعدة بسبب الجفاف هذا العام.
وخلال مؤتمر صحفي الأحد الماضي، أكد عبدي أن الحكومة تسيطر على الوضع الإنساني بالمنطقة، قائلا: إن إشاعة جوع المواطنين أمر غير مقبول ولا يوجد شيء خارج عن سيطرة الحكومة ولم تُفقد حياة واحدة بسبب الجفاف.
وأوضح أنه توجد مشكلة في 10 مناطق بالإقليم بسبب قلة الأمطار، متهما من وصفهم بـ “المعتادين على تسمين جيوبهم لتحقيق مكاسب سياسية” بالمبالغة في توصيف المشكلة، خاصة أن الجفاف ليس في إثيوبيا فقط.
وكانت إدارة منطقة بورانا أعلنت عن نفوق نحو 3.3 ملايين رأس من الماشية بسبب الجوع، مما أدى إلى عوز المجتمعات شبه الرعوية، داعية لزيادة المساعدة الطارئة لاحتواء الأزمة.
وكشف تقرير محلي عن تسرب المئات من طلاب المدارس بسبب تأثير الجفاف، وقال رئيس مكتب التعليم بالمنطقة ولدى ماريام إن أكثر من 7800 طالب أُجبروا على ترك المدرسة جراء تأثير الجفاف.
بدوره، نفى مكتب الاتصالات بإقليم أوروميا صحة الأنباء عن وفاة 7 أشخاص بسبب المجاعة في المنطقة، قائلاً “لم يمت أحد حتى الآن لا في منطقة تالتالي ولا بورانا بأكملها فيما يتعلق بالجفاف”.
اكتفاء وتحديات
على الرغم من مخاوف شبح المجاعة في المناطق التي تعرضت للجفاف، أعلنت أديس أبابا الاكتفاء الذاتي من محصول القمح، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول أسباب تلك المفارقة.
كما أعلنت أديس أبابا البدء في تصدير القمح، وقال رئيس الوزراء آبي أحمد “لقد أثبتنا حقيقة أننا قادرون على تحقيق ما خططنا له في مبادرة البصمة الخضراء، والآن أظهرنا للإثيوبيين والعالم أننا تمكنا من تصدير القمح ووقف الاستيراد”.
الباحث شيخو اعتبر إعلان الاكتفاء الذاتي من القمح بالتزامن مع الجفاف تحديا كبيرا أمام من ينبغي عليه بذل المزيد من الجهود لتجاوزه، موضحا أن الجهات الرسمية تعتقد أن المشكلة يمكن تجاوزها خلال شهور، وأنها تعمل على مكافحة الجفاف وإنقاذ المواطنين منذ فترة.
في هذا السياق، قال الكاتب عبد الصمد إن التوسع في المشروعات الزراعية غير كاف، وإن الحكومة بدأت خلال السنوات الأخيرة في إستراتيجية زيادة الرقعة الزراعية بعدد من الأقاليم، لكنها ليست كافية وما زالت في بداياتها وتحتاج موارد وإمكانات أكبر. وأضاف أن الأزمة أكبر من قدرات الحكومة، لكن هذا لا يعفيها من مسؤولياتها في التصدي لما تواجه المنطقة من جفاف.
ووصف الحملة في وسائل التواصل لدعم المتضررين بمنطقة بورانا بالمفخخة، قائلا إن الدعوة للتبرع والمساعدات شيء مهم ودور إنساني، لكن يجب ألا تستخدم سياسيا، مشيرا الى أن بعض السياسيين استخدموا الأمر وسيلة لإظهار الحكومة عاجزة عن التفاعل مع المشكلة.
تحذيرات أممية
كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تحدث -في تقرير له- عن مجاعة تهدد حوالي 22 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال، جراء جفاف غير مسبوق منذ 2020، مشيرا أن منطقة القرن الأفريقي شهدت مؤخرا آثارا خطيرة للجفاف بسبب الظروف المناخية وارتفاع درجات الحرارة، ونقص هطول الأمطار لفترة طويلة.
وتوقع التقرير -الصادر في يناير/كانون الثاني الماضي- أن يزداد تأثير الجفاف سوءا، مضيفا أنه تم الإبلاغ عن “نقص حاد في المياه” في 10 مناطق متأثرة بالجفاف بمنطقة أوروميا.
والأسبوع الماضي، حذّر “مركز التوقّعات والتطبيقات المناخية” في “الهيئة الحكومية للتنمية” (إيغاد) من أنّ الجفاف الحادّ الذي يعانيه القرن الأفريقي مرشّح للتفاقم هذا العام ممّا يهدد المنطقة بمجاعة أقسى من تلك التي تسبّبت بمئات آلاف الوفيات قبل عقد من الزمن.
وتعد إثيوبيا أكثر مناطق شرق أفريقيا عرضة للمجاعة لأسباب متعددة، على رأسها الحروب والجفاف، حيث شهدت البلاد مجاعة واسعة الانتشار بين عامي 1983 و1985، كأسوأ موجة جوع تضرب البلاد منذ قرن، مخلّفة 1.2 مليون وفاة و2.5 مليون مشرد داخلي، وآلاف اللاجئين.