لندن- فجأة، تحول موضوع الأجسام الغريبة الطائرة والمنطاد القادم من الصين نحو السماء الأميركية إلى قضية أمن قومي في عدد من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة التي وإن لم تعلن رصد أي جسم غريب فوق سمائها، فإنها استنفرت سلاح الجو لديها لإسقاط أي منطاد طائر يدخل أجواء البلاد.

وتوعد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أي دولة تحاول إرسال أجسام طائرة لأجواء بلاده، مؤكدا أن الجيش البريطاني وضع خطة للتعامل مع هذه الأجسام ووضع طائرات “تايفون” على أهبة الاستعداد من أجل إسقاطها، إضافة إلى القيام بمراجعة شاملة للأشهر الماضية للتحقق مما إذا كان أي منطاد قد دخل الأجواء البريطانية في غفلة عن الأقمار الصناعية التابعة للجيش.

 
Kitsch Liao
الخبير الأميركي كيتش لياو يتوقع استمرار وصول المناطيد الصينية لسماء الولايات المتحدة ودول أخرى (مواقع إلكترونية)

من السر إلى العلن

وكشف مسؤولون في تايوان عن أنهم يرصدون عشرات المناطيد الصينية التي تدخل أجواء تايوان، وذلك منذ سنوات، إذ يشتبه المسؤولون بتايبيه في أن الغرض منها جمع المعلومات والتشويش على أجهزة المراقبة الجوية.

كما اتهمت أوكرانيا روسيا بأنها تطلق أجساما طائرة غريبة في سماء أوكرانيا من أجل التشويش على سلاح الجو الأوكراني.

ورغم التطمينات التي قدمها المسؤولون العسكريون الأميركيون والبريطانيون بأن مثل هذه المناطيد لا تشكل خطرا على أمن المواطنين، فإن الهالة التي أحيطت بها متابعة دخول هذه المناطيد للأجواء الأميركية والكندية تثير الأسئلة عما إذا كانت تستحق أم أن الأمر مبالغ فيه.

ولمعرفة أسباب استنفار المخابرات والجيوش الغربية لمواجهة هذه المناطيد الطائرة، يكشف ذلك كيتش لياو نائب مدير المنصة الصينية في مركز الأبحاث الأميركي المجلس الأطلسي عن أن هذه المناطيد باتت مرئية.

 

ويوضح خبير الأمن المعلوماتي الأميركي ذلك بالقول “إن هذه الأجسام والمناطيد كانت معروفة لدى الجيش الأميركي والمخابرات الأميركية منذ مدة وليس الآن، لكن الذي دفع الجيش الأميركي لإسقاط المنطاد أنه أصبح مرئيا للمدنيين، وتصدّر الموضوع اهتمام الإعلام، فكان على الجيش التحرك وإسقاطه”.

 

جمع المعلومات

ويتابع الخبير الأميركي في قضايا الأمن والتجسس حديثه مع الجزيرة نت قائلا إن قضية المناطيد كان يتم التعامل معها بشكل سري بين أجهزة المخابرات والجيش الأميركي، لكن المسألة تحولت إلى قضية رأي عام، كما أنها رسالة إلى الصين بأن ما تقوم به من تحركات هو موضوع رصد من الجيش الأميركي، حسب تعبيره.

ورغم إقرار لياو بأن هناك معطيات قليلة حول المناطيد والأجسام الغريبة الطائرة، فإنه أكد أن أحجامها تفوق أحجام المناطيد المستعملة في مراقبة أحوال الطقس، مضيفا أن تحرك مناطيد رصد الطقس مقيد باتفاقية شيكاغو التي تسمح للأجسام الطائرة بجمع المعلومات عن الطقس ودخول أجواء دولة أخرى مع ضرورة إخبار هذه الدولة.

وإضافة إلى كون حجم المنطاد الذي أسقطته القوات الأميركية أكبر بكثير من المناطيد المستعملة في رصد الطقس، فإن هناك مشكلة أخرى تكمن في أن هذه المناطيد قادرة على التحليق على ارتفاع عال جدا يتراوح بين 80 و120 ألف قدم، مع الأخذ في الاعتبار أن الطائرات العسكرية تستطيع التحليق على ارتفاع يزيد على 65 ألف قدم؛ الأمر الذي يشكل تحديا أمنيا في رصد هذه المناطيد.

A U.S. Air Force KC-135 aerial refueling aircraft refuels an F-16 fighter during the U.S.-led Saber Strike exercise in the air over Estonia June 6, 2018. REUTERS/Ints Kalnins
خبيرة أميركية تؤكد صعوبة إسقاط كل الأجسام الطائرة فوق سماء أميركا لأن ذلك يتطلب توفير إمكانات عسكرية كبيرة (رويترز)

لن تتوقف

ووصف الخبير في قضايا الدفاع ردة الفعل الأميركية والغربية عموما بأنها “ردة فعل مفهومة خصوصا لطمأنة المواطنين”، مضيفا أن الأمر “سيعود ليصبح ملفا أمنيا سريا ويتم التعامل معه كمسألة أمن قومي بعيدا عن أعين الإعلام”.

وتوقع أن تستمر هذه المناطيد في الوصول لسماء الولايات المتحدة الأميركية ولدول أخرى، “فالجيش الأميركي كان يراقب هذه المناطيد منذ مدة وليس الآن فقط، وأعتقد أن الصين ستواصل إرسالها بشكل مستمر رغم ما تسببت فيه من أزمة مع واشنطن”.

 

 

ظواهر غريبة

وفي حوار مع قناة “سي إن إن” (CNN) الأميركية، كشفت بيث سانير المسؤولة السابقة في وكالة الأمن القومي الأميركية والتي تعمل حاليا باحثة في جامعة هارفرد عن أن موضوع المناطيد والأجسام الغريبة ليس جديدا على المخابرات الأميركية.

وكشفت المسؤولة الأمنية السابقة عن أن وكالة الأمن القومي قدمت عام 2021 تقريرا من 247 صفحة، تحدثت فيه عن اكتشاف ورصد ظواهر وأجسام طائرة غريبة، وبأن نصف هذه الأجسام على شكل منطاد أو شكل كرات طائرة وأجسام أخرى على شكل أكياس بلاستيكية، لافتة إلى صعوبة إسقاط كل الأجسام الطائرة فوق السماء الأميركية، لما يتطلبه ذلك من توفير إمكانات عسكرية كبيرة، مبينة أن التحدي الذي تواجهه وكالات المخابرات والجيش يكمن في معرفة إن كانت هذه الأجسام تشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي أم لا.

المصدر : الجزيرة

About Post Author