القاهرة- انتهت انتخابات المحامين المصريين يوم الأحد الماضي بفوز عبد الحليم علام بمنصب النقيب من بين 18 مرشحا، وذلك بعد أن استبعدت محكمة القضاء الإداري أبرز مرشحين، وهما: النقيب الأسبق سامح عاشور، ومنافسه الأبرز المحامي منتصر الزيات.
ووفقا للمحكمة، جاء الاستبعاد لمخالفتهما شروط الترشح، ووجود بعض الموانع القانونية التي تحول دون ترشح كل منهما في تلك الانتخابات.
الجدل الذي أثاره استبعاد عاشور والزيات أعاد التساؤلات بشأن دور النقابة في حماية المحامين بوصفهم أحد أهم أركان منظومة العدالة، في وقت يشتكي فيه المحامون من مضايقات أمنية وصلت حد الاعتداء على بعضهم داخل المحاكم، مما سبب توترا بين المحامين والشرطة.
كما تتجدد الأسئلة عن دور نقابة المحامين السياسي، الذي كان حاضرا بقوة خلال العقود الماضية عبر نقباء عرفهم المصريون بمواقف سياسية معارضة، كما كانت نقابة المحامين مع جارتها في الشارع نفسه نقابة الصحفيين أهم النقابات اشتباكا مع الشأن السياسي، وشهدت مقراتهما اجتماعات للنشطاء السياسيين ومظاهرات واحتجاجات عدة.
نقابة لها تاريخ
يعود تأسيس أول نقابة محامين في مصر إلى عام 1912، وتقلد إبراهيم الهلباوي -وهو واحد من أشهر المحامين في تاريخ مصر- منصب أول نقيب لهم، وعمل على قضايا باتت جزءا من التاريخ المصري، مثل تمثيله الادعاء العام في قضية مذبحة دنشواي التي يعتبرها البعض وصمة عار في تاريخه.
ففي عام 1906، أقام الاحتلال الإنجليزي محاكمة لمجموعة من الفلاحين في قرية دنشواي بمحافظة المنوفية شمالا، بتهمة قتل ضابط إنجليزي قال الفلاحون إنه تعرّض لضربة شمس.
وقال الهلباوي في ادعائه “هؤلاء السفلة وأدنياء النفوس من أهالي دنشواي، قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنجليز بالعصي والنبابيت، وأساؤوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنجليز 25 عاما ونحن معهم بكل إخلاص واستقامة”.
وفي عام 1910، حانت فرصة للهلباوي ليكفر عن جريمته بحق المصريين، حيث ترافع عن الشاب إبراهيم الورداني الذي اغتال “بطرس غالي” الرئيس السابق للمحكمة التي أصدرت أحكام دنشواي، وقال الهلباوي في مرافعته “جئت للدفاع عن قاتل القاضي الذي حكم على أهالي دنشواي بالإعدام، جئت مدافعا أستغفر مواطنينا عما وقعت فيه من أخطاء شنيعة، اللهم أني أستغفرك وأستغفر مواطنينا”.
كما اشتهر النقيب الثاني للمحامين وأول رئيس لمجلس القضاء الأعلى عبد العزيز فهمي بمواقفه الوطنية، حيث كان العقل المدبر وقائد التنظيم السري لثورة 1919، وانضم مع سعد زغلول في الحركة الوطنية، وكان عضوا في الوفد الذي تشكل لمفاوضة الاحتلال الإنجليزي، وواحدا من السياسيين الثلاثة الذين سافروا إلى لندن عام 1919 لعرض المطالب المصرية بالاستقلال.
الدور السياسي للمحامين
في دراسته بعنوان “الدور السياسي لنقابة المحامين المصرية”، يرى الباحث أحمد فارس عبد المنعم أن نقابة المحامين منذ تأسيسها عام 1912 حرصت على ممارسة دور سياسي واضح، ومن هنا طلبت من وزارة الحقانية (العدل) عام 1913 أن تعرض عليها مشروعات القوانين التي تعدها لتبدي الرأي فيها.
تصاعد الدور السياسي للمحامين المصريين، حيث طالبت النقابة تمثيلها في الجمعية التشريعية وقت إنشائها. وفي الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى وحتى صدور دستور 1923، شاركت النقابة في الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال، وأن تتولى وضع الدستور جمعية تأسيسية منتخبة. وقد تبنت النقابة العديد من المواقف التي اتخذها حزب الوفد في نضاله ضد الاستعمار وتمثيله للأغلبية.
كما دافعت النقابة عن الديمقراطية، فوقفت ضد حل مجلس النواب عام 1925، وحل البرلمان عام 1928، وإلغاء دستور 1923 في عام 1930، وضد إعلان الأحكام العرفية عام 1949. ورفضت النقابة محاولات التدخل في انتخاباتها عامي 1933 و1938، كما اعترضت عام 1947 على مشروع قانون طرحته حكومة إسماعيل صدقي على البرلمان بخصوص المحاماة.
النقابة الحائرة
وحول الدور السياسي لنقابة المحامين بعد ثورة 1952، يقسّم الكاتب والباحث السياسي عمار علي حسن دور النقابة ومساهمتها في العمل السياسي إلى مرحلتين: الأولى هي الفترة الانتقالية التي تلت قيام ثورة 1952 وانتهت عام 1956، حيث غلب طابع المعارضة على أداء نقابة المحامين، حتى أقدمت السلطة على حل مجلس النقابة عام 1954 وتعطيل العمل بقانونها.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف حسن أنه منذ ذلك التاريخ، مرّت مياه كثيرة من تحت الجسر، حيث عادت الأمور إلى نصابها نسبيا خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1970-1981)، حيث غلب طابع المعارضة على أداء نقابة المحامين، وأيد مجلس النقابة مظاهرات الطلبة عامي 1972 و1973، كما أيد الانتفاضة الشعبية في 17 و18 يناير/كانون الثاني 1977 (احتجاجات شعبية ضد قرارات زيادة الأسعار أطلقت عليها السلطات اسم انتفاضة الحرامية)، واعترضت نقابة المحامين على زيارة السادات للقدس، وعلى إبرام معاهدة كامب ديفيد.
وقادت هذه المواقف السلطة السياسية في النهاية إلى اتخاذ قرار بحل مجلس النقابة المنتخب، وتعيين مجلس مؤقت في يوليو/تموز من عام 1981، وعدم الاستجابة للعديد من المطالب النقابية للمحامين.
وخلال فترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك (1981-2011) تصاعد الدور السياسي لنقابة المحامين بشكل لافت، وكانت مسرحا لمظاهرات واحتجاجات عدة.
حرب ممنهجة
وحول الأسباب التي أدت لتراجع العمل السياسي لنقابة المحامين، يقول المحامي والناشط السياسي أسعد هيكل إنه حتى عام 1952 كان المحامون هم طليعة الشعب وقادته السياسيون، وكانوا هم الذين يشكلون الوزارات ويستجوبون الحكومات أمام البرلمان، ومنهم كانت تتشكل الحكومات والوزارات السيادية للبلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف هيكل أنه حين وقعت حركة الضباط في 1952 وانفرد العسكريون بالحكم، نشأت حرب ممنهجة ضد نقابة المحامين، حتى لا يكون هناك صوت يخالف السلطة، ومن هنا ظهرت حملات إعلامية وأفلام هزلية ومسلسلات ومسرحيات موجهة ضد مهنة المحاماة، بحسب اعتقاده.
واعتبر المحامي المصري أن ذلك أفضى إلى ما وصفه باهتزاز صورة المحاماة، وتراجع الدور الوطني لنقابة المحامين، وظلت في حالة من التقوقع أمام هذه الحرب الموجهة، باستثناء عدة مواقف على فترات زمنية، مثلما حدث عام 1971 لموقفها من ثورة التصحيح (إطاحة السادات برجال عبد الناصر)، ثم عام 1979 لرفضها لمعاهدة السلام مع إسرائيل، وفي التسعينيات لتنديدها المستمر بعمليات التعذيب في السجون والمعتقلات، حتى انتهى الأمر إلى فرض الحراسة القضائية على نقابة المحامين عام 1996 وحل مجلسها برئاسة النقيب الراحل أحمد الخواجة.
وقال هيكل إن كل هذه الإجراءات أدت في النهاية إلى تحجيم دور النقابة الوطني، ثم كان الصراع على السيطرة عليها -وخاصة على منصب النقيب- بداية من التسعينيات وحتى الآن، ما بين مرشح السلطة ومرشح الإخوان المسلمين.
وأضاف أن هذا ظهر جليا في الانتخابات الأخيرة بين “مرشح السلطة عبد الحليم علام الذي فاز بالمنصب، والمرشح المدعوم من الإخوان نبيل عبد السلام الذي جاء في المركز الثاني”، مشيرا إلى أن الفوز بمنصب النقيب مؤخرا بات يحسمه مدى قرب المرشح وموالاته للسلطة، وكذلك قوة تأثير المال السياسي، وفق قوله.
من يدافع عن المحامين؟
وتطرّق أسعد هيكل لقضية في غاية الخطورة كما يصفها، وهي مسألة الاعتداء على المحامين أثناء مباشرتهم حق الدفاع، ويعلل ذلك بتراجع دور النقابة كثيرا عن مواقفها السابقة، حيث كانت تمنع في الماضي وقوع مثل تلك الاعتداء على حق الدفاع، أو انتهاك حقوق المحامين أمام المحاكم أو خلال تنفيذ الأحكام. وقد وصل الأمر إلى الاعتداء المباشر على المحامين من قبل بعض أفراد الشرطة.
وضرب مثالا بما جرى مع محامية مركز بلبيس في محافظة الشرقية، عندما ضربها الضابط بالمسدس على رأسها، ومحامي مركز فارسكور بمحافظة دمياط شمالا الذي تعرّض لانتهاكات جسيمة من أحد الضباط، لدرجة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قدم بنفسه له اعتذاره الشهير عما حدث، لبشاعة الجرم الواقع عليه.
وفي يوليو/تموز 2015، أعرب السيسي عن اعتذاره للمحامين عن اعتداء ضابط بالحذاء على أحدهم، وقال السيسي “أنا بقول للمحامين كلهم حقكم عليا، وأنا بعتذر لكم يا فندم.. أنا بعتذر لكل مواطن مصري تعرض لأي إساءة، باعتباري مسؤول مسؤولية مباشرة عن أي شيء يحصل للمواطن المصري”.