من السهل والمنطقي أن نستنتج أن الولايات المتحدة اليوم قريبة من حافة الحرب الأهلية تماما كما كانت قبيل عام 1861، غير أنها في الواقع لم تصل بعد إلى تلك النقطة؛ وإن كان ذلك لا يعني أنها ستتمكن من تجنب صراع عنيف.
هذا ما يراه أحد كبار محرري صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) الأميركية، مشيرا إلى أن مجموعة واسعة من الجمهوريين والديمقراطيين والأكاديميين، على حد سواء، ممن يتابعون العنف والتطرف؛ يقبلون الآن فكرة أن “الحرب الأهلية إما وشيكة أو ضرورية”.
ويضيف الكاتب مارك فيشر في مقاله أن هؤلاء يقدمون أدلة قد تبدو مقنعة مثل عاصفة التهديدات ضد عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي وضد القضاة والمسؤولين المنتخبين وأعضاء مجالس إدارات المدارس ومشرفي الانتخابات، كما يشيرون في هذا الصدد، إلى معسكرات التدريب، حيث يتدرب متطرفون أميركيون مدججون بالسلاح لمواجهة حكومتهم، هذا فضلا عن استطلاعات الرأي التي تظهر أن العديد من الأميركيين يتوقعون صراعا عنيفا.
غير أن فيشر يرى أن من السهل والمنطقي أيضا استنتاج أن انتشار خطاب المتطرفين اليمينيين، والتحذيرات المقلقة في وسائل الإعلام الرئيسية، ووابل التهديدات والهجمات الفردية التي وجهت هذا الشهر (أغسطس/آب) لمكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) بعد تفتيشه منزل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لا تصل كلها حد توقع الاحتمال المخيف للحرب الأهلية.
ووفق الكاتب فإن هناك مجموعتين تنقسمان حول كيفية التعامل بجدية مع تهديد الحرب الأهلية ليس مجرد مثال آخر على الانقسامات العميقة في أميركا، بل يعكس نوعا من الاتفاق على أساس حقائق مشتركة.
فالمجموعتان هما من المحللين، أي من يقولون إن البلاد تتجه نحو حرب أهلية ومن يقولون إن التهديد الموجود يقتصر -إلى حد كبير- على الأفراد والمجموعات الصغيرة غير المنظمة التي لا تشكل أعمالها الخطيرة والمشتتة أساسا لحرب أهلية، متفقون على التقليل من احتمال تنفيذ هجوم منظم وعنيف على الحكومة أو السلطات المحلية أو تلك التابعة للولايات.
ولكن لا يزال هناك انقسام حاد حول ما إذا كانت سلسلة الهجمات الفردية وهجمات الجماعات الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى صراع شبيه بالحرب يزعزع استقرار البلاد، على حد تعبير فيشر.
وما يتفق عليه كلا الجانبين في نقاشهما لمسألة الحرب الأهلية هو أن الاتجاه الأكثر إثارة للقلق -في هذه المرحلة الأكثر خطورة من اندفاعات العنف المتفرقة في السنوات الأخيرة- هو فقدان الثقة والأمل والشعور بالانتماء إلى مجتمع تضررت لحمته بشكل كبير.
وتحدث الكاتب عن أحد الكتّاب والمنظرين الذين حرضوا على الحرب الأهلية واسمه ويليام بيرس، وقد ألف كتاب “يوميات تيرنر” (The Turner Diaries) وهو أستاذ فيزياء تحول إلى ناشط في النازية الجديدة.
وذكر فيشر أنه قابل هذا الكاتب، وذلك قبل ربع قرن من الآن، وقال له بالحرف إن هدف من يأمل أن يقرؤوا كتابه هو “الإطاحة بالحكومة وتخليص البلاد من اليهود والسود”، على حد تعبيره.
وأضاف بيرس “أود أن أرى أميركا الشمالية تتحول إلى قارة بيضاء.. علينا أن ندمر النظام قبل أن يدمرنا، إذا لم نقطع هذا السرطان من أجسامنا؛ سيختفي جنسنا كليا”.
ولفت الكاتب إلى أن بيرس، الذي توفي عام 2002، ذكر له أنه يتوقع أن تصبح أعمال العنف الفردية المستوحاة من كتابه الآنف الذكر، أكثر تكرارا، قائلا “يوما ما سيكون هناك إرهاب حقيقي ومنظم يتم وفقا لخطة تهدف إلى إسقاط الحكومة”.
وفي كتاب جديد بعنوان “سنعود: سقوط وصعود أميركا”، يستعرض الكاتب المحافظ كورت شليشتر سيناريوهات أي حرب أهلية ويخلص إلى أن الولايات الزرقاء (التي يديرها الجمهوريون) تواجه تحديا، لن تتمكن من تجاوزه إلا بالسيطرة على المناطق الريفية الموجودة بينها.
لكن علماء آخرين ينظرون إلى نفس الأدلة ويرون إمكانية استقرار العنف أو زواله، إذ تقول جولييت كاييم، التي ترأس برنامج الأمن الداخلي في كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، إن الحركات العنيفة إما أن تنمو أو تتقلص.
وما دام ترامب ينظر بشكل متزايد إلى أنصاره بوصفه خاسرا، فإن كاييم تتوقع أنهم سينفضون عنه، وهذا لا يعني، حسب رأيها، أن الأيديولوجيا التي يؤمنون بها قد هزمت “بل إنها ببساطة توقفت عن تحفيز الناس على العمل”؛ وفقا لما كتبته كاييم في مجلة “أتلانتيك” (Atlantic) هذا الشهر.
وفي نفس السياق، يرى كاتب المقال أن الحديث عن الحرب الأهلية يطغى بشكل كبير على الفعل نفسه، لافتا إلى أن اللغة العنيفة والمظلمة ظلت دائما في صميم دعاية ترامب ولسنوات عديدة. وهنا ينقل فيشر عمّن وصفه بالخبير في مكافحة التطرف أورين سيغال قوله “نحن نعيش في بلد أدى فيه التضليل الإعلامي وفكر المؤامرة والأكاذيب إلى هجمات مميتة”.
ويأمل سيغال، الذي يتتبع ظاهرة التطرف في أميركا لصالح أحد المراكز اليهودية، أن تؤدي محاسبة مرتكبي أحداث السادس من يناير/كانون الثاني 2021 والتحقيق في دور ترامب في إثارة الهجوم على مبنى الكابيتول إلى احتواء هذا التوجه بطريقة أو بأخرى.
ويختم الكاتب بالقول إنه من الصعب رؤية حرب أهلية تنبثق من الفوضى الحالية، ولكن كما يقول سيغال “أنا أكثر قلقا بشأن ما هو غائب عنا ولا يمكننا رؤيته”.