توفي الفنان المصري هشام سليم، عن عمر يناهز 64 عاما متأثرا بإصابته بسرطان الرئة. ومن المقرر تشييع الجنازة بعد ظهر اليوم الخميس من مسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد في مصر، وذلك وفق ما أكده نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي.
وكانت شائعات قد أثيرت في مايو/أيار الماضي حول الحالة الصحية لـ”سليم” وإصابته بسرطان الرئة، إلا أنه أكد لمواقع فنية أنه يتمتع بصحة جيدة.
ولد الفنان هشام سليم في 27 يناير/كانون الثاني عام 1958، وهو ابن لاعب الكرة ورئيس النادي الأهلي الراحل صالح سليم الملقب بمايسترو الكرة المصرية.
تخرج في كلية السياحة والفنادق، وكان أول ظهور له من خلال أدائه دور ابن الفنانة فاتن حمامة في فيلم “إمبراطورية ميم” من إخراج حسين كمال. وآخر الأعمال التي شارك في بطولتها مسلسل “هجمة مرتدة” 2021.
وشهدت جنازة الفنان هشام سليم أمس الخميس حضورا كبيرا من نجوم الفن في مصر والعالم العربي. واكتفت أسرة الممثل المصري بأن يقتصر العزاء على تشييع الجنازة.
وأصدرت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي بيانا تنعى فيه الفنان الراحل، وجاء فيه “عرف سليم طريق الأضواء طفلا وصبيا في فيلمي “إمبراطورية ميم” و”عودة الابن الضال”، ثم أكمل مشواره السينمائي منذ نهاية السبعينيات وعلى مدار 40 عاما، مقدما العديد من الأفلام المهمة من بينها “اغتيال مدرسة” و”الهجامة” و”كريستال” و”أرض الأحلام” و”يا دنيا يا غرامي” و”العاصفة” و”كلام في الحب” و”الناظر”، كما تألق في العديد من المسلسلات التلفزيونية في مقدمتها بالطبع “ليالي الحلمية” و”أرابيسك”، بجانب المسرحية الشهيرة “شارع محمد علي”، وينعى الفنان حسين فهمي رئيس المهرجان والمخرج أمير رمسيس مدير المهرجان الفنان الكبير وأسرته وجمهوره”.
ابن جيل المتفرجين
يمثل هشام سليم نموذجا لمواليد النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، بما شهده من ظروف سياسية وتغيرات اجتماعية، جيل يمكن تسميته بـ”جيل المتفرجين” لم يُتح له المشاركة في الحرب، لكنه شهد الهزيمة والنصر من مقعد المتفرج، وتأثر بنتائجها والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التالية لها، لكن ما يجعل سليم نموذجا مثاليا هو المسيرة الفنية التي بدأها مبكرا، والتي يمكن تتبعها عبر أفلامه ومسلسلاته التلفزيونية.
بداية سينمائية بترشيح من فاتن حمامة
كانت الصداقة تجمع بين الفنانة فاتن حمامة وأسرة لاعب الأهلي الشهير والممثل المصري صالح سليم، الذي شاركها بطولة فيلم “الباب المفتوح” عام 1963، في تلك الفترة كان هشام سليم طفلاً في الخامسة من عمره. سيكبر قليلاً ليظهر بعد 9 أعوام مع سيدة الشاشة العربية في فيلمها “إمبراطورية ميم” عام 1972، ليؤدي دور ابنها المراهق الوسيم ذي الـ14 عاما ليبدأ مسيرته الفنية، ويلفت الأنظار ويحقق نجاحا واعدا. مراهق محاط بعالم جديد كليا، يتخبط بين الأفكار القديمة والمستوردة الجديدة، التحرر والالتزام، قبل أن يشاركها في الفيلم التالي “أريد حلاً” عام 1975.
في العام التالي 1976 يختاره المخرج الكبير يوسف شاهين والنجم الكبير محمود المليجي في فيلم “عودة الابن الضال”، في مسيرة تبدو واعدة لنجم شاب لم يكمل الـ20 عاما بعد، يودّع المراهقة في فترة التعافي من آثار الحرب لتستقبله فترة الانفتاح الاقتصادي والتحولات الاجتماعية التالية عليه بكل ما تحمله من تقلبات، لكنه سيوقف مساره الفني لينهي دراسته الجامعية في مصر عام 1981، قبل أن ينتقل إلى العاصمة البريطانية للدراسة الحرة في الأكاديمية الملكية في لندن.
عودة للسينما بين نجوم كبار
كانت الثمانينيات مرحلة سينمائية جديدة في مصر، انفتاح إنتاجي واسع، وأفكار جديدة في السرد السينمائي والبصري، مع مخرجي الموجة الجديدة في مصر، ومثلما كانت الثمانينات فترة طاحنة للشباب من أبناء العشرينيات، كانت مقاعد النجوم محجوزة لمواليد الجيل السابق على جيلهم، بالتحديد لمواليد الأربعينيات أمثال عادل إمام ونور الشريف وأحمد زكي.
وبين كل هؤلاء لم يتمكن الشاب العشريني هشام سليم وأقرانه من الظهور في الأدوار الأولى، فشارك في عدد من الأفلام بأدوار ثانوية، لكنها كانت مرحلة نشاط للفنان الراحل، ليقدم نحو 22 فيلما خلال 6 سنوات منذ 1984 وحتى 1989، كان أبرزها “لا تسألني من أنا” مع شادية ويسرا، و”تزوير في أوراق رسمية” مع ميرفت أمين ومحمود عبد العزيز عام 1984، و”اغتيال مدرسة” عام 1988 مع نجمة الجماهير آنذاك نبيلة عبيد، وفيلم “الأراجوز” مع النجم العالمي عمر الشريف عام 1989.
في تلك الفترة لم يؤد هشام سليم أي أدوار بطولة، لكنه حاز أول بطولة سينمائية له في التسعينيات من خلال فيلم “يا مهلبية يا” مع ليلى علوي، و”كريستال” أمام نجمة الاستعراضات شيريهان، التي شاركها أيضا في بطولة فيلم “ميت فل” عام 1993، وفي مسرحية “شارع محمد علي” مع النجم الكبير فريد شوقي عام 1991.
وجه يحبه التلفزيون
ظلت التسعينيات حقبة قليلة الحظ بالنسبة لجيل المتفرجين الذي ينتمي له هشام سليم، مقاعد نجوم السينما لا تزال مشغولة لنجومها الكبار السابقين، فوجد حظه في التلفزيون، إذ شارك في عدد من المسلسلات الفارقة في تاريخ الدراما المصرية. ليجسد نموذج الشباب أصحاب الطموح والتطلعات لكنهم مثبتون إلى مقعد المتفرج كذلك.
وكان أول ظهور تلفزيوني له عام 1988 في مسلسل “الراية البيضاء”، مع دور يشبهه إلى حد كبير “هشام أنيس”، شاب يملك ثقافة ومعرفة لكن إمكاناته لا تساوي شيئا أمام التحولات الاجتماعية التي صعدت بتاجرة خردة إلى مصاف الطبقات العليا، ودور يشبهه أيضا في مسلسل “أرابيسك”، ثم شخصية عادل سليم البدري في المسلسل متعدد الأجزاء “ليالي الحلمية”، ليواصل الظهور التلفزيوني منذ التسعينيات وحتى الموسم الرمضاني 2021، في علامات درامية حققت نجاحا جماهيريا وإشادة نقدية من أهمها “السيرة العاشورية” و”طيور الشمس” و”أماكن في القلب” وملحمة “المصراوية” و”حرب الجواسيس”.
هشام سليم.. ضحية وسامته
شهدت السينما المصرية تحولا بارزا مع الألفية الجديدة، وتصاعد موجة الكوميديا الشبابية الجديدة بنجومها الأبرز: علاء ولي الدين ومحمد هنيدي ومحمد سعد، موجة جديدة لا مكان فيها لنموذج جيل المتفرجين كهشام سليم، فرغم تقديمه أفلاما كوميدية مثل “ميت فل” و”يا مهلبية يا”، فإن الموجة الكوميدية الجديدة لا تعتمد هذا النوع، بل تعتمد الكوميديا الشكلية والأسلوبية، مثل قصر القامة أو الوزن الزائد أو الشخصية الساذجة ذات اللغة المضحكة، وهي صفات بالتأكيد لم يملكها هشام سليم الذي يمكن اعتباره ضحية لوسامته، فقد حصرته ملامحه في أدوار رجل الأعمال أو الشخصية المثالية أو ضابط الشرطة، وهي الأدوار التي برع من خلالها أو حُصر فيها في السينما والتلفزيون خلال ما تبقى من مسيرته الفنية، وهو ما يتبدى في مسيرة أعماله التلفزيونية “المصراوية” و”هجمة مرتدة” وحتى “حرب الجواسيس”.
ومثلما تُوفي الأب صالح سليم بسرطان الكبد عام 2002 عن عمر ناهز 72 عاما، توفي الابن بسرطان الرئة صباح أمس الخميس، بعد مدة صراع مع المرض قرر خلالها التكتم على مرضه كما يفعل مقاتل نبيل.