رفع اقتصاديون -شملهم استطلاع أجرته صحيفة وول ستريت جورنال هذا الشهر- توقعاتهم بشأن احتمال وصول الاقتصاد إلى مرحلة الركود في وقت ما في الأشهر الـ12 المقبلة، إلى 28%، مع تشديد بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي سياسته النقدية لخفض معدلات التضخم.
ففي مقال نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) الأميركية، قال الكاتبان جوين جيلفورد وأنتوني ديباروس إن الاقتصاديين يتوقعون تنامي مخاطر الركود بعد أن أدى ازدهار الاقتصاد الأميركي إلى زيادة التضخم، مما ترتب عنه استجابة قاسية من مجلس الاحتياطي الفدرالي.
وبحسب جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في شركة “آر سي إم” (RCM) ذات المسؤولية المحدودة، فإن “خطر الركود آخذ في الارتفاع بالنظر إلى سلسلة صدمات العرض المتتالية في جميع أنحاء الاقتصاد، ولمعالجة التضخم يرفع بنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة”.
وخفض الاقتصاديون توقعاتهم للنمو هذا العام. وفي المتوسط، يرون ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي المعدل حسب التضخم بنسبة 2.6% في الربع الرابع من عام 2022 مقارنة بالعام السابق، مع تسجيل انخفاض بنقطة مئوية كاملة عن متوسط التوقعات قبل 6 أشهر، على الرغم من أنه لا يزال أعلى من متوسط معدل النمو السنوي البالغ 2.2% في العقد الذي سبق الجائحة.
خطر الانكماش
إن خطر الانكماش الذي يلوح في الأفق إلى جانب التضخم المرتفع المثير للقلق الذي وصل إلى 7.9% في فبراير/شباط، يعكس سياسة بنك الاحتياطي الفدرالي التي تهدف إلى جعل الاقتصاد مستقرا بما يكفي لخفض التضخم، ولكن ليس لدرجة التسبب في تراجع الإنفاق وارتفاع معدلات البطالة.
وفي الشهر الماضي، رفع البنك المركزي سعر الفائدة القياسي ربع نقطة، وأعلن عن 6 زيادات أخرى بحلول نهاية العام، وهي الوتيرة الأكثر عدوانية منذ أكثر من 15 عاما.
ويتوقع حوالي 84% من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع أن يرفع بنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة بنصف نقطة في أوائل مايو/أيار، في حين أن أكثر من 57% منهم يرجحون زيادتين أو أكثر من هذا القبيل حتى نهاية عام 2022.
ويتوقع متوسط الخبراء الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع، أن يرفع بنك الاحتياطي الفدرالي نطاق سعر الفائدة على الأموال الفدرالية إلى 2.125% بحلول نهاية عام 2022، ثم إلى 2.875% بحلول ديسمبر/كانون الأول 2023، وهي قريبة من توقعات بنك الاحتياطي الفدرالي.
لكنهم يتوقعون أيضا أن يظل التضخم مرتفعا مسجلا في المتوسط معدل 7.5% خلال يونيو/حزيران 2022، مع تسجيل تراجع إلى 5.5% بحلول ديسمبر/كانون الأول.
وبحسب تقديرات الخبراء، من المرجّح أن يعود معدل التضخم إلى 2.9% بحلول أواخر عام 2023.
ويؤكد الكاتبان أن ارتفاع التضخم لا يزال يشكل الخطر الاقتصادي الرئيسي، لأنه يقوّض القدرة الشرائية وثقة المستهلك ويدعو بنك الاحتياطي الفدرالي إلى تشديد سياسته النقدية.
مصدر التضخم
يختلف الاقتصاديون حول أكبر مصدر للمخاطر التضخمية، إذ أشار ثلثهم تقريبا إلى أسعار السلع والغذاء والغاز باعتبارها محفزا رئيسا، بينما لفت 15% من الخبراء إلى حرب روسيا مع أوكرانيا باعتبارها العامل الرئيسي وراء ارتفاع معدل التضخم.
من جانبها، تتوقع إيمي كروز كاتس من “إيه سي كاتس آند أسوشيتس” ذات المسؤولية المحدودة ارتفاع معدل التضخم أكثر، وهي تعزو ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا. لكن على الرغم من أن السياسة النقدية ليس لها تأثير يذكر في تلك الأسعار، فإن المستوى المثير للقلق الذي بلغه التضخم يفرض ضغطا على بنك الاحتياطي الفدرالي للتحرك.
وتضيف كاتس التي ترفع احتمال حدوث ركود في الأشهر الـ12 المقبلة إلى 70%، أن الاستجابة السياسية الوحيدة لبنك الاحتياطي الفدرالي هي تشديد سياسته النقدية، لكن إجراءاته للحد من التضخم ستؤدي إلى ركود عاجلا لا آجلا”.
في المقابل، أشار 27% من المشاركين إلى نمو الأجور أو ضيق سوق العمل باعتباره أكبر تهديد تضخمي.
وبحسب فيليب ماري كبير المحللين الإستراتيجيين الأميركيين في “رابوبانك”، فإن “أزمة أوكرانيا ستتسبب في زيادة التضخم على المدى القريب، لكن دوامة الأسعار والأجور بدأت بالفعل تشكل تهديدا أكثر ديمومة على استقرار الأسعار”.
وفي مثل هذه الدوامة، يحصل العمال على أجور أعلى لمواكبة ارتفاع الأسعار، ثم تدفع تلك الأجور المرتفعة الشركات إلى رفع الأسعار أكثر، ونظرا لأن هذه العملية جارية بالفعل، فسيتعين على بنك الاحتياطي الفدرالي رفع أسعار الفائدة بما يكفي لكسر ديناميكية التضخم.
ويرجح روبرت فراي من شركة “روبرت فراي إيكونوميكس” ذات المسؤولية المحدودة، فرصة حدوث انكماش في الأشهر الـ12 المقبلة بنسبة 15% فقط، لكنه يرفعها إلى أكثر من 50% خلال الأشهر الـ24 المقبلة، ويتوقع حاليا أن يدوم الركود لثلاثة أرباع وأن يبدأ في الربع الأخير من عام 2023.
ويضيف فراي “تكمن المشكلة الحقيقية في فائض الطلب الناتج عن السياسات المالية والنقدية للعام الماضي”. لهذا السبب، كلما تأخرت استجابة الاحتياطي الفدرالي للسيطرة على التضخم، تعمق الركود أكثر. يدرك حوالي 63% من الاقتصاديين أن الاحتياطي الفدرالي سيكون قادرا على كبح جماح التضخم دون التسبب في الركود، وهو ما يسميه الاقتصاديون “الهبوط الناعم”، بينما يقول كثيرون إن الاقتصاد في وضع جيد لتحمل السياسة النقدية على ضوء تراجع معدلات البطالة وارتفاع الدخل بشكل مطرد وانخفاض ديون المستهلكين.
ويرى ليو فيلر، كبير الاقتصاديين في كلية أندرسون للإدارة بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، أنه “لا يزال هناك الكثير من الطلب المكبوت والزخم في الاقتصاد، وقد تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى خفض النمو من حوالي 4-5% إلى حوالي 2-3% هذا العام، لذلك سنشهد تباطؤا كبيرا في النمو، ولكن يبدو أن احتمال حدوث ركود اقتصادي غير مرجح”.