الاحتجاجات تتواصل في أنحاء إيران منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي (الأناضول)

الاحتجاجات تتواصل في أنحاء إيران منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي (الأناضول)

طهران- رغم التفافهم المعهود حول المصالح الوطنية واصطفافهم بوجه كل ما يهدد أمنهم القومي، فإن الاحتجاجات الأخيرة في الجمهورية الإسلامية أبرزت عمق التباين وعدم التوافق في وجهات النظر لدى الأوساط الإيرانية.

وانطلاقا من مقولة “الاتفاق على عدم الاتفاق”، اختلف الإيرانيون هذه المرة بشأن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المدانين في الأحداث الأخيرة؛ بين مَن يرى أن حكم “الحرابة” ينطبق على هؤلاء، وآخرون يعتبرون المحاكمات متسرعة وصورية وتهدف إلى ترهيب المشاركين في الاحتجاجات.

 

وعقب الضجة التي خلفها إعدام المتظاهر محسن شكاري بتهمة “جرح عنصر من قوات الباسيج بسلاح أبيض”، استيقظت إيران صباح اليوم الاثنين على خبرين متناقضين؛ الأول “وقف تنفيذ حكم الإعدام بحق الشاب ماهان صدارت مدني بعد تنازل المدعين عن القضية وشموله قانون الرأفة الإسلامية”.

أما النبأ الآخر فقد جاء صادما بشأن تنفيذ حكم إعدام الشاب مجيد رضا رهنورد الذي كان قد أدين بـ”قتل عنصرين من القوى الأمنية، والتسبب بجرح 4 آخرين بسلاح أبيض في مدينة مشهد”، ووجهت إليه تهمة الحرابة.

ويأتي تنفيذ ثاني عملية إعدام على صلة بالاحتجاجات الأخيرة في إيران، بعد 4 أيام فقط من إعدام شكاري الذي أثار موجة غضب داخلية وتنديدات دولية واسعة، إثر الاحتجاجات المندلعة منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي على وفاة الشابة مهسا أميني عقب توقيفها من جانب شرطة الأخلاق بحجة عدم التزامها بارتداء لباس محتشم.

خطيب جمعة طهران آية الله أحمد خاتمي أيّد صرامة السلطة القضائية في تطبيق حد الحرابة (الصحافة الإيرانية)

قانون العقوبات

رسميا، دافع المتحدث الرسمي باسم السلطة القضائية مسعود ستايشي عن الأحكام الصادرة بحق المدانين، مستدلا بالآية 33 من سورة المائدة المباركة، والمادة 279 من قانون العقوبات الإيراني، مؤكدا أن قاضي المحكمة أصدر أقسى عقوبة بحق المدان شكاري وفقا للظروف الراهنة في البلاد.

ووفقا للمادة 279 من قانون العقوبات الإيراني، فإن الحرابة هي التعرض للناس بالسلاح، لسفك دمائهم، وغصب أموالهم، وانتهاك أعراضهم، أو ترهيبهم، إذ يؤدي ذلك إلى زعزعة الأمن في المجتمع.

 

وتحدد المادة 282 من قانون العقوبات الإيراني طبيعة حد الحرابة على الوجه الآتي:

  • الإعدام.
  • الصلب.
  • قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.
  • النفي عن البلاد.

في سياق ذلك، ثمّن خطيب جمعة طهران، آية الله أحمد خاتمي، صرامة السلطة القضائية في تطبيق حد الحرابة بحق محسن شكاري “ليعرف المشاغبون أن القانون هو سيد الموقف في البلاد”، على حد تعبيره، وسط أصوات برلمانية أخرى تطالب بتسريع تنفيذ الإعدام بحق من أسمتهم “المشاغبين”.

في المقابل، أكد عدد من علماء الدين الإيرانيين، رفضهم لحكم الحرابة الصادر بحق محسن شكاري ووصفوه بأنه “باطل” لعدم تحقق شروط الحرابة في الملف، ولا سيما أن المتهم لم يقتل أحدًا، ولم يرعب الناس، بل كان تهديده موجها ضد رجال الأمن.

المحتجون في إيران طالبوا بإصلاحات دستورية وسياسية (رويترز)

جدل فقهي

وفي السياق، قال آية الله محمد رضا رحمت، عضو مكتب الاستفتاءات في بيت مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، إن عقوبة ترهيب الناس وإغلاق الشارع وجرح الأفراد ليست الإعدام، وإنما النفي عن البلاد، أو قطع اليد والرجل.

ونقل آية الله رحمت عن مؤسس الثورة الإيرانية رأيه بشأن حكم الحرابة والذي كان يعتقد بصوابية صدور حكم الإعدام على الشخص الذي يرتكب جريمة القتل، داعيا مراجع الدين والحوزات العلمية إلى إعلان رأيها بالملف، كما أكد على ضرورة عدم تسييس الأحكام الفقهية.

من جانبه، قال آية الله مرتضى مقتدائي الرئيس السابق للمحكمة العليا المدعي العام الإيراني السابق إن حكم الإعدام لا يصدر بحق كل المدانين بالحرابة إلا إذا قتل نفسا، أما إذا كانت إدانته بسبب تهديده وتخويفه جماعة بالسلاح فإن حكمه ليس الإعدام ولو كان محاربا.

آية الله مرتضى مقتدائي: حكم الإعدام لا يصدر بحق كل المدانين بالحرابة إلا إذا قتل نفسا (الصحافة الإيرانية)

نقاشات ومناظرات

واستغل الإيرانيون وسائل الإعلام ومنصات التواصل -في حدود مساحات الحرية المتوفرة لديهم- لبيان ما يعتقدونه ونقد الآراء الأخرى، وقد دعا كل طرف الطرف الآخر لعقد مناظرات بحضور الأكاديميين وطلبة الجامعات.

 

وكان أستاذ القانون بجامعة طهران محسن برهاني سبّاقا في دعوة مؤيدي حكم الإعدام بحق الشاب محسن شكاري إلى مناظرة، ليعلن الشيخ جليل محبي، الأمين السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، استعداده للمناظرة التي عقدت في جامعة الإمام الصادق شمالي طهران.

وفي حين استدل الشيخ محبي بقيام المتهم بقطع الطريق على الناس في شارع ستارخان غربي طهران مستخدما سلاحا أبيض، وترهيبهم من خلال مهاجمة فئة منهم، دحض برهاني هذه الاتهامات بالقول إن شكاري لم يوجه تهديدا للناس وإنما هاجم أحد أفراد القوات الحكومية ثم انسحب من المكان، كما أن المطعون لم يقتل إثر الحادث.

وعلى وقع التباين القائم منذ أيام في إيران، ترى شريحة في تنفيذ حكم الإعدام بحق المدانين عامل ردع لوضع حد لما يعتبرونها “أعمال شغب موجهة من الخارج”، لكن فريقا آخر من الإيرانيين يذهب إلى أن مثل هذه الأحكام لن تعالج الاحتقان الشعبي وقد تنعكس سلبا على استقرار البلاد.

وخلافا للأيام 5 و6 و7 ديسمبر/كانون الثاني الجاري حيث احتدمت الاحتجاجات في طهران وبلغت ذروتها في يوم الطالب الجامعي الأربعاء الماضي، إلا أنها انحسرت خلال الأيام الماضية بالعاصمة، وإن لم تختفِ نهائيا.

المصدر : الجزيرة

About Post Author