تتعرض إمدادات القمح العالمية حاليا لضغوط شديدة بسبب مجموعة من الظروف الجوية المعاكسة والصراعات الجيوسياسية المستمرة، مما قد ينذر بعودة ارتفاع تكاليف الغذاء.
ووفقا لتقرير صدر مؤخرا عن بلومبيرغ، فإن محللين يتوقعون أن تظل مخزونات القمح عند أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من عقد من الزمن، كما هو مبين في توقعات وزارة الزراعة الأميركية المقبلة.
تشكل جملة من التحديات العالمية الراهنة عوائق كبيرة أمام إمدادات القمح العالمية، نذكر أهمها:
كان المزارعون في جميع أنحاء أوروبا الغربية يعانون من ربيع رطب غير عادي أعاق بشكل كبير نمو المحاصيل. وفي مناطق مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، لم تؤد الأمطار المستمرة إلى تأخير زراعة الربيع فحسب، بل أثارت أيضًا المخاوف بشأن جودة المحاصيل الشتوية، وفقا لبلومبيرغ.
وتعد جودة الحبوب أمرًا بالغ الأهمية لأنها تحدد ما إذا كان سيتم استخدام المحصول للاستهلاك البشري أم تحويله إلى علف للحيوانات.
وأعرب بينوا بيترمنت، رئيس مجلس الحبوب في شركة “فرانس أغري مير”، لبلومبيرغ عن مخاوفه بشأن تأثر المناطق غير المزروعة بسبب هذه الظروف الجوية السيئة.
تواجه كل من أستراليا والولايات المتحدة ظروف جفاف شديدة تهدد بمزيد من الضغط على إمدادات القمح العالمية.
وتقول الوكالة إن فصل الصيف الحار والجاف في أستراليا أدى إلى جفاف التربة، خاصة في مناطق زراعة القمح الرئيسية مثل الغرب الأسترالي. ورغم أن الأمطار الأخيرة وفرت بعض الراحة، فإن خطر تلف المحاصيل لا يزال مرتفعا إذا لم يستمر هطول الأمطار.
وحذر المدير المساعد في بنك الكومنولث الأسترالي دينيس فوزنيسينسكي من احتمال “قلي” المحاصيل إذا استؤنفت موجة الجفاف بعد الإنبات.
وبالمثل، يعاني جزء كبير من حقول القمح الشتوي في الولايات المتحدة من الجفاف منذ أوائل أبريل/نيسان الماضي. ورغم أن التوقعات الأخيرة تشير إلى احتمال هطول أمطار، فإن الوضع لا يزال محفوفا بالمخاطر.
تؤدي الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا إلى تفاقم الوضع من خلال تعطيل الإنتاج الزراعي والصادرات. وأدت الهجمات المتكررة على البنية التحتية الزراعية، وتجنيد المزارعين في الخدمة العسكرية إلى إعاقة الإنتاج الزراعي في أوكرانيا بشدة، وفقما قالته بلومبيرغ.
ويتوقع المحللون انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 6% هذا الموسم مقارنة بالعام الماضي، مع توقع تحول العديد من المزارعين من القمح إلى محاصيل أكثر ربحية مثل بذور اللفت.
وكانت استجابة السوق لهذه التهديدات المتعلقة بالإمدادات كبيرة، حيث انتعشت العقود الآجلة للقمح لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ أغسطس/آب الماضي.
وتشير الوكالة إلى أن هذا الارتفاع في الأسعار يثير قلقا خاصا بالنسبة للمستهلكين في مختلف أنحاء العالم.
وقال جيمس بوليسوورث، العضو المنتدب في شركة “آغري كوميديتيز”، تعليقا على المخزونات العالمية المحدودة وزيادة الطلب، “لقد زاد الطلب، وما زالت المخزونات شحيحة على مستوى العالم، في وقت تتصاعد فيه مشكلات المحاصيل الجديدة”.
ولا يؤثر هذا الارتفاع في أسعار القمح على تكلفة الأغذية الأساسية مثل الخبز والمعكرونة فحسب، بل له أيضًا آثار اقتصادية أوسع.
ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى إشعال الضغوط التضخمية من جديد، مما يجبر البنوك المركزية على إعادة النظر في سياساتها النقدية في وقت أصبحت فيه المحاصيل الرئيسية الأخرى مثل الكاكاو والبن أكثر تكلفة.
وشدد تقرير بلومبيرغ على أنه مع اقتراب موسم الحصاد في نصف الكرة الشمالي، ستكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة لتنمية المحاصيل.
ويراقب المجتمع الزراعي وتجار السلع الأساسية -وفقا للوكالة- أنماط الطقس عن كثب، حيث يمكن للظروف المواتية أن تخفف بعض ضغوط العرض الحالية.
وسلط مدير مخاطر السلع بشركة “ستون إكس” مات أميرمان الضوء على حالة عدم اليقين، قائلا “هناك الكثير من الطقس الذي يمكن التداول فيه حتى الآن، والمحصول بعيد عن الاكتمال، وإذا هطلت الأمطار فستكون لها قيمة”.